يحتضرون في السجون ويموتون خارجها ...
*بقلم / عبد الناصر فروانة
31-5-2012
أصعب اللحظات هي تلك التي أقرر فيها الكتابة عن الشهداء لاختيار ما يليق بهم ويفيهم حقهم من عبارات وكلمات متواضعة .
وأكثر اللحظات ألماً هي تلك التي أمسك فيها قلمي ، أو أجلس أمام جهازي لأكتب عن أسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي يعانون آلام الأمراض وأوجاعها ، وصدأ القيد وقساوة السجان في آن واحد .
وتتكدس السجون الإسرائيلية بمئات الأسرى المرضى ، منهم من يرقدون بشكل دائم على أسرة ما يُسمى مستشفى سجن الرملة لعدم قدرتهم على الحركة ، أو لخطورة أوضاعهم الصحية ، وجميعهم ان كانوا في السجون أو على أسرة المستشفيات يرقدون يعانون من الإهمال الطبي ، ومنهم من اقتربت ساعة وفاتهم ، ومنهم من تمنونها ويتمنوها من شدة الألم .
فيما أن كافة المناشدات والمطالبات الرسمية والشعبية والحقوقية ، لم تجد لها آذاناً صاغية ، فتجاهلتها " إسرائيل " واستمرت في إهمالها لأوضاع الأسرى الصحية المتدهورة ، وتُصر على استمرار احتجازها لهم في أمكنة تفتقر لمقومات الحياة الآدمية ، ولم تعد تعير أي اهتمام لحياتهم .
لكنها – أي إسرائيل – لم تتردد في الإفراج عن أي أسير فلسطيني أو عربي تدهورت أوضاعه الصحية بشكل خطير ، وانه بات يعد أيامه الأخيرة وان ساعة وفاته قد اقتربت ، وذلك حتى ( لا ) تتحمل مسؤولية وفاته داخل سجونها ، وشكل ذلك ظاهرة في السنوات الأخيرة ، والنماذج كثيرة ، فيما هناك من تحرروا بعد قضاء مدة محكومياتهم وتوفوا بعد تحررهم بشهور وسنوات بسبب أمراض ورثوها عن السجون .
هايل أبو زيد ، وسيطان الولي من الجولان السورية المحتلة ، مراد أبو ساكوت و فايز زيدات من الخليل ، زكريا عيسى من بيت لحم ، زهير لبادة من نابلس .. وجميعهم استشهدوا بعد أن قررت اللجنة الطبية التابعة لإدارة مصلحة السجون الإفراج عنهم قبل انتهاء مدة مكومياتهم وبعد أن وصلت أوضاعهم الصحية الى درجة ميئوس منها ... وجميعهم انتقلوا من أسرة السجون الى أسرة المستشفيات الفلسطينية أو العربية منذ لحظة الإفراج عنهم .
نماذج كثيرة .. كان آخرها الأسير المحرر زهير لبادة الذي أفرج عنه يوم الخميس الماضي الموافق الرابع والعشرين من مايو / آيار الجاري ، وأعلن عن وفاته صباح هذا اليوم في المستشفى الوطني بنابلس .
زهير لبادة ( 51 عاما) من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية ، اعتقل عدة مرات ، وكان أحد مبعدي مرج الزهور في لبنان خلال الإنتفاضة الأولى ، واستشهد صباح اليوم الخميس .
وكان قد اعتقل المرة الأخيرة في منتصف مايو / آيار 2008 اداريا وجدد له الإعتقال الإداري تسع مرات ، وظهرت عليه مجموعة من الأمراض وهو داخل السجن ، حيث كان يعاني من فشلاً كلوياً وتشمعاً في الكبد والتهابا رئويا حادا نتيجة الاهمال الطبي الكبير الذي عانى منه خلال وجوده في سجون الاحتلال، مما ادى الى تدهور وضعه الصحي ، ولم يفرج عنه إلا بعد أن استفحل المرض في جسده، وذلك بتاريخ 24-5-2002 ، وعندما تم الإفراج عنه قال له طبيب السجن ( انك في طريقك إلى الموت ) .
نعم .. كان في طريقه الى الموت ، وصدقت أيها " الطبيب " …!
انهم يحتضرون في سجونكم ومعتقلاتكم ويموتون خارجها ... " حسبي الله ونعم الوكيل "
عبد الناصر فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة
0599361110
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان