يوم الأسير الفلسطيني والحقيقة الغائبة

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

 

صَادف في السابع عشر من نيسان/ابريل الماضي، "ذكرى يوم الأسير الفلسطيني". هذا اليوم الذي أقره المجلس الوطني الفلسطيني وفاء للأسرى والمعتقلين، وتسليط الضوء على قضيتهم والعمل على تحرير من لا زالوا يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي.

وقد حلت الذكرى هذا العام في ظل ارتفاع قائمة "عمداء الأسرى" لتصل لنحو خمسة وستين أسيرا، معتقلين منذ أكثر من عشرين سنة على التوالي، منهم ثلاثة وثلاثون أسيرا معتقلون منذ ربع قرن وما يزيد، بل وبينهم ثلاثة عشر أسيرا معتقلون منذ أكثر من ثلاثين عاما، واقدمهم الأسيران كريم وماهر يونس المعتقلان منذ كانون ثاني/يناير عام1983، وهما الأكثر قضاءً للسنوات بشكل متواصل في سجون الاحتلال على مدار التاريخ. وإذا ما أضفنا إليهم أولئك الأسرى الذين تحرروا في صفقة "وفاء الأحرار" وأعيد اعتقالهم ثانية، فان الرقم سيرتفع.

  سنوات تمضي وأعمار تنقضي وراء القضبان، ومعاناة تتفاقم بفعل السجن والسجان، والأرقام تتمدد وترتفع، واذا ما استمر الحال على ما هو عليه، فسنكون بعد سنة أو سنتين أمام مئات من الأسرى القدامى، ونحن نعدد سنوات سجنهم بعد العشرين.!

في الثامن والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر1988 مرت الذكرى العشرون لاعتقال عمر القاسم، فكان أول أسير يجاوز سجنه العقدين من الزمن. فانتفض القاسم رفضاً وانتفض معه رفاقه الأسرى تضامناً، وتحرك الأحرار خارج السجون دعماً، وطالب الجميع بالإفراج عنه بعد أن أطلقوا عليه لقب "مانديلا فلسطين".

كلنا يَذكر ذلك، كان رقم عشرون في ذلك التاريخ هو الأعلى، ومرت السنوات فصار العشرون رقماً مكروراً بين أرقام تجاوزته بكثير من السنوات، وقد جاء اليوم الذي استحق فيه قرابة أربعمائة اسير فلسطيني هذا اللقب، بعد أن قضوا عشرين سنة في السجن، بل أن العشرات منهم تجاوزت سنوات اعتقالهم تلك السنوات التي أمضاها الزعيم الأفريقي نلسون مانديلا في سجون العزل العنصري في جنوب أفريقيا. أغلبيتهم قد أفرج عنهم، في فترات سابقة ومناسبات مختلفة، فيما –كما ذكرنا أعلاه- ما يزال نحو خمسة وستين أسيراً يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ ما يزيد على عشرين سنة.

لقد أدركنا منذ زمن بعيد أهداف الاحتلال من وراء الاعتقالات التعسفية والأحكام القاسية، ونعلم جيداً ما يسعى إلى تحقيقه جراء استمرار احتجازهم والتعنت في الافراج عن رموز المقاومة، فكانت الفصائل جادة في سعيها لتحريرهم، ولديها الاستعداد لدفع استحقاقات كل محاولة، فاجتهدت كثيراً وحاولت مراراً وأنجزت صفقات التبادل عدة مرات، ونجحت في كسر قيد الآلاف من الأسرى رغما عن المحتل، فعززت ثقافة المقاومة وروح المواجهة والصمود لدى الفلسطينيين، وأبقت على الأمل معززاً لدى كافة الأسرى والمعتقلين. وجاءت اتفاقية "أوسلو" وما أعقبه من اتفاقيات، وساهمت في تحقيق حُلم الأسرى بالحرية، ونجحت في الافراج عن الآلاف من الأسرى والمعتقلين، بالرغم مما اعتراها من ثغرات وأخطاء. لذا لم نكن نرى من قبل أرقاما كبيرة كهذه لأسرى ومحررين يمضون عشرين وثلاثين سنة وأكثر في سجون الاحتلال.

وخلال العقد الأخير، وفي ظل انسداد الأفق السياسي، نرى أن دور الفصائل الفلسطينية كافة، قد تراجع، وباتت محاولاتها من أجل تحرير الأسرى، تكاد تكون معدومة، وهذا يعود لسببين: إما هي عاجزة عن فعل ذلك أو غير جاهزة لدفع استحقاقات أي محاولة. وما الأوراق التي تمتلكها المقاومة في غزة إلا نتيجة للعدوان الإسرائيلي، وليست نتاج مبادرة لفصائل المقاومة الفلسطينية. هذه هي الحقيقة الغائبة التي يجب أن يدركا الجميع، وهي من الأسباب الرئيسية التي أدت وتؤدي الى استمرار بقاء الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي لعقدين من الزمن وأكثر. خاصة وأن جزء كبير من هؤلاء القدامى وذوي الأحكام العالية، لا أمل لهم بالحرية، إلا في إطار صفقات التبادل، لذا ومع تقديري لما بُذل ويُبذل لأجل حرية الأسرى، وما حققته "العملية السلمية" وصفقات التبادل من افراجات، فمن الأهمية بمكان إجراء تقييم وتقويم لمسيرتنا، وتدارك ما اعتراها من ثغرات واخفاقات، بما يضمن المزاوجة في كافة الأشكال ويكفل الافراج عن الأسرى وعدم ابقائهم في سجون الاحتلال لسنوات طوال وعقود من الزمن.

وإذا كانت دولة الاحتلال غير جادة في إتمام صفقة التبادل التي يدور الحديث حولها، وليست مستعدة لدفع استحقاقاتها، فالمطلوب من المعنيين البحث عن ادوات ضغط جديدة تحرك المياه الراكدة وتدفعها نحو القبول بدفع استحقاقات التبادلية. فنحن معنيون أكثر من الإسرائيليين في إتمامها وفي أقرب وقت. ويقولون متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا.