هي منحة للمحررين أم محنة ..!
بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
6-9-2013
منذ أن تحرروا في صفقة " شاليط " ، ونالوا من السلطة الوطنية الفلسطينية ما نالوا من حقوقهم ، ان كان على مستوى الرتب العسكرية التي تليق بتضحياتهم ، أو على مستوى توفير دخل ثابت يتناسب والسنوات الطويلة التي أمضوها في السجون الإسرائيلية ، أو خلال المنح المالية المقدمة لهم من السيد الرئيس " أبو مازن " لكي تساعدهم في تلبية احتياجاتهم العاجلة .
ومنذ أن صرفت " منحة الحياة الكريمة " لمن أمضى منهم عشر سنوات وما يزيد في السجن والتي تراوحت ما بين عشرين إلى خمسين ألف دولار ... وهناك غصة في قلوب المحررين الآخرين ممن تحرروا من قبل ولم يُقدر لهم أن يتحرروا في تلك الصفقة .
غصة في قلوبهم ، ليس كرهاً لإخوانهم ، أو حسداً على ما نالوه من حقوق ، أو رفضاً لإنصافهم المشروع وانتقاصاً من حقهم الطبيعي بالعيش بكرامة ، أولئك الذين تقاسموا معهم معاناة القيد وصدأ القضبان ، وذاقوا سوية مرارة السجن وقهر السجان .
وإنما قهراً ليس بعده قهر على ما وقع عليهم من ظلم ، وعدم إنصافهم ومساواتهم بزملائهم ، لا سيما أولئك الشيبة والعجزة ومحدودي الدخل ، وأولئك الذين أنهكت الأمراض أجسادهم ، وأثقلتهم هموم الحياة ، وأضعفهم العجز في تلبية احتياجات أسرهم وأبنائهم الأساسية .
فيما بعضهم بات يشعر بالألم والحزن جراء هذا التمايز والتمييز في المعاملة ، وطبيعة وحجم ومستوى الخدمات المقدمة للآخرين دونهم ، وكأنما ينتقص من تاريخهم ونضالاتهم وتضحياتهم الجسام ، وباتوا غير قادرين على تبرير ما يحدث أمام أبنائهم وأحفادهم .
يا للقسوة والألم .. فلأول مرة نقف في مواقف محرجة ، نعجز فيها عن إيجاد إجابة واضحة وصريحة لسؤال ، بل لأسئلة كثيرة ومشروعة تناقلتها ألسن المحررين ..
ما الفرق بين مناضل أعتقل منذ السنوات الأولى لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، ومناضل آخر في الانتفاضة الأولى والثانية ؟ وما الفرق ما بين أسير تحرر في صفقة التبادل عام 1985 وآخر في الإفراجات السياسية التي أعقبت اتفاقية أوسلو ، أو أسير تحرر بعد قضاء محكوميته بعد سنوات طويلة في الأسر ؟
وما الحكمة في إنصاف محرري صفقة " شاليط " ، ومن تحرروا وسيتحررون في إطار المفاوضات الجارية ، واستبعاد الآخرين ؟.
أسئلة كثيرة تتبادر للذهن بحاجة إلى إجابة واضحة تستند على مبدأ العدل والمساواة فيما بين الأسرى كافة وبغض النظر عن الآلية التي تحرروا بها وتوقيتها ، وإنما تعتمد على عدد السنوات التي أمضاها هذا الأسير أو ذاك داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي .
ومنذ بضعة أشهر صار معلوماً لدى الأسرى المحررين بأن السلطة الوطنية الفلسطينية ستصرف منحة الحياة الكريمة إلى كافة المحررين ممن أمضوا خمس سنوات وما يزيد استناداً لما هو معلوم أيضا لقرار مجلس الوزراء الفلسطيني السابق ، وسارعت الفئة المستهدفة بتقديم أوراقها الثبوتية إلى مكاتب وزارة الأسرى لإتمام الإجراءات اللازمة .
وذلك اعتقاداً منهم بأنها حق وخطوة في معالجة وتصحيح الأمور السابقة ، ومقدمة نحو إقرار اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون الأسرى والمحررين وإنصاف من يتقاضون رواتب محدودة .
والكل بات ينتظر بدء الصرف رغم اللغط الذي حدث في بعض الأوقات حول الإلغاء من عدمه ، والأخبار المتناقضة في أوقات أخرى حول موعد أو تأجيل الصرف ، وكل واحد منهم بدأ يحسب ما يستحقه ، وتفنن في رسم أحلامه ، ووضع خططه الآنية والمستقبلية ، وأشرك زوجته وأبنائه في صياغة وصناعة حلمهم الجماعي .. وفجأة بدا وكأن كل شيء انهار .
فانهارت الأحلام ، وتحولت " منحة الحياة الكريمة " التي كانت قاب قوسين أو أدنى ، إلى " محنة " قاسية أصابت حياة الأسرى المحررين في الصميم .
والحمل بات ثقيلاً على وزير الأسرى والمحررين الذي لم يدخر جهداً طوال ثلاث سنوات مضت من أجل إقرار منظومة متكاملة تنصف الجميع ، وتكفل للأسرى والمحررين وذويهم حياة كريمة .
بالأمس صرّح رئيس الوزراء الفلسطيني د.رامي الحمد الله بأن منحة الحياة الكريمة للأسرى المحررين بحاجة إلى إصدار قرار من الرئيس محمود عباس، لتنظيم صرفها حسب المادة الخامسة من القانون الأساسي الفلسطيني، ونوه إلى أنه عرض موضوع المنحة على الرئيس ، بانتظار إصدار قانون يعالج الموضوع .
آمل وبثقة المتفائل ، كما يأمل ذلك كافة الأخوة المناضلين المحررين من سيادة الرئيس محمود عباس " أبو مازن " الإسراع في معالجة هذه القضية وحسم الموقف منها بما يضمن إنصاف كافة الأسرى المحررين .
ويكفل لهم ولذويهم مستوى لائق من الحياة الكريمة ، لأنهم الحالة الضميرية المتقدمة للنضال الوطني الفلسطيني ، وهم من أفنوا زهرات شبابهم وسنوات عمرهم في السجون من أجل حرية هذا الوطن ومستقبل هذا الشعب .
عبد الناصر عوني فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان