أحمد.. من الطفولة إلى الرجولة وعشرون عاماً في الأسر..!

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

5-2-2022

 

الأسرى والمعتقلون هم ليسوا مجرد أرقام فقط، وإن كانت مسألة الإحصاء هامة ويجب القيام بها من أجل تسهيـل دراسة أوضـاع الأسرى، لأي مشروع خاص بهم. غير أن ما ينبغي معرفته، هو أن خلف هذه الأرقام تكمن مدلولات هامة، يجب فهمها والأخذ بها. إذ توجد من وراء هذه الأرقام حياة ومعاناة وآلاف من قصص العذاب والألم. فلكل أسير قصته التي يجب أن  تُروى على مسامعنا باستمرار، لتذكرنا بمن هم هناك خلف القضبان ووراء الشمس، ويجب ان تُنقل و تُحكى للعالم أجمع في إطار تدويل قضية الأسرى والمعتقلين، لنُطلع دعاة الإنسانية وحقوق الإنسان على بشاعة الاحتلال الإسرائيلي في التعامل مع الأطفال الفلسطينيين، على حجم المأساة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني في ظل الاحتلال ومع استمرار الاعتقال والسجن.

هذا أحمد صلاح الدين الشويكي، أسير مقدسي. كان طفلاً حين أصابته رصاصات قوات الاحتلال وأحدثت جرحاً في جسده، وسقوط رفيق دربه شهيداً في نفس الواقعة، حين كان يتواجد مع أصدقائه في أحراش جبل المكبر القريبة من حي الثوري، أحد أحياء مدينة القدس المحتلة. ومن ثم اقتربوا منه وتكاثروا حوله وأحاطوا به، ليس للاطمئنان على حالته مما أصابه، وتقديم العلاج اللازم له، وإنما لتقييد أطرافه بالسلاسل وسلب حريته تعسفاً ونقله إلى مراكز التحقيق والتوقيف سيئة الصيت والسمعة، ليلتحق بآلاف المُعذَبين والمُغَيبين في سجون الاحتلال الإسرائيلي. كان هذا في الثامن من شباط/فبراير عام2002.

حينها، كان أحمد طفلاً صغيراً يبلغ من العمر 14عاماً، واحتجز في ظروف قاسية، وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب، الجسدي والنفسي، في سجن المسكوبية، شأنه شأن باقي المعتقلين الكبار..! فالمُحتل بطبعه لا يرحم الأطفال وبراءة طفولتهم، ولا يراعي صغر سنهم وضعف بنية أجسامهم. كما ولم يستجب لنداءات وصرخات منظمات حقوق الإنسان التي تُطالبه باحترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في التعامل مع الأطفال الفلسطينيين، ووقف استهدافه لهم والزج بهم في سجونه ومعتقلاته وحرمانهم من أبسط حقوقهم الإنسانية.

ومرت الأيام والشهور و"أحمد" الطفل يُعاني وجع الاصابة وآلام الجرح وقسوة السجن والسجان، ليأتي دور القضاء الإسرائيلي الظالم الذي يفتقر لمعايير العدالة، ويفاقم من معاناة الطفل المُكبل بالأصفاد، فأصدرت المحكمة الاسرائيلية بحقه حكماً بالسجن الفعلي لمدة 20سنة..!!!

ومضت الايام والسنين، وبدلاً من ان يقضي "أحمد" طفولته في أحضان أهله وبين جيرانه وفي مدرسته مع أصدقاء الدراسة، قضاها قسراً في زنازين الاحتلال وبين جدران السجون خلف الشمس بعيداً عن كل هؤلاء، فكبر خلف القضبان وكبرت بداخله القضية، وتنقل من سجن لآخر ليسجل حضوراً في سجون عدة، وذاق من الألم والحرمان خلال سنوات اعتقاله على مدار عقدين من الزمن ما يفوق قدرة الإنسان على التحمل. لكنه "أحمد"، هو ذاك الفلسطيني القادر على تحمل الألم والمعاناة من أجل وطن يستحق التضحية. وطن ما زلنا نحلم بالعيش بحرية فوق ترابه وتحت سمائه دون احتلال.

وبعد 20سنة قضاها "أحمد" في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وهي مدة محكوميته كاملة، وبلغة الأسر "من الجلدة الى الجلدة"، يخرج (يوم الاثنين) من السجن رجلاً وقد بلغ من العمر 34عاما..!

يخرج "احمد" من سجنه ليُعانق الحرية وهو يتمتع بمعنويات عالية وشخصية قوية صقلتها التجربة الطويلة والحياة اليومية وتفاصيلها بين اخوة ورفاق في اطار الحركة الاسيرة التي نعتز بالانتماء إليها.

وكما تقول لي والدته، خلال اتصالي بها: لقد عانى "أحمد" وعانينا معه الكثير خلال العشرين سنة الماضية، جراء ممارسات الاحتلال وعدم انتظام الزيارات، لكن ما يُطمئننا أنه ما زال قوياً ويتمتع بمعنويات عالية، وننتظر الافراج عنه وعودته الى بيته واحتضانه على أحر من الجمر.

ونحن في هذا المقام نعدك بان نستمر في حمل القضية والدفاع عنها والاستمرار في طرح استهداف الأطفال الفلسطينيين وتأثيرات الاعتقال كلما أمكن ذلك، وكلما سنحت لنا الفرصة بذلك. هذا حقكم علينا وهذا جزء من واجبنا تجاهكم.

وفي الختام نذكر ان الاستهداف الاسرائيلي للأطفال الفلسطينيين يتصاعد بشكل لافت، خاصة أطفال القدس، وعلى سبيل المثال: خلال العام المنصرم سجل اعتقال أكثر من 1300 طفل في كافة المناطق الفلسطينية، أغلبيتهم كانوا من القدس، نحو 750 طفلاً..! بينما الأخطر أن هذا العدد شكّل زيادة تفوق ضعف ما سُجّل من اعتقالات في صفوف الأطفال المقدسيين خلال العام الذي سبقه 2020، والذي سُجّل فيه اعتقال 363 طفلاً من القدس. وحتى كتابة هذه السطور ما يزال 160 طفلا فلسطينيا يقبعون في سجون الاحتلال بينهم نحو 48 طفلاً من القدس. لذا وجب علينا التحرك الجاد وتكثيف الجهود من أجل الافراج عن كافة الأطفال وحماية واقع الطفولة الفلسطينية ومستقبلها.

احمد الشويكي.. من الطفولة إلى الرجولة وعشرون عاماً في الأسر..! فهنيئاً لك الحرية ولك ولأسرتك ومحبيك منا مليون تحية وسلام.

 

عن المؤلف

عبد الناصر فروانة: أسير محرر ومختص بشؤون الأسرى والمحررين، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة، وله موقع شخصي مختص بشؤون الأسرى: فلسطين خلف القضبان.