الإرباك الليلي وزي الشاباص.. أساليب إبداعية للأسرى الفلسطينيين في مواجهة إجراءات الاحتلال
الجزيرة نت
6/3/2023
غزةـ للأسبوع الثالث على التوالي، يخوض الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي غمار مواجهة متدرجة مرشحة للتصاعد؛ احتجاجا على إجراءات عقابية تنفذها ضدهم ما تسمى "مصلحة السجون" بتعليمات من وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال المتطرف إيتمار بن غفير.
وفي الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي، قام بن غفير بزيارة سجن نفحة (في صحراء النقب)، هي الأولى له منذ توليه منصبه، وكان هدفها -حسب ما أعلنه بيان صادر عن مكتبه- "التحقق من أن ظروف الأسرى لن تتحسن"، وأتبعها بسلسلة إجراءات تزيد واقع الأسرى سوءا.
ردّ الأسرى بإعلان "التعبئة الشاملة"، وبدؤوا في 14 فبراير/شباط الماضي تنفيذ احتجاجات ضمن "برنامج نضالي تصاعدي"، من المتوقع أن تصل ذروته مطلع شهر رمضان المقبل (بعد أسبوعين)، ما لم تتراجع مصلحة السجون عن إجراءاتها التي تمس حياتهم بشكل مباشر.
وبرزت من بين وسائل احتجاجية تقليدية دأب الأسرى على استخدامها في مواجهات سابقة مع مصلحة سجون الاحتلال، ابتكارهم أساليب جديدة؛ كالإرباك الليلي، وارتداء الزي الموحد للسجون المعروف "بالشاباص".
الإرباك الليلي
مساء الأربعاء الماضي، شهدت السجون لأول مرة وبشكل موحد ومتزامن فعاليات أطلقت عليها لجنة الطوارئ العليا للأسرى المؤلفة من جميع القوى والفصائل الفلسطينية مصطلح "الإرباك الليلي"، الذي استلهمته من تجربة مسيرات العودة وكسر الحصار في غزة عام 2018، التي تميزت بفعالياتها على امتداد السياج الأمني المحيط بقطاع غزة من الناحية الشرقية.
عند الساعة 10 ليلا من مساء ذلك اليوم، استنفر الأسرى وأحدثوا حالة واسعة من الضجيج والإزعاج في سجون مختلفة، عبر قرع أبواب الغرف والأقسام، وأواني الطبخ، وإطلاق صيحات من التهليل والتكبير، حسب ما أفادت به وزارة شؤون الأسرى والمحررين للجزيرة نت، نقلا عن أسرى.
وقال الناطق باسم الوزارة منتصر الناعوق -في تصريح للجزيرة نت- إن مصلحة سجون الاحتلال في سجن النقب واجهت فعاليات الإرباك الليلي بحرمان الأسرى من زيارة الأهل، والزج ببعضهم في الزنازين الانفرادية، والحرمان من الرياضة.
الناعوق أسير محرر خاض تجربة الاعتقال 3 أعوام، وعلى تواصل مع الأسرى عبر "قناة اتصال خارجية سرية"، أكد أن فعاليات الإرباك الليلي أحدثت أثرا ملموسا، بوصفها وسيلة احتجاجية جديدة للأسرى الذين لا يتوقفون عن ابتداع وسائل من أجل مواجهة الظلم الذي يتعرضون له.
وعن آلية تنفيذ هذه الفعاليات، أوضح الناعوق أن قوانين سجون الاحتلال تمنع الأسرى من مغادرة غرفهم بعد الساعة السادسة مساء، وتغلق الأقسام التي تفتحها يوميا عند الساعة الثامنة صباحا لخروج الأسرى إلى الفورة (الفسحة اليومية) أو العيادة الطبية والمحاكم.
ووفقا للناعوق، فإن اختيار الأسرى الساعة العاشرة كان موفقا، حيث الهدوء وركون إدارة السجون والحراس إلى الراحة، في ظل أجواء هادئة حوّلها الإرباك الليلي إلى فوضى استفزت الإدارة، واستدعت الاستنفار العام.
من جانبه، قال مدير الدراسات والتوثيق في "هيئة شؤون الأسرى والمحررين" التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية عبد الناصر فروانة -في تصريح للجزيرة نت- إن الإرباك الليلي يخلق حالة من عدم الاستقرار الأمني في السجون، ويكبد مصلحة السجون جهدا ووقتا في السيطرة والتأمين.
وتبعث فعاليات الإرباك الليلي -حسب فروانة- وكأسلوب مبتكر في المواجهة رسالة من الأسرى مع ارتدائهم زي "الشاباص" أنهم مستعدون للذهاب في المواجهة إلى أبعد مدى للدفاع عن حقوقهم ومكتسباتهم الحياتية التي انتزعوها بفضل مواجهات سابقة.
ومن أجل تجنب الاستفراد بهم، وتوسيع دائرة الإرباك والفوضى، يعتمد الأسرى على تنفيذ هذه الفعاليات سواء بشكل جماعي ومتزامن أو غرفة بعد غرفة، وفقا لفروانة.
