الشعب يريد .. إعادة " شاليط " 

 

* بقلم / عبد الناصر فروانة

31-8-2011

 

وجه الرئيس الفرنسي " نيكولا ساراكوزي " مطلع الأسبوع الجاري رسالة إلى الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليط " بمناسبة عيد ميلاده الخامس والعشرين ، واحتفاله بعيد ميلاده للمرة الخامسة على التوالي وهو في قبضة المقاومة ، وجاء فيها : " أن الآمال لا تزال قائمة في الإفراج عنك رغم خيبة الأمل التي شهدناها في الماضي "  ، كما ووعد والديه في رسالته بمواصلة المساعي الفرنسية الرامية إلى إطلاق سراح " شاليط " الذي يحمل الجنسية الفرنسية " وبالمناسبة هذه هي ليست الرسالة الأولى التي يوجهها " ساراكوزي " لـ " جلعاد شاليط " وذويه منذ أسره من قبل المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة في السادس والعشرين من يونيو / حزيران 2006 ،.

وفي مثل هذه الأيام من العام الماضي أيضا، وبمناسبة بلوغ " شاليط " عامه الرابع والعشرين ، أطلق وزير خارجية فرنسا " برنار كوشنير " تصريحات مشابهة طالب فيها الفصائل الآسرة  باطلاق سراح " شاليط " ليحتفل بعيد ميلاده مع اسرته وأحبته ، وأكد حينها على حرصه الكبير وسعي فرنسا الحثيث لضمان حريته واعادته لأهله ..!.

وفي الوقت ذاته نُظمت في " اسرائيل " خلال الأيام الماضية العديد من الفعاليات من قبل والدي " شاليط " ومحبيه وأصدقائه ، بهدف الضغط على الحكومة حكومتهم اليمينية المتطرفة برئاسة " نتانياهو " لإتمام صفقة التبادل وإعادة " شاليط " ، وحسب ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية فان الجمهور الإسرائيلي المحتج في ( تل أبيب ) هتف بشعارات عديدة  منها " الشعب يريد... إعادة شاليط" .

ونحن هنا بالمناسبة لسنا ضد اعادة " شاليط " ليحتفل بعيد ميلاده القادم " السادس والعشرين " في أحضان والديه وبين جموع أحبته وأصدقائه ، بل تمنينا مراراً  لو كان هذا الملف قد أغلق من قبل ليحتفل " شاليط " بعيد ميلاده الـ25 ، وما قبله أو ما قبل قبله في بيته ووسط أهله ومع والديه " نوعام وعفيفة شاليط " ، ولكن في اطار صفقة تبادل مقبولة تكفل عودة المئات من أسرانا الى بيوتهم وأحبتهم ، لا سيما القدامى منهم ورموز المقاومة ، وما دون ذلك لم ولن تكون هناك عودة لـ " شاليط " سالماً ، و" اسرائيل " تعي ذلك جيداً .

فـ ( لا ) الشعارات وحدها تجدي نفعاً ، و ( لا ) وعودات فرنسا ورئيسها " ساراكوزي " ووزير خارجيتها " برنار كوشنير " يمكن أن تتحقق بعيداً عن مبدأ التبادلية في اطار صفقة مقبولة تحظى بموافقة فلسطينية .

وعلى هذه القاعدة نحن مع اعادة " شاليط " ولم نرغب يوماً في الإبقاء على ملفه مفتوحا والى الأبد ، كما و ( لا ) نريد أن يتحول الى " رون آراد " جديد ، أو أن يلقى مصير " فاكسمان " ..

 

وصراحة تمنيت مراراً بأن أنام ذات ليلة وأصحو لأجد " شاليط " حياً ويتجه سيرا على الأقدام نحو شمال القطاع صوب معبر ايرز عائدا الى اهله ، و بالمقابل تستقبل مدن ومخيمات فلسطين في القطاع والضفة والقدس والـ 48  أبنائها العائدين لبيوتهم واحبتهم .

فاذا كانت الجماهير الإسرائيلية رددت بالأمس القريب شعار  " الشعب يريد... إعادة شاليط" .. فعليها أن تعلم أن حكومتها ورئيس وزرائها هم من يعيقون اعادة شاليط وهم من يتحملون المسؤولية في تأخير عودة شاليط ، فالكرة دائما في الملعب الإسرائيلي.

وعليها ان تدرك أيضاً بأن " ( لا ) عودة لـ شاليط حياً دون عودة أسرانا " في اطار صفقة مقبولة فلسطينياً ، هذا شعارنا الذي رددته الجماهير الفلسطينية مرارا وتكرارا ... واظن ان الفصائل الآسرة لن تُخذلنا ، وكما نجحت في اخفائه طوال الخمس سنوات الماضية ، فهي قادرة على اخفائه سنوات أخرى ، لطالما ان " اسرائيل " غير مستعدة لتليين مواقفها والتخلي عن تعنتها ودفع استحقاقات عودته " سالماً ".

