في يوم الطفل الفلسطيني: براءة الأطفال في قبضة الاحتلال
بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
عضو لجنة إدارة هيئة الأسرى والمحررين في قطاع غزة
4-4-2022
في الخامس من نيسان عام 1995، وفي مؤتمر الطفل الفلسطيني الأول، أعلن الرئيس الراحل ياسر عرفات التزامه باتفاقية حقوق الطفل الدولية، وأعلن الخامس من نيسان يومًا للطفل الفلسطيني؛ علما بأن المصادقة الرسمية لدولة فلسطين على اتفاقية حقوق الطفل الدولية كانت في 2 نيسان 2014م.
ونسعى في هذا اليوم إلى تسليط الضوء على غيض من فيض من معاناة الأطفال الفلسطينيين جراء الاعتقال والاستهداف الإسرائيلي المتصاعد.
يُقدر عدد من اعتقلتهم دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1967 بما يزيد عن (50.000) طفل فلسطيني، ذكوراً وإناثاً، دون مراعاة لصغر سنهم وبراءة طفولتهم وضعف بنيتهم الجسمانية، ودون توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية والإنسانية. كما لم تحترم القواعد النموذجية الدنيا في معاملة الأطفال الفلسطينيين المحتجزين في مراكز الاعتقال والتوقيف، بهدف تشويه واقعهم وتدمير مستقبلهم والتأثير على توجهاتهم المستقبلية بصورة سلبية وخلق جيل مهزوز ومهزوم.
وواصلت دولة الاحتلال استهدافهم واعتقالاتها لهم دون توقف، كما لم تخلُ السجون الإسرائيلية يوماً من تمثيلهم، حيث جعلت من اعتقال الأطفال الفلسطينيين الملاذ الأول ولأطول فترة ممكنة، بخلاف ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتحديداً اتفاقية حقوق الطفل. وقد سُجل اعتقال نحو (1300) طفل/ة فلسطيني/ة خلال العام المنصرم2021، وهذا يشكل زيادة تصل إلى قرابة 140% عما سُجل خلال العام الذي سبقه2020، فيما اعتقلت سلطات الاحتلال ما يزيد عن (200) طفل منذ مطلع العام الجاري، ومازالت تحتجز في سجونها ومعتقلاتها قرابة (160) طفلاً .
ويعمد الاحتلال إلى اعتقال الأطفال من منازلهم ليلًا، وأحياناً يتم اعتقالهم وهم يلعبون في الشوارع أو وهم في طريقهم إلى المدارس، ويزج بهم في السجون والمعتقلات، ويُحتجزهم في ظروف سيئة للغاية وضمن شروط حياتية قاسية، ويُعاملهم معاملة لا إنسانية وأحياناً يُعاملهم بقسوة وعنف، ويُحرمهم من أبسط حقوقهم الأساسية، كالحق في التعليم والعلاج والغذاء المناسب وزيارات الأهل دون عراقيل والمحاكمة العادلة وغيرها. كما ويعرضهم لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، فتُنتزع الاعترافات منهم بالقوة وتحت وطأة التعذيب والتهديد، ويعرضون على المحاكم العسكرية الإسرائيلية التي تفتقر لمعايير المحاكمة العادلة والتي عادة ما تلجأ إلى إصدار أحكام عالية وقاسية دون النظر لما تعرض له الأطفال من تعذيب وكيفية انتزاع الاعترافات منهم، أو ظروف التوقيع على الإفادات التي تكون غالباً باللغة العبرية التي لا يجيدها الأطفال، هذا بالإضافة إلى فرض الغرامات المالية، حيث نكاد نُجزم هنا بأن جميع الأحكام التي صدرت بحق الأطفال تكون مقرونة بفرض غرامات مالية باهظة مما يشكل عبئاً اقتصادياَ على الأهل الذين يضطرون لدفعها حرصاً على أبنائهم القُصر وتجنباً لاستمرار بقائهم في السجن.
وخلال السنوات الأخيرة تمادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في إمعانها وجرائمها بحق الأطفال الفلسطينيين، حيث ناقش الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) وأقر العديد من القوانين التي تستهدف الأطفال الفلسطينيين، وبما يسهل إجراءات اعتقالهم ومعاقبتهم والانتقام منهم ومحاكمتهم وتغليظ الأحكام الصادرة بحقهم مثل: قانون محاكمة الأطفال دون سن 14 عاماً، قانون تشديد عقوبة الحد الأدنى على راشقي الحجارة في القدس، قانون رفع الأحكام بحق الأطفال راشقي الحجارة. هذا بالإضافة إلى التوسع في اللجوء إلى فرض "الحبس المنزلي" والتي باتت تشكل ظاهرة آخذة بالاتساع وخاصة في القدس، الأمر الذي حوّل مئات البيوت الفلسطينية هناك إلى سجون، وجعّل من المقدسيين سجّانين على أبنائهم القُصّر، تنفيذاً لشروط الإفراج التي فرضتها عليهم المحاكم الإسرائيلية، الأمر الذي يؤدي إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية والنفسية لدى الأطفال وذويهم.
لم يتغير الحال، أو تتبدل ظروف الاحتجاز، منذ انتشار فايروس " كورونا" في المنطقة في آذار/مارس من العام 2020. كما ولم يطرأ أي تحسن على طبيعة ومستوى المعاملة الإسرائيلية مع الأطفال الفلسطينيين. فالجائحة لم تشفع للأطفال الفلسطينيين من بطش الاحتلال، ولم تدفع إدارة السجون إلى التوقف عن ملاحقتهم واعتقالهم أو تغيير قواعد معاملتها لهم وظروف احتجازهم. كما لم تتخذ الإجراءات اللازمة لحمايتهم أو توفير سبل الوقاية من خطر الإصابة بالفايروس، في تحدي فاضح وصارخ لأبسط قواعد القانون الدولي. هذا بالإضافة إلى أنها اتخذت من "الجائحة" ذريعة للتضييق عليهم، فمنعت بداية زيارات الأهالي، دون توفير البدائل بما يضمن التواصل فيما بين الأطفال وذويهم، ومن ثم سمحت باستئنافها مع وضع العراقيل، مع إبقاء توقفها بشكل كامل بالنسبة لأسرى قطاع غزة، قبل أن يُسمح باستئنافها قبل أيام، مما أثرّ سلباً على المعتقلين من الأطفال، وكذلك على الأطفال من أبناء الأسرى. وفي مرات كثيرة عمد الاحتلال إلى هدم منازل عائلات الأسرى؛ فيشرد أطفالها، ويصبحون بلا مأوى.
لقد دفع الأطفال الفلسطينيين ثمناً باهظاً، على مدار سني الاحتلال الإسرائيلي، ومن يقرأ شهادات الأطفال الذين مرّوا بتجربة الاعتقال يُصاب بالذهول والصدمة، ويكتشف أن غرف التحقيق والتعذيب ومراكز الاحتجاز، ليست سوى مسلخ للطفولة الفلسطينية وافتراس لكل ما هو جميل ورائع فيها، وأن كافة سجون الاحتلال ومعتقلاته، هي أماكن لاستهداف براءتهم وتدمير مستقبلهم، وأن حقوق الإنسان وحقوق الطفل الدولية ليس لها مكان على أجندة الاحتلال حينما يتعلق الأمر بمعاملة الأطفال الفلسطينيين، فيما تفاقمت معاناتهم أكثر مع انتشار فايروس "كورونا"، وتضاعفت مع تصاعد الانتهاكات بحقهم واستمرار الاستهتار الإسرائيلي بحياتهم وأوضاعهم الصحية.
إن كافة الوقائع والشهادات تؤكد على أن دولة الاحتلال الإسرائيلي بكل مكوناتها تشارك في استهداف الأطفال الفلسطينيين، في إطار سياسة إسرائيلية ثابتة وممنهجة تهدف إلى تشويه واقع الطفولة الفلسطينية وتدمير مستقبلها. الأمر الذي يستوجب من الجميع، وعلى وجه السرعة، تدارك خطورة ما تقترفه دولة الاحتلال بحق الأطفال الفلسطينيين، وتوحيد الجهود وتكثيف العمل والاستمرار في المطالبة ليس فقط بتحسين ظروف احتجاز الأطفال المعتقلين، وإنما الإفراج عن المعتقلين منهم ووقف ملاحقتهم، واحتضان كل من مروّا وتأثروا بتجربة الاعتقال وإعادة تأهيلهم، والأهم توفير الحماية الدولية للأطفال الفلسطينيين وضمان العيش بحرية وكرامة كسائر أطفال العالم.