زي الشاباص
الشاباص هي مديرية مصلحة السجون الإسرائيلية، ويطلق الأسرى مجازا على الزي الموحد الذي تزود به المديرية الأسير لحظة دخوله السجن اسم "الشاباص" الذي يكون مطبوعا بلون أبيض على زيّ بني اللون.
ونتيجة مواجهات سابقة خاضها الأسرى نجحوا في انتزاع امتياز الحصول على ملابس عادية يحصلون عليها من أموالهم الخاصة، توفرها مصلحة السجون داخل "الكانتينا" بأسعار باهظة.
ولا يرتدي الأسرى هذا الزي داخل غرفهم وأقسامهم، إلا لحظة الخروج للساحة أو زيارة الأهل أو التنقل للمحاكم، ويرى فروانة في ارتداء الأسرى زي "الشاباص" ضمن خطوات برنامجهم النضالي التصاعدي رسالة مفادها "نحن أسرى ومستعدون للتضحية بكل شيء من أجل حريتنا وكرامتنا".
ويتفق الناعوق مع فروانة على أن زي الشاباص "رسالة تقشف"، ويريد الأسير أن يقول لإدارة السجون "أنا أسير وأنت ملزمة بتوفير جميع احتياجاتي".
ورأى الناعوق أن ارتداء هذا الزي يعد تأكيدا من الأسرى على "وحدة الهدف والموقف والقرار"، وهي رسالة غضب على الإجراءات العدائية ضدهم، وأنهم مستعدون "للمواجهة الجماعية والشاملة مهما كان الثمن".
إجراءات بن غفير
يتجه الأسرى نحو خطوات أكثر حدة وتأثيرا خلال الأسبوع الجاري، نتيجة عدم وجود توجه حقيقي لدى مصلحة إدارة السجون لإنهاء الإجراءات والقرارات الأخيرة التي أوصى بها بن غفير، وتمس حياتهم وواقعهم المعيشي بشكل مباشر. وحسب ما نقلته وزارة شؤون الأسرى والمحررين عن لجنة الطوارئ العليا للأسرى فإنه "ستبقى هذه الخطوات في حالة تصاعد حتى موعد الشروع في خطوة الإضراب المفتوح عن الطعام في الأول من رمضان المقبل".
وقال مدير الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين إن الأسرى يتمتعون "بعقلية إبداعية"، وينفذون برنامجهم النضالي وفق خطة مدروسة، وخيار الإضراب المفتوح عن الطعام هو آخر خياراتهم ويمثل ذروة المواجهة.
وتوقع الناطق باسم وزارة شؤون الأسرى والمحررين تصاعد الحالة النضالية للأسرى في ظل إصرار إيتمار بن غفير على إجراءاته، واتساع نطاقها يوما بعد يوم، والادعاء الكاذب منه بأن "الأسرى الفلسطينيين يعيشون في رفاهية مبالغ فيها داخل السجون".
وحدد الناعوق أبرز إجراءات التقييد والعقاب التي اتخذت ضد الأسرى منذ تولي إيتمار بن غفير في التالي:
- التحكم في كمية المياه التي يستخدمها الأسرى وتقليص مدة الاستحمام بحيث تتراوح بين دقيقتين و4 دقائق فقط، وتحديد ساعة واحدة في اليوم للجميع، وقطع المياه الساخنة عن الحمامات الموجودة داخل الغرف.
- تزويد الأسرى بخبز رديء، وفي بعض السجون تم تزويد الأسرى بخبز مجمد، بناء على توصية بن غفير لمخابز مصلحة السجون، التي كانت قبل توليه توصل الخبز للأسرى عند الساعة 8 صباحا، وأصبح الآن يصل بعد 3 أيام من خبزه.
- تكثيف عمليات الاقتحام وتفتيش الأسرى والأسيرات، وسط أجواء من الإرهاب باستخدام القنابل الصوتية والكلاب البوليسية.
- حرمان المرضى من العلاج، وبعضهم في حاجة إلى عمليات جراحية عاجلة.
- مضاعفة عمليات العزل الانفرادي، وسحب أجهزة التلفاز من أقسام الموقوفين الذين يقبعون في أقسام ما تسمى "المعبار"؛ وهي سجون خاصة مؤقتة يوضع بها الأسرى أياما غير محددة خلال عملية نقلهم من سجن إلى آخر أو إلى المحاكم.
- تصعيد عمليات نقل قيادات الحركة الأسيرة، وأسرى المؤبدات تحديدا.
- توسيع نطاق قرار منع أسرى حركة حماس من الزيارة وربطها بملف الجنود الإسرائيليين الأسرى لدى المقاومة في غزة.
وقال الناعوق إن هناك إجراءات أخرى قيد التنفيذ، كتقييد ممارسة الرياضة وساعات الفسحة اليومية وشراء الملابس، وسحب الأجهزة الكهربائية، وتقليص قنوات التلفاز، وفرض قنوات وإلغاء أخرى، مثلما حدث أثناء الحرب الأولى على غزة عام 2009 بإلغاء قناة الجزيرة الفضائية كليا وحتى اللحظة، لحرمان الأسرى من متابعة تطورات الساحة الفلسطينية.
ويقبع في سجون الاحتلال نحو 4700 أسير، بينهم نحو 300 طفل و28 امرأة، ومئات المرضى وكبار السن.
المصدر : الجزيرة