محمد الحلبي والمحاكمة رقم (130) ؟
بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
5 ديسمبر2019
تشير الاحصائيات بأن نحو مليون فلسطيني، ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، مرّوا بتجربة الاعتقال، وذاقوا مرارة السجن وقسوة السجان الإسرائيلي، وأن مئات الآلاف من هؤلاء، على اختلاف أعمارهم وأجناسهم، زُجّ بهم في محاكمات غير عادلة، لمرة واحدة أو لمرات عدة. محاكم عسكرية إسرائيلية قوامها الظلم والتمييز وقهر الفلسطيني وهدم مستقبله، وأمام قضاء غير نازهين، وصدر بحق الكثيرين منهم أحكام تشمل السجن المؤبد (مدى الحياة)، أو السجن لسنوات طويلة. والتهمة فلسطيني. فكل فلسطيني متهم، حتى تثبت براءته.
لكني لم أسمع أو أقرأ أن أحداً من هؤلاء المعتقلين الفلسطينيين قد قُدم للمحاكمة مثل الفلسطيني "محمد الحلبي"، المعتقل منذ ثلاث سنوات ونصف في سجون الاحتلال الإسرائيلي، والذي سيقدم يوم الأحد القادم لجلسة محاكمة للمرة (130)، دون اعتراف منه بالتهم المنسوبة إليه. وهذه تُعتبر المحاكمة الأطول في سجل تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة من حيث عدد المرات التي عُقدت فيها جلسات محاكمة معتقل فلسطيني. ولربما تكون هي كذلك على مستوى العالم. فهل من قضاء في العالم أكثر ظلماً وانتهاكاً لحقوق الإنسان من محاكم الاحتلال وقهرها.؟
إن الجرائم التي اقترفتها قوات الاحتلال بحق الفلسطينيين، كثيرة وكثيرة جداً، وان غياب ما يُسمى في عالم اليوم، بالعدالة الدولية، في ملاحقة الاحتلال ومحاكمة عناصره على ما اقترفوه، شجّع اسرائيل كقوة احتلال على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق المدنيين الفلسطينيين وتعزيز ثقافة "الافلات من العقاب" لدى كل الإسرائيليين. هذه هي الحقيقة المرّة. والجريمة المستمرة بحق المعتقل "الحلبي"، هي واحدة من تلك الجرائم التي شارك في تنفيذها أولئك الحقوقيين الذين يدعون القانون. لذا فالقضية تستدعي تدخل رجال القانون في فلسطين ومؤسسات حقوق الإنسان في الوطن العربي ودعاة الديمقراطية والعدالة القضائية وضمان المحاكمات العادلة في العالم أجمع. فكل هؤلاء مطالبون اليوم بتحرك جدي، وإبداء موقف واضح، وتسجيل كلمة جريئة، واطلاق صرخة صادحة، لإيقاظ الضمير الإنساني، واتخاذ خطوة الى الأمام. فلم يعد الصمت مقبولاً، وحتى الكلمة لم تعد كافية الآن أمام قضاء اسرائيلي قوامه الظلم، قضاء هو الأكثر قهراً في العالم وانحدارا بانحيازه لجانب الجلاد ضد الضحايا، والأقل احتراما لحقوق الإنسان. فالحق الذي لا يستند إلى قوة تحميه فهو باطل في شرع السياسة والقانون.
ففي الخامس عشر من حزيران/يونيو عام 2016، وخلال تنقله عبر معبر بيت حانون/ايرز (شمال قطاع غزة)، اعتقلته سلطات الاحتلال الإسرائيلي، وزجت به في زنازين سجونها المعتمة، ومارست بحقه أبشع انواع التعذيب، في إطار استهدافها المتعمد للمؤسسات الدولية التي تُعنى بالشؤون الإنسانية للمواطنين في قطاع غزة، بغرض انتزاع اعتراف منه يدينه بالتهم الموجهة له بتمويل منظمات واشخاص يتبعون لحركة "حماس" عبر المؤسسة التي يديرها، حيث كان يعمل المهندس محمد الحلبي(42 عاما) مديراً لمؤسسة الرؤية العالمية الأمريكية Worldvision في قطاع غزة، وهي متخصصة في مجال الإغاثة والمساعدات الإنسانية.
اتهام ظالم وجائر، يندرج في إطار استهداف المؤسسات الدولية التي تتبنى مشاريع انسانية في قطاع غزة وملاحقتها والضغط على الدول الممولة لها، في ظل استمرار الحصار المضروب على القطاع، بهدف اغلاقها وايقاف عملها، أو على الأقل تحييدها وحرف بوصلتها وتغيير اهتماماتها، واستمرار وجودها وفقا لشروط الاحتلال.
"محمد الحلبي"، معتقل فلسطيني يبلغ من العمر اثنين وأربعين عاماً، ويسكن مع أسرته في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، وحاصل على شهادة ماجستير هندسة مدنية، ومتزوج ولديه خمسة أبناء هم: خليل(14عاما)، وعاصم (13عاما)، وعمرو(10أعوام)، ورتال (6أعوام)، وأصغرهم فارس الذي يبلغ من العمر (4أعوام). ومعتقل منذ ثلاث سنوات ونصف، ويقبع الآن في سجن "ريمون" الإسرائيلي في صحراء النقب.
وعلى مدار ثلاث سنوات ونصف، تعرض المعتقل (محمد الحلبي) إلى أشكال مختلفة من التعذيب، الجسدي والنفسي، وما زالت سلطات الاحتلال تتعمد تعذيبه وايذائه، بدءا بالاعتقال و وسوء ظروف الاحتجاز وصعوبة المعاملة، مروراً بمشقة التنقلات وقسوتها من وإلى المحكمة العسكرية عبر ما تُسمى "البوسطة"، وليس انتهاءً بحرمانه من رؤية والده وزوجته والعديد من أفراد أسرته جراء منعهم من زيارته بذريعة "المنع الأمني".
وفي الختام لابد من الاشارة الى تعرضه للضغط والتهديد والابتزاز، في محاولة اسرائيلية لتثبيت الرواية "الكاذبة"، وأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تساومه بأن يقدم اعترافا بـ "الذنب" ويوقع على روايتها ثمناً لحريته المقيدة.
وتستمر فصول المحاكمة. وما يمكن أن يُطلق عليها بمحاكمة "القرن". ليس للمعتقل "الحلبي" فقط، أو للمؤسسات الدولية التي تنفذ مشاريع انسانية في قطاع غزة فحسب، وانما لكل إنسان حُر يقدم المساعدة والدعم الإنساني لأهل غزة المحاصرين. لذا فالدفاع عنه والضغط من أجل الافراج عنه وكسر قيده، ليس واجبا نقدمه تجاه "الحلبي" فقط، وانما ضرورة مهمة لفضح الممارسات الإسرائيلية وظلم القضاء الإسرائيلي، والدفاع عن أبجديات حقوق الإنسان والعمل الإنساني في قطاع غزة، وفي عموم فلسطين.