مع دخوله العام الـ22 في سجون الاحتلال

الأسير غنيم .. إصرار فلسطيني على إدراجه بصفقة التبادل رغم الرفض الإسرائيلي

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

6-7-2010

نشرت صحيفة يديعوت العبرية يوم الاثنين الموافق 28 حزيران الماضي ، أسماء وصور لأربعين أسيرا فلسطينيا طالبت بهم الفصائل الآسرة لـ " شاليط " ضمن صفقة التبادل مع جلعاد شاليط، فيما لا تزال الحكومة الإسرائيلية ورئيس وزرائها " بينيامين نتنياهو " ترفض إدراجهم ضمن الصفقة وتصر على بقائهم في الأسر ، وهذا أحد الأسباب التي تعيق التوصل لاتفاق نهائي حول الصفقة .

ولقد تضمنت القائمة أسماء لأسرى فلسطينيين يعتبرون من رموز المقاومة والانتفاضة ، فبدأت بالأسير عبد الله البرغوثي ، وانتهت بالأسير عبد الهادي غنيم ، وما بين هذا وذاك أسماء يفخر بها الشعب الفلسطيني ويصر على ادراجها ضمن الصفقة .

ودعونا نتعرف اليوم على الأسير " عبد الهادي غنيم " الذي يحمل الرقم ( 40 ) على القائمة التي تصر اسرائيل على استبعادهم من الصفقة  ، مع دخوله العام الثاني والعشرين في سجون الاحتلال ...

وحكاية " غنيم " هي واحدة من حكايات الأسرى التي تستحق أن تؤرخ وتنشر وتوزع ، كي يعرف العالم كم نحن على حق حينما نطالب بحرية هؤلاء ، وأن ( لا ) عودة لـ " شاليط " دون عودة غنيم وأمثاله من القدامى ورموز المقاومة إلى عائلاتهم وأحبتهم .

 

يقضي حكماً بالسجن لمدة (2064 ) سنة، وتنتهي وفقاً لأجندة الاحتلال عام ( 4053 ) فيما تصر الفصائل الفلسطينيةعلى انتهائها مع اتمام الصفقة .. !.

" عبد الهادي سلمان رافع غنيم " أسير فلسطيني يبلغ من العمر ( 45 عاماً ) متزوج وله ولد واحد أسماه " ثائر " ، وهو من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة ، وكان قد اعتقل في السادس من يوليو / تموز عام 1989 ، وصدر بحقه حكماً بالسجن المؤبد ( 16 ) مرة ، بالإضافة إلى ( 480 ) عاماً ، وبمجموعها فانه يقضي حكماً بالسجن لمدة (2064 ) سنة، بدأت عام 1989، وتنتهي رسمياً حسب سجلات المحاكم الإسرائيلية ووفقاً لأجندة الاحتلال عام ( 4053 ) .. !.

ولكن حسب سجلات الشعب الفلسطيني وأجندة المقاومة الفلسطينية والفصائل الآسرة لـ " شاليط " ، فلربما تنتهي فترة محكوميته خلال اسابيع أو بضعة شهور ، أو بعد بضع سنوات .

 

الأسير " غنيم  " فلسطيني الهوية ، فتحاوي الإنتماء ، لم يقبل أن الوقوف على قارعة الطريق مكتوف الأيدي وشعبه يُذبح ، ووطنه مغتصب والقدس أسيرة .

 كما لم يكتفِ بمجرد الإنتماء لحركة " فتح " ، بل اختار بجانب هذا الانتماء الإلتحاق بالعمل الفدائي النوعي والاستشهادي الرائع ، فنفذ عملية الحافلة ( 405 ) في السادس من تموز عام 1989 ، أي قبل واحد وعشرين عاماً ..

فصنع من اسمه مفخرة وعلامة مميزة في مسيرة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، وقدم بعمله نموذجاً جديداً ناجحاً في العمل الفدائي ، وبات اسمه يتردد بفخر على ألسنة كل من آمن بالمقاومة طريقاً لتحرير فلسطين .

 وأضاف صفحة مضيئة واسماً جديداً لتاريخ حركة التحرير الوطني الفلسطيني " فتح " الحافل والزاخر بالصفحات المضيئة وبالأسماء اللامعة والبارزة التي  تغنى بها الأجداد والآباء ، ورددناها نحن الشباب وسيرددها الأحفاد ، لطالما بقىّ الشعب الفلسطيني حياً ، وهو حياً لم ولن يمت ...

 

( 21) عاماً في سجون الاحتلال .. شامخاً لم ولن ينكسر رغم اللاءات الإسرائيلية

21 عاماً مضت على اعتقاله ، قضاها في غرف معتمة وزنازين مظلمة ، وتلقى خلالها معاملة قاسية ، وعانى الحرمان وسوء التغذية والعلاج ، متنقلاً بين سجون هي الأسوأ والأقسى في العالم .

" عبد الهادي غنيم " أسير فتحاوي إلتحق قسراً  قبل عام بقافلة "عمداء الأسرى " وهذا مصطلح يطلق على من مضى على اعتقالهم عشرين عاماً وما يزيد ، وربما يلتحق قسراً أيضاً بقائمة " جنرالات الصبر " وهو مصطلح يُطلق على من مضى على اعتقالهم ربع قرن وما يزيد .

ولكن الأهم أنه وخلال واحد وعشرين عاماً مضت لم يستسلم للواقع المرير ، ولم تهتز معنوياته أو تضعف إرادته .. بل شمخ وتعملق وكان نداً قوياً للسجان ، وكما صنع من اسمه علامة بارزة في الثورة والمقاومة ، فانه صنع منه نموذجاً يُحتذى بين إخوانه في الحركة الوطنية الأسيرة ، وغدى قائداً من قيادات حركة " فتح " والحركة الأسيرة في سجون الإحتلال ، ولم يعد أحدٌ يسمع عن  الحركة الأسيرة ، إلا ويبرز ويتردد لمسامعه اسم " عبد الهادي غنيم " بصموده وشموخه وتعملقه .

والأهم أيضاً أن ( لا ) صفقة دون " غنيم " وأن الفصائل الآسرة لـ " شاليط " أكدت مراراً رفضها للاءات الإسرائيلية واصرارها على إدراج كافة الأسرى القدامى ضمن صفقة التبادل ، و" غنيم " هو واحد من هؤلاء القدامى ، بل واحد من عمداء الأسرى .

 

عمليته هزت أركان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية

 

 لم يكن اعتقال " أبا ثائر " بالشيء العادي أو لمجرد اعتقال مواطن هنا وهناك ، بل كان حدثاً أربك كل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية ، وتناولته وسائل الإعلام المختلفة باستهجان وهلع وصرع ، لقوته وما ألحقه من خسائر بشرية .

انها عملية فدائية ، نوعية ومميزة وغير مسبوقة ، عملية نفذت طواعية وارتجالية ، فلم يكن بحاجة إلى سلاح ناري ، أو حزام ناسف أو سيارة مفخخة وجيش من المساعدين ، كما لم يكن بحاجة أيضاً إلى مساعدة صديق أو قائد يخطط له ويوجهه .

 فقط اعتمد على انتمائه ودوافعه الوطنية ، وإرادته الفولاذية وإصراره العنيد الذي لا يلين ، فحقق ما أراد بامتياز ، فألحق خسائر بشرية فادحة في صفوف الاحتلال ، وهذا ما أزعج وأقلق الاحتلال ، وأعاد صياغة كل الإجراءات الأمنية داخل الحافلات العاملة في " اسرائيل " خشية من تكرارها .

تفاصيل العملية ..

في صبيحة يوم السادس من يوليو/ تموز عام 1989 ، وبعد أقل من عام على اندلاع الانتفاضة الأولى ، قرر الثائر " أبو ثائر " تنفيذ عملية استشهادية انتقاماً لدماء الشهداء والجرحى ولمعاناة الأسرى ، فتوجه إلى محطة الحافلات المركزية في " تل أبيب " وبعد متابعة دقيقة لحركتها وعدد ونوعية الركاب الصاعدين إليها ، قرر الصعود إلى الحافلة رقم " 405 " المتجهة إلى مدينة القدس المحتلة  ، وجلس في المقاعد الأمامية .

وحينما اقتربت الحافلة من منطقة أبو غوش وبالتحديد فوق منطقة واد سحيق ، صرخ مكبراً " الله أكبر " ، وانقض بقوة نحو السائق ومسك بمقود الحافلة بقوة لم يعتد عليها من قبل ، ولم يستطع السائق ومن حوله منعه من تنفيذ ما أراد تنفيذه ، فانتصر بقوة الانتقام والثأر وحرف مسار الحافلة لتسقط هاوية بمن فيها من ركاب عشرات الأمتار ، وتستقر في أسفل قاع الواد  ، متحطمة ، متفحمة ، متناثرة إرباً إرباً ، وجثث وأشلاء عشرات الإسرائيليين والجنود هي الأخرى متناثرة ، والحصيلة النهائية مقتل ستة عشر إسرائيلياً ، وإصابة 24 شخصاً آخرين جروحهم مختلفة ، وبعضهم فقدوا أطرافاً  من أجسادهم .

