الأسرى وقرارات مجلس الوزراء الفلسطيني ..
بقلم / عبد الناصر فروانة
4-9-2013
عقد مجلس الوزراء الفلسطيني برئاسة د.رامي الحمد الله صباح يوم أمس الثلاثاء جلسته الأسبوعية في مدينة رام الله ، ومن القضايا التي أدرجت على جدول أعماله كانت " قضية الأسرى " .
وحقيقة هي لم تغب يوماً عن اجتماعات مجلس الوزراء الفلسطيني منذ إنشاء السلطة الوطنية ، فهي قضية وطنية لكل شعبنا وضمير أبنائه ووجدانهم الوطني ، وهي حية ودائمة الحضور على جدول أعمال الحكومات الفلسطينية المتعاقبة ، وأن منسوب الخدمات المقدمة لهم قد سار بارتفاع وأن تغييرات ايجابية وجوهرية كثيرة قد طرأت على آلية التعامل مع هذه القضية.
وأخطأ من ظن بأن قضية الأسرى والمحررين بملفاتها المتعددة ، يمكن لها أن تتدحرج إلى الوراء قليلاً ، أو أن تتزعزع مكانتها المتقدمة على سلم أولويات مجلس الوزراء الفلسطيني ، أو أنه بالإمكان أن تقبل الحكومة الفلسطينية بأن تتراجع عن دورها الطليعي والمتقدم تجاهها ، لأنها وببساطة هي قضية شعب ووطن .
ومخطئ من يظن أن تقبل هذه الشريحة من الأسرى والمحررين بتقليص الخدمات المقدمة لهم ولذويهم ، أو المساس بحقوقهم الأساسية وسلب بعضها، لأنهم الحالة الضميرية المتقدمة للنضال الوطني الفلسطيني ، وهم من أفنوا زهرات شبابهم وسنوات عمرهم في السجون لأجل حرية الوطن والشعب .
ونتطلع دوماً من مجلس الوزراء إلى دور أكبر يجعل من قضية الأسرى دائمة الحضور على كافة الصعد والمستويات بما يضمن إطلاق سراحهم جميعا ، وفقاً لإستراتيجية واضحة .
كما ونتطلع الى دور أكثر فاعلية يؤدي إلى تغيير جوهري في واقع المحررين كافة وفي آليات التعامل معهم وسرعة انجاز معاملاتهم وتوفير احتياجاتهم ، وفي طبيعة ومستوى وحجم الخدمات المقدمة لهم..
وعودة على بدء ، فان بيان مجلس الوزراء الفلسطيني بعد انفضاض اجتماعه الأسبوعي يوم أمس ، أفرز الكثير من التساؤلات ، وأثار مشاعر الخوف والقلق لدى كافة المحررين الذين كانوا ينتظرون المصادقة على قرارات سابقة لا سيما بخصوص صرف " منحة الحياة الكريمة " ومنحة الإفراج للمحررين الجدد .
واتخاذ قرارات جديدة وايجابية تنصفهم وتضع حدا لمعاناتهم وخاصة إقرار اللائحة التنفيذية الخاصة بقانون الأسرى والمحررين الذي حظيّ بمصادقة السيد الرئيس " أبو مازن " في يناير الماضي .
هذا القانون واللائحة الخاصة به ، قد شارك في انجازه وزارة الأسرى والعديد من الجهات الأخرى وذلك على مدار ثلاث سنوات وما يزيد ، وهو الذي يقدم حلولا جذرية للكثير من الاشكالات القائمة والمتعلقة بالأسرى والمحررين والمبعدين وذويهم...
ولكن ( لا ) شيء من هذا أو ذاك قد حدث ، بل وحمل البيان ما يمكن أن يُعتبر صدمة لآلاف المحررين حينما قرر مجلس الوزراء الفلسطيني صرف " منحة الحياة الكريمة " فقط لمحرري ما قبل أوسلو ومن تحرروا مؤخرا في إطار المفاوضات وعددهم ( 26 ) أسيراً ، ومن سيتحرروا في الدفعات الثلاثة القادمة ..!
" منحة الحياة الكريمة " التي كان من المفترض أن يبدأ الصرف بها هذا الشهر استناداً لقرار مجلس الوزراء الفلسطيني السابق في ديسمبر الماضي ، على أن يستفيد منها كل من أعتقل منذ العام 1967 وأمضى خمس سنوات وما يزيد في سجون الاحتلال الإسرائيلي وفقاً لآلية واضحة تعتمد على فترة السجن ، وخصص لها موازنة محددة ضمن الموازنة العامة للعام الجاري ، وأن بعضا من الوزراء الحاليين قد شاركوا في صناعة القرار حينما كانوا يشغلون حقائب وزارية في مجلس الوزراء السابق .
وبالعودة للوراء قليلاً فان " منحة الحياة الكريمة " قد صُرفت أيضاً لمحرري صفقة " شاليط " ، واليوم ستصرف لمحرري صفقة " الدبلوماسية " ، والسؤال الذي يطرح نفسه لماذا نحرم باقي الأسرى الذين لم تكتب لهم الحرية ولم يُطلق سراحهم في إطار صفقة " شاليط " أو ضمن " الافراجات السياسية ؟
هذا من ناحية ، ومن ناحية أخرى فان من تحرروا في صفقة " شاليط " وبغض النظر عن انتماءاتهم بمن فيهم عناصر حماس والجهاد ، قد حصلوا من السلطة الوطنية على رتب عسكرية متقدمة وفقا للسنوات التي أمضوها في السجن ، ومن تحرروا مؤخراً سيُعاملون بالمثل وملفاتهم قيد الإنجاز !!
