في العيد ...

عائلات تنتظر عودة أبنائها الأسرى ، وأخرى تنتظر عودة جثامين شهدائها

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

5-12-2008

بعد أيام قلائل تحل علينا مناسبة اسلامية عظيمة ، سعيدة على قلوبنا ، ألا وهي مناسبة عيد الأضحى المبارك ، فكل عام وأنتم بخير ، أعاده الله علينا وعليكم وعلى الأمتين العربية والإسلامية بالخير واليُمن والبركات .

ولكن ومع الأسف الشديد تعتبر هذه المناسبة صعبة وقاسية على الكثير من العائلات الفلسطينية ، ولم  يعد العيد بالنسبة لهم سعيداً ، فالاسرى الأحياء ، وذووهم أيضاً ، وذوو الشهداء المحتجزة جثامينهم منذ سنوات ، يعتبرون " العيد "مناسبة مؤلمة ، تتجدد فيها الآلام والمعاناة ، ويُستحضر خلالها مشاهد المأساة وصور المعاناة المختلفة .

واذا كان حُلم الناس في عيد الأضحى المبارك ، التوجه الى الأراضي الحجازية المقدسة لأداء فريضة الحج ، فان حلم آلاف العائلات الفلسطينية انحصر في عودة أبنائها الأسرى من سجون الإحتلال الإسرائيلي الى أحضانها ، ومئات العائلات الأخرى تنتظر عودة جثامين شهدائها وشهيداتها المأسورة لدى سلطات الإحتلال في ما يُعرف بمقابر الأرقام وثلاجات الموتى .

ليس هذا فحسب ، بل وفي الوقت الذي سيتوافد فيه ملايين حجاج بيت الله الحرام على جبل عرفة ، فان آلاف الأمهات الفلسطينيات تتمنى أن يُسمح لها بالتوافد الى عشرات السجون والمعتقلات الإسرائيلية المنتشرة في فلسطين لرؤية فلذات أكبادهن المعتقلة هناك ، في ظروف في غاية القسوة .

فالعيد .. يعتبر مناسبة صعبة وحزينة على قلوب الأسرى وذويهم ، مناسبة تسير ببطيء شديد كالسلحفاء وتمر ثقيلة كالجبال على رؤوسهم ، وكل طرف يحيا ويُحيي المناسبة بطريقته وفقاً لظروفه الخاصة وامكانياته المتاحة ، إلاَّ أن المعاناة وتجددها واستعادة الذكريات الأليمة وحلم الإلتقاء بلا قضبان ، وقضاء العيد سوياً في رحاب الحرية ، هي القواسم المشتركة فيما بين الطرفين ( الأسرى وذويهم ) .

وبعض الأسرى ينطوون لساعات طويلة في زوايا الغرف الصغيرة ، والبعض الآخر يشرع بترجمة  ما لديه من مشاعر على صفحات من الورق ، ليخط بعض القصائد والرسائل على أمل أن تصل لاحقاً لأصحابها أو قد لا تصل وتبقى حبراً على ورق .

يذكر أن من بين الأسرى من مرَّ عليهم عشرات الأعياد وهم في الأسر بعيدين عن ذويهم وأحبتهم وأطفالهم ، ومنهم من يحتفل بالعيد مع أبنائه داخل السجن ... ومنهم من فقدوا الأمل والى الأبد باحياء الأعياد مع آبائهم وأمهاتهم ، لأنهم فقدوهم وهم في السجن .

عائلات تنتظر عودة جثامين شهدائها

ويضيف الكاتب عبد الناصر فروانة في مقالته : وعائلات فلسطينية أخرى تنتظر ، ما لم تنظره عائلات أخرى في العالم أجمع ، عائلات تنتظر أن تستقبل جثامين أبنائها وبناتها ، شهدائها وشهيداتها المحتجزة لدى سلطات الإحتلال منذ سنوات عديدة ، لإكرامها ودفنها وفقاً للشريعة الإسلامية وفي مقابر إسلامية ، معدة ومؤهلة لذلك .

واذا كان الأسرى معتقلون في نفحة وعسقلان والنقب ، ومئات الشهداء محتجزة جثامينهم في ثلاجات الموتى ومقابر الأرقام ، فان ذويهم ليسوا أحسن حالاً ، فهم محتجزون في سجن كبير يُسمى " قطاع غزة " ، وآخرون محتجزون بين الحواجز الكثيفة المنتشرة في الضفة الغربية ، أو ممنوعون من الزيارات تحت ما يُسمى " المنع الأمني " .

ولهذا يضطر الأسرى وذووهم لقضاء أيام العيد مع مجموعة من الصور والذكريات ، فتنهمر من عيونهم دموع الحزن والأسى ، لتصنع أنهاراً من التواصل والترابط ، فتبدأ في نفحة وتصب في غزة ، أو تنبع من رام الله لتصب في عسقلان .. أو تنهمر في الخليل وتتشابك مع غزة ... والسؤال متى سيصنع هؤلاء أنهاراً أخرى من دموع الفرح والسعادة ... ؟؟

وما بين هؤلاء وهؤلاء .. يقف الإحتلال بصوره السوداوية وعنجهيته اللامحدودة ، يواصل اعتقالاته وانتهاكاته الخطيرة وجرائمه البشعة بحق البشر والشجر والحجر .. يواصل احتجازه لجثامين الشهداء عقاباً لهم حتى عد موتهم ، وعقاباً جماعياً لذويهم وعائلاتهم .. يواصل التلاعب بمشاعرنا ومشاعر أسرانا ، ويحاول تمزيق وحدتنا ووحدتهم ..

و سيمر عيد الأضحى كغيره من الأعياد السابقة ، ولن يعود فيه الأسرى البرغوثي ومنصور والرازم والكيال والحسني وسعدات وآمنة منى وأحلام التميمي ... ، لن تعود جثامين الشهداء والشهيدات هنادي جرادات ، دلال المغربي ، حامد الرنتيسي ومحمد فروانة ، آيات الأخرس ....

ولكن السؤال هل سيأتي العيد القادم وأسرانا في رحاب الحرية بين شعبهم وفي أحضان عائلاتهم ؟ هل سيأتي العيد القادم ونكون فيه قد استعدنا كافة الجثامين المحتجزة ، ودون أن يكون هناك جثمان  محتجز لدى سلطات الإحتلال في ما يُعرف بمقابر الأرقام ؟  

ادع لهم أينما كنتم :

 

" اللهم فك أسر أسرانا الأحياء منهم والشهداء وأعيدهم الى ذويهم "  آمين يارب العالمين

 

 

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "

http://www.palestinebehindbars.org/