الأسرى وزيارة الوفد الفلسطيني للمغرب
هنا المغرب: تشرق شمس القدس والأسرى ولا تغرب
بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة
رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى
اسير محرر وباحث مختص بشؤون الأسرى والمحررين
31-12-2017
المملكة المغربية هي دولة عربية شقيقة تقع في أقصى غرب شمال أفريقيا، وعاصمتها الرباط، وتطل على البحر المتوسط شمالاً وعلى المحيط الأطلسي غرباً، يتوسطهما مضيق جبل طارق. وتحدها شرقاً الجزائر، وجنوباً موريتانيا.
والمغرب دولة ذات نظام ملكي، ببرلمان دستوري، وفي الانتخابات البرلمانية الأخيرة عام 2016 فاز حزب العدالة والتنمية، ليشغل الأمين العام للحزب الدكتور سعد الدين العثماني منصب رئيس الحكومة.
وفي المغرب، كثير من المعالم الأثرية والإسلامية والأماكن السياحية الرائعة والتي تُسحرك بطبيعتها الخلابة وجوها الرائع، وهي دولة شقيقة ووجهة تستحق الزيارة حقاً، ليس لأنها عربية فقط، أو لأن طبيعتها خلابة وفيها مناطق رائعة فحسب، وإنما لأنها ملكاً وحكومةً وشعباً، تقف سنداً لفلسطين ومقدساتها، وداعماً أساسياً لشعبنا الفلسطيني وقضاياه العادلة وحقوقه الثابتة.
حَظيتُ بزيارة للمغرب من قبل، والتقيت بشعبها الأصيل، وتجولت في بعض مدنها، واستمتعت بجمالها وطبيعتها، وكلما ذُكرت المغرب، حضَرَت تلك الأيام الجميلة التي قضيتها فوق أراضيها، وكلما استحضرت تلك الأيام، ازددت شوقاً لزيارتها والعودة إليها من جديد. إنها المغرب التي تُجذبك باهتمامها بك ومحبتها لك وحرصها عليك كفلسطيني. فتلمس لدى أشقاءنا المغاربة الوفاء لفلسطين والمشاعر الصادقة تجاه القدس، وكما يقولون: "المغاربة سكنوا القدس، والقدس سكنت قلوب المغاربة"، ونحن نقول لهم: المغرب حاضرة في القدس عبر التاريخ، وفي المغرب تشرق شمس القدس ولا تغرب.
وصباح يوم الثلاثاء الموافق السادس والعشرين من كانون أول/ديسمبر 2017 وصل الوزير عيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين، يرافقه وفد فلسطيني يمثل كافة الأطياف الفلسطينية من الأسرى المحررين وأهالي الأسرى، الى العاصمة المغربية (الرباط)، حاملاً معه همّ الأسرى ووجعهم، ورسالة القدس وحفنة من ترابها وحبيبات من زيتونها، وذلك تلبية لدعوة كريمة من مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين وبدعم من رئاسة الحكومة المغربية. فكان الاستقبال، الرسمي والشعبي، حافلاً، والاهتمام عالياً، والأنشطة على قدر كبير من الأهمية.
الأمر لم يتوقف على استقبال حافل هنا ممزوج بالمحبة والوفاء لفلسطين، أو ضيافة كريمة للوفد هناك تعكس كرم الشعب المغربي وأصالته فحسب، وإنما كان هناك اهتماما عالياً وحرصاً شديداً من الأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني للقاء الوفد الفلسطيني الزائر للتعبير عن تضامنهم مع القضية الفلسطينية وتأكيد دعمهم للقدس، والاستماع الى صوت الاسرى ومعاناتهم ووجع ذويهم، ومن أجل البحث معا عن سُبل ممكنة لإسنادهم. لذا كان برنامج الزيارة حافلاً باللقاءات والأنشطة، والتقى الوفد على مدار الأيام القليلة برئيس الحكومة ووزير الثقافة ووزير العدل ووزير الشغل، وبممثلي كافة الأحزاب والنقابات والهيئات الحقوقية، واختتمت الأنشطة بغرس شجرة زيتون وفاءً للطفلة الأسيرة "عهد التميمي".
ولا شك أنني أتحمل مسؤولية كثافة البرنامج وضغط اللقاءات، كوني المفوض باسم هيئة شؤون الأسرى للتحضير والتنسيق مع سكرتاريا مجموعة العمل، حيث كنت حريصاً على أن يلتقي الوفد كافة أطياف الشعب المغربي، بالضبط كما كانوا هم حريصين على أن يضم الوفد، بجانب الوزير، أعضاء من كافة الفصائل الفلسطينية، فحضرت "فتح وحماس"، و"الشعبية والديمقراطية"، وغابت "الجهاد الإسلامي" لظروف موضوعية خارجة عن إرادتنا، وكنا نطمح لأن تشاركنا فصائل أخرى لولا بروز بعض المعيقات.
وكنت أدرك جيدا كم هذا الأمر مرهقاً لإخواني وزملائي أعضاء الوفد، لكن بالمقابل كنت على يقين بأنهم سيكونون سعداء بالزيارة وفخورين بها، رغم الارهاق الجسدي، وهذا ما عبّر عنه بالفعل الوزير وكافة أعضاء الوفد منذ لحظة وصولهم وعلى مدار وجودهم في المغرب، وتمنون أن تمتد الزيارة لأيام أخر.