فيما زملائهم ممن تحرروا قبل صفقة " شاليط " أو بعدها ، وقبل الإفراجات الأخيرة ، وممن أمضوا سنوات طويلة لا تزال معاملاتهم عالقة بانتظار من ينجزها ، ويبحثون عمن ينصفهم .
والمؤلم أن بعض ممن تحرروا في صفقة التبادل عام 1985 وقد أنهك السجن والمرض أجسادهم ، وغيرهم ممن أمضوا سنوات طويلة في السجن ، لا يزالوا يتقاضون من وزارة الأسرى رواتب محدودة جدا جدا ( لا ) تلبي الحد الأدنى من متطلبات الحياة الأساسية وهؤلاء جميعا كانوا ينتظرون إقرار اللائحة التنفيذية الخاصة بالقانون لتنصفهم .
بتقديري الشخصي نحن أمام مشكلة حقيقية ، وقرار مجلس الوزراء اليوم ، لم يقدم حلاً جذرياً لتلك المشكلة ، وانما يمكن اعتباره حل جزئي ومؤقت ، سيُبقي على المشكلة الأساسية قائمة وربما تتفاقم.
وبالتالي أدعو مجلس الوزراء الفلسطيني الى استدراك الأمور وإعادة النظر في القضايا التي قدمها وزير الأسرى والمحررين السيد عيسى قراقع ذات العلاقة بالأسرى والمحررين وذويهم وناقشتها اللجنة الوزارية أول أمس ، والبحث عن ايجاد حل جذري لها على قاعدة العدل والمساواة فيما بين كافة المحررين وعدم الإنتقاص من حقوقهم ، بل السعي لتقديم ما هو أفضل ، وأن لا فرق ما بين أسير تحرر في صفقة " شاليط " وآخر في إطار المفاوضات الجارية ، وأن هذا التمايز والتمييز لن يكون لصالح الأسرى وقضاياهم ، مع التأكيد على حق الجميع في نيل حقوقهم والعيش بكرامة بما يليق بتضحياتهم ومعاناتهم طوال السنوات الطويلة التي أمضوها في الأسر .
نعم .. نُقر بأن القضايا كثيرة وثقيلة وبحاجة الى موازنة كبيرة ، لا سيما " منحة الحياة الكريمة " ، واللائحة التنفيذية لقانون الأسرى والمحررين وغيرها ، في وقت تعاني فيه السلطة الفلسطينية من أزمة مالية خانقة .
ولكن المسؤولية تحتم على الحكومة الفلسطينية الموقرة إيجاد الحلول العاجلة لمجمل تلك القضايا ، ولهذا كنت أتمنى فيما لو أن مجلس الوزراء الفلسطيني برئاسة د.رامي الحمد لله ، قد حسم الجدل واتخذ قراراً للبدء في تنفيذ وصرف " منحة الحياة الكريمة " للمحررين الجدد والقدامى على حد سواء ، وذلك على دفعات وخلال بضع سنوات استنادا لقرار مجلس الوزراء السابق ، ووفقا لما هو مرصود في الموازنة العامة المخصصة للعام الجاري .
فيما يُبقى على اللجنة الوزارية وأن تستمر في عملها مع تحديد سقف زمني لانجاز مهمتها ، على ان تواصل مناقشتها لباقي القضايا التي قدمها وزير الأسرى ، وأن لا ضير في ذلك ، بعكس الاعتقاد السائد " إذا أردت أن تموت أي قضية .. فشكل لها لجنة .. " .
ان الأسرى المحررين بمختلف فئاتهم العمرية والجنسية ، وبغض النظر عن الفترات والسنوات التي أمضوها في السجن ، آلامهم فظيعة وتأثيرات السجن مؤلمة وطويلة المدى ، وهم بحاجة إلى جملة من الاحتياجات تساعدهم في الاندماج والتكيف بالمجتمع وتوفر لهم الأمن الصحي والاجتماعي ، وإيجاد مصدر رزق ثابت يكفل لهم ولأسرهم حياة كريمة تليق بتضحياتهم ومعاناتهم وتتناسب والسنوات التي أمضوها في سجون الاحتلال .
ولكل محرر حلم يراوده بانتظار قرارات جديدة لمجلس الوزراء لتحقيقه أسوة بزملائه الآخرين ، فبعضهم ممن أمضى أكثر من خمس سنوات قدم أوراقه الثبوتية لمكاتب وزارة الأسرى كي يحصل على " منحة الحياة الكريمة " .
وبعضهم الآخر ينتظر وقد طال انتظاره لحل مشاكله وتسوية أوضاعه وتحسين مستوى دخله ودخل أسرته ، في ظل قسوة الحياة وكثرة همومها واستشراء البطالة .!!
وفي الختام ثقتنا عالية بمجلس الوزراء الفلسطيني برئاسة د.رامي الحمد لله وبوزارة الأسرى والمحررين ووزيرها عيسى قراقع وبكل الجهود المخلصة التي بُذلت في هذا الصدد ، وتلك التي تُبذل لأجل قضايا الأسرى وحريتهم ، ولأجل المحررين ومستقبلهم وضمان مستوى لائق من الحياة الكريمة لهم .
نأمل أن تحمل الأيام القادمة أخباراً مبشرة وقرارات جديدة تزيل مشاعر القلق التي تولدت لدى الأسرى المحررين ، وتنصفهم ، وتضع حداً لمعاناتهم وتقدم حلولاً جذرية لمشاكلهم .
عبد الناصر عوني فروانة
أسير سابق ، ومختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان