في الذكرى العاشرة لانتفاضة الأقصى

فروانة يرصد أهم المحطات القاسية والمضيئة بالنسبة للأسرى  خلال إنتفاضة الأقصى

 

 

فلسطين - 3-10-2010 – أصدر الأسير السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة ، تقريراً في الذكرى العاشرة لانتفاضة الأقصى رصد فيه أهم المحطات القاسية والمضيئة بالنسبة للأسرى خلال سنوات الانتفاضة .

معتبراً بأن سنوات انتفاضة الأقصى هي الفترة الأقسى على الأسرى وذويهم منذ العام 1967 ، لما شهدته من اعتقالات واسعة وانتهاكات فظة وجرائم انسانية متعددة ، ولما أقر خلالها من قوانين وقرارات وإجراءات لشرعنة الإنتهاكات والجرائم واستفحالها ومنح مقترفيها الحصانة القضائية ، مما فتح الباب على مصراعيه لاقتراف مزيداً من الجرائم وممارسة مزيداً من التضييقات والإجراءات الاستفزازات بحق الأسرى وذويهم .

وبيَّن فروانة في تقريره بأنه قد سُجل خلال انتفاضة الأقصى ( 72 ) ألف حالة اعتقال ، شملت كافة فئات وشرائح المجتمع الفلسطيني ، بمعدل ( 600 ) حالة شهرياً ،  منها ( 8 ) آلاف حالة اعتقال لأطفال تقل أعمارهم عن الثامنة عشر ، و ( 820 ) حالة اعتقال لفتيات ونساء ، ومن بينها عشرات الحالات لنواب ووزراء في حكومات فلسطينية سابقة وهي سابقة خطيرة تعتبر الأولى منذ نشأة السلطة الوطنية .

وفي السياق ذاته أشار بأن سلطات الاحتلال قد أصدرت خلال انتفاضة الأقصى ( 21 ) ألف قرار اعتقال إداري ما بين قرار جديد أو تجديد فترة الاعتقال الإداري لتبرير استمرار احتجاز المعتقلين الإداريين دون تهمة أو محاكمة ، بالإضافة إلى تفعيل قانون " مقاتل غير شرعي " واستخدامه بحق العشرات من معتقلي غزة الجدد أو بعد انتهاء فترات محكومياتهم . 

 وذكر في تقريره  بأن إجمالي عدد الأسرى في سجون الاحتلال قد بلغ اليوم ( 6700 ) أسير ، بينهم ( 280 ) طفلاً و( 35 ) أسيرة ، و(195 ) معتقلاً إداريا ، و( 8 ) نواب .

وحول التوزيع الجغرافي للأسرى أوضح بأن ( 700 ) أسير من سكان قطاع غزة ، و( 400 ) أسير من القدس والـ48 ، والباقي من الضفة الغربية .

 

وأوضح فروانة بأن انتفاضة الأقصى شهدت ولادة ( 4 ) أسيرات داخل سجون الاحتلال في ظروف قاسية وهن : ميرفت طه (21 عاماً ) من القدس ، ومنال غانم (32 عاماً ) من طولكرم ، وسمر صبيح (22 عاماً) من مخيم جباليا بقطاع غزة، وفاطمة الزق ( 40 عاماً ) من مدينة غزة .

ورأى فروانة بأن أخطر ما شهدته انتفاضة الأقصى بالنسبة للأسرى تمثل بالتالي :

أولاً : أقرت سلطات الإحتلال خلال سنوات الإنتفاضة العديد من القوانين والإجراءات بهدف شرعنة الانتهاكات والجرائم بحق الأسرى بمباركة أعلى المستويات السياسية ومشاركة كافة الجهات القضائية والقانونية والحزبية وتنفيذ كافة العاملين في المؤسسة الأمنية ، وقد ترتب على ذلك تطبيق إجراءات وخطوات طالت مجمل نواحي الحياة الإعتقالية وتصاعدت عمليات قمع الأسرى واقتحام غرفهم وتمديد فترات عزلهم الإنفرادي ..الخ بهدف التضييق أكثر على الأسرى والضغط عليهم و الثأر منهم ومعاقبتهم جماعياً ، واستخدامهم ورقة للمساومة والضغط على المفاوض تارة وتارة أخرى على الفصائل الآسرة لـ " شاليط " . .

ثانياً : بقرار سياسي غير مسبوق وكعقاب جماعي منع كافة ذوي أسرى غزة من زيارة أبنائهم بشكل جماعي منذ منتصف حزيران 2007 ، بالإضافة إلى اتساع دائرة الممنوعين من ذوي أسرى القدس والضفة الغربية من زيارة أبنائهم في السجون تحت ما يسمى " المنع الأمني " ، .

ثالثاً : تصاعد عمليات قتل الأسرى بعد اعتقالهم والسيطرة عليهم خلال الإنتفاضة بشكل ملحوظ ، وأن من تم اعدامهم بهذه الطريقة خلال انتفاضة الأقصى يفوق عدد من تم اعدامهم بذات الطريقة خلال عقود مضت ، وهذا يندرج في إطار شرعنة اغتيال المواطنين والتي أقرتها " إسرائيل في السنوات الأولى للانتفاضة .

رابعاً : تزايد الاستهتار بحياة الأسرى وإهمالهم طبياً وتزايد إجراء تجارب لأدوية مختلفة على أجسادهم ، مما أدى لتزايد أعداد الأسرى المرضى ليصل إلى قرابة ( 1500 ) أسير مريض ، بينهم المئات يعانون من أمراض خطيرة ومزمنة وخبيثة وبحاجة لرعاية طبية فائقة لإنقاذ حياتهم ، وأن أكثر من ( 20 ) أسيراً استشهدوا خلال سنوات الانتفاضة داخل السجون والمعتقلات الإسرائيلية جراء سياسة الإهمال الطبي ، وأن العديد من الأسرى استشهدوا بعد خروجهم من السجن بفترات وجيزة بسبب إصابتهم بأمراض خطيرة وخبيثة داخل السجن وجراء الإهمال الطبي أيضاً .

خامساً : كافة الإفراجات السياسية التي جرت خلال انتفاضة الأقصى تمت تحت ما يسمى " بادرة حسن النية " في إطار العلاقات العامة دون إشراك الجانب الفلسطيني وليس في إطار العملية السلمية واستحقاقاتها مما شكل خطراً على قضية الأسرى وبعديها السياسي والوطني والخشية في استمرارها وتجذرها بهذا الشكل ، وأن تتحول حرية الأسرى من حق واستحقاق سياسي ، إلى قضية إنسانية وبوادر حسن النية تتحكم بها " إسرائيل " وتقدمها كيفما ومتى تشاء .

سادساً : مع بدء انتفاضة الأقصى كان عدد الأسرى ممن مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً لم يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة ، ولم يكن بينهم من تجاوز الربع قرن ، فيما اليوم وبعد عشر سنوات وصل عدد " عمداء الأسرى " ممن مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً الى ( 123 ) أسيراً ،وعدد " جنرالات الصبر" ممن مضى على اعتقالهم ربع قرن وما يزيد ( 23 ) أسيراً ، وهي أرقام مذهلة ومؤلمة في ظل تعنت " إسرائيل " وتشددها بمعاييرها وشروطها الظالمة في المفاوضات السياسية ، وفي مفاوضات صفقة التبادل بشأن " شاليط " .

سابعاً : شهدت سنوات الانتفاضة تصاعداً ملحوظاً في استخدام المعتقلين كأفراد وكجماعة كـ "دروع بشرية " ، وهذا تجلى بشكل واضح في عملية السور الواقي والاقتحامات في الضفة الغربية في السنوات الأولى للانتفاضة ، وخلال الحرب على غزة أواخر العام 2008 وأوائل العام 2009 .

ثامناً : تراجع دور المؤسسات الدولية ذات العلاقة بحقوق الإنسان والأسرى والمعتقلين ، وفي مقدمتها منظمة الصليب الأحمر الدولية في مساندة الأسرى والضغط على حكومة الاحتلال لالزامها بالمواثيق الدولية في تعاملها مع الأسرى، وظهور انحيازها لصالح الاحتلال بشكل جلي ، وهذا يعود لضعف الدور الفلسطيني في مساندة قضية الأسرى بالشكل المناسب والقصور في إبراز معاناتهم وفضح ما يتعرضون له والفشل في الرد على الحملات التي تنفذ دعماً ومساندة لـ " شاليط "  .

تاسعاً : شهدت الانتفاضة ما هو أخطر من كل ما سبق على قضية الأسرى ، ألا وهو " الانقسام " والذي أدى إلى تمزق وحدة الأسرى وذويهم ومن يقف ورائهم وأضعف حضور قضيتهم على كافة المستويات ، وأدى إلى تراجع مقومات الصمود والمواجهة لدى الأسرى في ظل غياب وحدة الصف والموقف ، فتراجع مستوى المواجهات داخل الأسر لأدنى مستوياتها ، وغابت  المعارك الإستراتيجية أو ما يعرف بالإضراب المفتوح عن الطعام  .

عاشراً : أفرزت سنوات الانتفاضة الأخيرة معادلة مريرة مفادها إجماع إسرائيلي على الانتقام من الأسرى والتضييق عليهم وعلى ذويهم في ظل البحث الدائم عن أساليب أكثر ألماً وابتداع إجراءات أكثر قسوة ، مقابل انقسام فلسطيني وتمزق الصفوف وتشتت الجهود واعتماد أساليب تقليدية غير مجدية لنصرة الأسرى وتراجع الفعاليات والأنشطة الداعمة لهم ، مما قاد إلى استفراد سلطات الاحتلال بالأسرى وتصعيد حربها ضدهم دون القدرة على الرد داخل السجون وخارجها بما يوازي الجرائم المقترفة بحقهم

وعلى الجانب الآخر أوضح فروانة في تقريره بأنه وبالرغم من تلك الصور المريرة والقاسية والمحطات المؤلمة الكثيرة التي شهدتها سنوات الانتفاضة بالنسبة للأسرى ، إلا أنها شهدت نقاط مضيئة أهمها :

أولاً  : صدور "وثيقة الأسرى " في مايو / آيار عام 2006 ، ووقع المبادرة التي تحمل اسم "وثيقة الوفاق الوطني" معتقلون بارزون من كافة الفصائل الوطنية والإسلامية  ، وقد شكلت هذه المبادرة أساساً للحوار الوطني الفلسطيني وأساساً للوثيقة المصرية .  

ثانياً : أسر " شاليط " في الخامس والعشرين من حزيران عام 2006 والإستمرار باحتجازه لدى الفصائل المقاومة بغزة لما يزيد عن الأربع سنوات ، مما عزز الأمل بالحرية لدى كافة الأسرى لا سيما القدامى منهم وذوي الأحكام العالية وممن تصفهم " اسرائيل " باطلاً " الأيادي الملطخة بالدماء " .

ثالثاً : شهدت سنوات الإنتفاضة تحركات جادة وحثيثة وغير مسبوقة لا سيما من قبل وزارة الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني بهدف تدويل قضية الأسرى ، وأجريت في هذا السياق عدة لقاءات وجولات وعقدت عدة مؤتمرات أهمها مؤتمر أريحا نهاية نوفمبر من العام الماضي ، والمؤتمر الدولي المنوي عقده في المغرب منتصف الشهر الجاري .

 رابعاً : حازت قضية الأسرى على مساحات أوسع في وسائل الإعلام المختلفة خلال انتفاضة الأقصى مقارنة بالأعوام التي سبقتها ، وازدادت البرامج الإذاعية والمرئية المختصة بالأسرى ، ولأول مرة تخصص اذاعة لقضية الأسرى انطلقت من غزة في ابريل من العام 2009 عرفت باسم " اذاعة الأسرى " ، تلاها بعد شهور انطلاقة اذاعة أخرى في الضفة الغربية سميت بـ " منبر الأسرى " .

خامساً : مصادقة مجلس الوزراء الفلسطيني في جلسته الأسبوعية المنعقدة يوم ( الإثنين 28-6 ) في رام الله على أربعة أجزاء من أصل خمسة أجزاء من اللوائح التنفيذية المتعلقة بقانون الأسرى والمحررين رقم (19) لسنة 2004 ،  وما سيترتب على ذلك من أحداث نقلة نوعية في سلم الرواتب الخاص بالأسرى داخل سجون الاحتلال ، وبمستوى الخدمات المختلفة التي تقدم لهم ولذويهم ، بما فيها تطوير الخدمات والمتطلبات القانونية للأسرى ، وإعفاء الأسرى المحررين من رسوم التعليم المدرسي والجامعي والتأمين الصحي والدورات التأهيلية ، وتطبيق ذلك ابتداءً من الأول من يناير من العام 2011 .

 

وفي ختام تقريره أكد فروانة بأن الأسرى بحاجة للوحدة أولاً وللوحدة ثانياً وللوحدة ثالثاً ،وأنه بدون وحدة حقيقية ومساندة فاعلة ومؤثرة فانهم لن يستطيعوا مواجهة السجان وصون انجازاتهم وانتزاع حقوقهم المسلوبة ، وأن استمرار الأوضاع على ما هي عليه يعني مزيداً من الإستفراد والقمع والتصعيد ضدهم .

 

 للإطلاع على أرشيف التقارير