أما الثائر " أبو الثائر" لم ينل الشهادة كما كان يتمنى ، وقُدِّر له أن يبقى على قيد الحياة ، رغم إصابته في الرأس والساق والحوض ، ليتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب رغم جروحه وإصابته ودمه النازف ، وحاولوا إذلاله والانتقام منه ، فكان أقوى منهم وتفولذ في أقبية التحقيق ، وتعملق على جلاديه ، وانتصر على سجانيه ، فبقىّ شامخاً فخوراً بما قام به .

 

وبعد شهور من التعذيب المميت صدر بحقه حكماً جائراً بالسجن الفعلي المؤبد ستة عشر مرة ، وأربعمائة وثمانين عاماً، ليبدأ مع إخوانه الأسرى مرحلة جديدة من الحياة والنضال والمعاناة خلف القضبان ، ليُجبر في بدءها بالمكوث في غرف العزل الانفرادية الرهيبة في سجن الرملة ليمضي فيها أكثر من ثلاث سنوات ، ومن ثم يتنقل قسراً كغيره من الأسرى من هذا السجن إلى ذاك ، ومن هذه الزنزانة الانفرادية إلى تلك ، ليمضي ما مجموعه عشرة سنوات من فترة اعتقاله في أقسام وزنازين العزل الانفرادية مختلفة الأسماء والأمكنة ، في عزل الرملة أو عزل عسقلان أو عزل ايشل في بئر السبع أو غيرها ، فالأسماء مختلفة والزنازين والأهداف واحدة .

لم يرَ طفله خشية من التأثير على قراره

 

وخلال مسيرة حياته واعتقاله الطويلة تعرض لكثير من المواقف المؤلمة والمحزنة ، المؤثرة والمعبِّرة ، فوالده توفى حينما كان " عبد الهادي " في عمر الورود ولم يكن قد تجاوز العاشرة من عمره .

وأمه توفيت قبل عامين تقريباً دون أن يتمكن من رؤيتها أو تقبيلها قبلة الوداع الأخير أو المشاركة في تشييع جثمانها إلى مثواها الأخير ، وهذا الحدث أثر فيه كثيراً ، وزوجته لم تزره منذ سنوات طوال ولم يرَ إخوانه وأحبته أو أصدقائه وجيرانه منذ اعتقاله .

وقبل يوم واحد من تنفيذ عمليته أنجبت له زوجته طفله الوحيد " ثائر " وذلك بتاريخ 5-7-1989 ، ولم يرغب في رؤيته خشية في أن يتأثر برؤيته وان يتغير قراره في تنفيذ العملية ، فاختار الإصرار على تنفيذ العملية انتقاماً لدماء الشهداء واللحاق بكوكبة الشهداء ، على أن يرى طفله وان يبقى بجانبه ، وها هو طفله يكبر بعيداً عنه محروماً من رؤيته ورعايته وحنانه ، لينهي دراسته الثانوية بتفوق ، وليلتحق بالجامعة ويسير بنجاح صوب التخرج والحصول على شهادة البكالوريوس .

ولا يزال الأسير " عبد الهادي غنيم "  يعاني من آثار الإصابة الناتجة عن العملية في ظل الأوضاع الصحية الصعبة التي تشهدها سجون الاحتلال والإهمال الطبي المتبع بداخلها ، كما ويعاني من التنقلات المستمرة وعدم الاستقرار ، لكن معنوياته مستقرة وثابتة وتعلو يوماً بعد يوم و يتعملق على سجانيه ويشمخ رغماً عنهم وعن أسوار السجن الشاهقة .

ويبقى من حقه أن يأمل بالعودة لمخيم النصيرات .. ومن حق ابنه ثائر أن يحلم بعودة أبيه إلى بيته ورؤيته واحتضانه بلا قضبان بعد  واحد وعشرين عاماً من الأسر و الحرمان والألم والمعاناة ، ومن حق زوجته وعائلته وأحبته أن يجددوا دوماً مطالبتهم للفصائل الآسرة بالتمسك بمطالبهم وعدم الخضوع للاءات والشروط الإسرائيلية .

فالرفض الإسرائيلي لن يقابله سوى تمسك فلسطيني بالقائمة وإصرار على إطلاق سراح الأسرى القدامى ورموز المقاومة ومن ضمنهم الأسير " عبد الهادي غنيم " الذي يحمل الرقم ( 40 ) على قائمة الرفض الإسرائيلي .

 

 

ملاحظة / تحرر الأسير عبد الهادي غنيم ضمن صفقةتبادل الأسرى " وفاء الأحرار" بتاريخ 18-10-2011

 

عبد الناصر عوني فروانة

أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية

0599361110

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org