لقد زرت دول كثيرة، وتنقلت بين عواصم عربية وأجنبية عديدة، وشاركت في عشرات المؤتمرات واللقاءات، الرسمية والشعبية، واليوم يمكنني القول: أن المغرب الشقيق سجل تميزاً واضحاً في مستوى الترحيب والاستقبال، وحجم التعاطف والاهتمام، والحرص على اللقاء والاستضافة، وكذلك التغطية الاعلامية والمشاركة الشعبية في المهرجان الجماهيري الرائع الذي نُظم في مسرح محمد الخامس بدعم من وزارة الثقافة المغربية.
كنت أعلم أن هذا كله سيحدث، لأنني سمعت وقرأت وتفاعلت وعايشت الشعب المغربي الأصيل، وأيقنت منذ زمن مدى حبه ووفائه للشعب الفلسطيني وقضيته ومقدساته، وقد عبرّت للوزير عن ذلك وقبل أن تبدأ الزيارة، لذا لم أتفاجأ بحجم ما حصل، لكن كلمة حق كان لابد وأن أسجلها هنا بحق أشقاءنا المغاربة. وفي سياق الحديث عن التحضير والاعداد، كان لا يد وأن أوجه خالص تحياتي الى أخي وصديقي العزيز د. مصطفى اللداوي، أحد أعضاء الوفد الفلسطيني، والذي شاركني في التحضير وبذل جهدا طيبا، يستحق التقدير والثناء.
لقد قرأت خلال مسيرة حياتي النضالية عن الكثير من الفدائيين المغاربة، الذين انخرطوا في الثورة الفلسطينية المعاصرة من خلال الفصائل الفلسطينية وشاركوا اخوانهم الفلسطينيين في مقاومتهم للمحتل، ليؤكدوا مع أشقائهم العرب بأن قضية فلسطين لم تكن في يومٍ من الأيام، قضية تخص الفلسطينيين وحدهم، بل هي قضية العرب في كل مكان، ولأجلها ودفاعاً عنها قدّم العرب آلاف الشهداء، فضلاً عن المئات من العرب الأسرى، فكان هناك شهداء واسرى مغربيون، سنبقى أوفيا مخلصين لهم وأن الذاكرة الفلسطينية لن تنساهم، وسيبقى التاريخ الفلسطيني يحفظ أسمائهم.
وخلال السنوات الماضية تعرفت على العديد من الأخوة المغاربة، ولي من بينهم أصدقاء كُثر على صفحات التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، وفي الفترة الأخيرة تواصلت مع سكرتارية مجموعة العمل فتعرفت عن قرب على أسماء لامعة لشخصيات وازنة وقامات رفيعة، كنت اسمع عنها من قبل وأفتخر بها دون أن أتعامل معها، وبعدما تعاملت معهم، ازددت فخرا واعتزازا بهم، واحتراماً وتقديراً لهم. وصدقاً كلما تحدثت إليهم، أو استمعت لأحاديثهم، ازددت محبة لهم وقناعة بمحبتهم لنا ووفائهم لشعبنا وقضيتنا.
واليوم ومع مغادرة الوفد يمكننا القول أنها حقاً كانت زيارة رائعة ومثمرة، وتجربة مهمة ومميزة ذات نتائج مثمرة، ولها ما بعدها، ويؤمل أن تُستثمر جيدا من جميعنا، وأن يُبنى عليها بما يخدم القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية الأسرى بشكل خاص.
وفي الختام ومن فلسطين، قلب الأمة النابض، وباسمي وبالنيابة عن الوزير وأعضاء الوفد والأسرى في سجون الاحتلال وعائلاتهم، نبرق أحر التحيات وفائق الاحترام و التقدير للشعب المغربي الأصيل على تضامنه الصادق ومساندته الكريمة لنضال شعبنا الفلسطيني، ونتقدم بجزيل الشكر والعرفان لجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، وللدكتور سعد الدين العثماني رئيس الحكومة المغربية ولوزير الثقافة.
كما ونسجل جل احترامنا وتقديرنا وجزيل شكرنا لسكرتاريا مجموعة العمل الوطنية لأجل فلسطين، ولكل أعضاء المجموعة الذين ساهموا في انجاح الزيارة، والشكر موصول لكافة الأحزاب المغربية وممثلي النقابات والهيئات التي التقت بالوفد.
شكرا لكل من شارك في المهرجان الجماهيري: "القدس عاصمتنا.. والأسرى عنوان حريتنا"، والذي هتفت فيه الجماهير بأعلى حناجرها لفلسطين والقدس والأسرى، وصدحت بأعلى صوتها "من المغرب الى فلسطين، شعب واحد لا شعبين"، و""عالقدس رايحين شهداء بالملايين".
كما ونتقدم بالشكر لوسائل الاعلام المغربية وغير المغربية العاملة في المغرب، والتي حرصت على تغطية الزيارة وتسليط الضوء على القدس ومعاناة الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وأخيرا.. شكرا لسفارة دولة فلسطين في المغرب الشقيق ولسعادة السفير الفلسطيني/ جمال الشوبكي "أبو قصي". هذا المناضل القدير والأسير السابق الذي يقدم نموذجا يُحتذى لكافة الأسرى المحررين.
دمتم ودام المغرب، ملكاً وحكومة وشعباً، وفياً لفلسطين وشعبها، للقدس والأسرى