كما وعلى الرئيس الفرنسي " ساراكوزي " والجمهور الإسرائيلي ان يدركوا بأن هناك ثمة معادلة واضحة كان قد لخصها في مايو / آيار الماضي رئيس الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال " غابي أشكنازي " بـ ( اقرار اسرائيلي في عدم الوصول لشاليط واستعادته بالقوة ، وفشل الأجهزة الأمنية في الحصول على معلومات عن مكان احتجازه ، وان لا خيار بشأن استعادته سوى التفاوض بجدية مع حركة حماس لإتمام صفقة التبادل ).

ومعادلة واضحة وهي ليست بحاجة الى تفسيرات ، ولكنها تستوجب أن تُبذل فرنسا وزعمائها والجمهور الإسرائيلي وقيادته مساعي حثيثة ونزيهة لإتمام صفقة التبادل ، وأن يتم الضغط على حكومة " اسرائيل " للتخلي عن تعنتها والتجاوب مع استحقاقات الصفقة لضمان تحقيق شعار " الشعب يريد .. اعادة شاليط " في اقرب وقت ، وما دون ذلك مستحيل .

 

سيادة الرئيس الفرنسي :

نحن أكثر شعوب العالم زُج بأبنائه في سجون الإحتلال وعانينا ظلم السجان الإسرائيلي وقسوة السجون وقهر التعذيب والحرمان ، وعلى الرغم من تقديرنا بأن أوضاع " شاليط " هي أفضل بمئات المرات مقارنة مع أوضاع أسرانا ، إلا أننا ندرك أكثر من غيرنا ما معنى أن يُحرم من رؤية والديه او الاتصال بهم طوال فترة أسره التي تجاوزت الخمس سنوات بقليل ..

ولكن بتقديري لو أن الظروف الأمنية بغزة تسمح له باستقبال زائريه دون ان يشكل ذلك خطرا على حياته وحياة آسريه من قبل " اسرائيل " ، لأتيح له ذلك منذ اليوم الأول لأسره ، فهذا حق مكفول له.

 ولكن هل تعلم سيد " ساراكوزي " بأن هنالك المئات من الأسرى الفلسطينيين لم يتمكن ُمن استقبال عائلاتهم منذ ما قبل اسر " شاليط " ؟ وأن هناك أمهات وآباء وأبناء محرومين من رؤية أبنائهم وآبائهم منذ أكثر من ( 15 عاماً ) بذريعة أنهم يشكلون خطرا على " أمن اسرائيل " ؟

وهل تعلم سيادة الرئيس الفرنسي أن لدينا من الأسرى من سجلوا أسمائهم في موسوعة " جينس " للأرقام القياسية وهؤلاء محتجزين في سجون " اسرائيل " منذ ما قبل ولادة شاليط " أي منذ أكثر من ربع قرن ..؟ واسرائيل تصر على رفضها اطلاق سراح بعضهم في اطار صفقة التبادل ..؟

 

وهل تعلم بأن ما تُطالب بهم الفصائل الآسرة هم فقط ( 450 ) أسيراً لا يشكلون سوى ما يُقارب 7 % من مجموع الأسرى وأن جزء كبير من هؤلاء كان من المفترض أن تُطلق " اسرائيل " سراحهم ضمن استحقاقات " أوسلو " والإتفاقيات السياسية التي أعقبته ..؟

وهل تعلم أيضاً بأن من بين الأسرى الفلسطينيين شيوخ وأطفال بعمر الزهور ونساء وامهات ومرضى ومعاقين وفاقدي البصر وهؤلاء يحتجزون في قبور سُميت بالسجون الإسرائيلية ..؟ وهل تعلم أن المئات من الأسرى عادوا الى بيوتهم في توابيت الموت ؟ ومئات آخرين عادوا وهم يحملون أمراضا خبيثة وخطيرة .. ؟ وهل تعلم أن " اسرائيل " هي الوحيدة في العالم التي تعاقب الفلسطينيين بعد موتهم ولا تزال تحتجز في ما يُعرف بمقابر الأرقام مئات الجثامين..؟ وهل تعلم أن " اسرائيل تضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف والإتفاقيات الدولية ذات الصلة بقضايا الأسرى بعرض الحائط ، بل وتشرع قوانين لإجازة الإنتهاكات والجرائم المقترفة بحقهم مانحة مقترفيها الحصانة القضائية ؟ .. وهل.. وهل

 

سيادة الرئيس .. أدعوك لأن تقرأ قصص الأسرى القابعين في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، قصص الأطفال والشيوخ ومرضى السرطان وممن مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً .... وأن تستمع لشهادات أمهاتهم وآبائهم وأبنائهم ، وحينها ستجد نفسك امام مشاهد مؤلمة تبرز التعامل الإسرائيلي مع الأسرى وكأنهم ليسوا بشراً، وتفوق آلاف المرات عن تلك المشاهد والقصص التي استمعت لها عن " شاليط " ومعاناته ومعاناة والديه ..؟

 

سيادة الرئيس  :

اذا رغبت بعودة شاليط لأهله وان يحتفل بعيد ميلاده السادس والعشرين مع اهله ووسط أحبته وانا لا أشك برغبتك هذه ، عليك ان تضغط بجدية وان تبذل فرنسا الصديقة مساعي حثيثة لإتمام صفقة التبادل ، واعادة " شاليط " الإسرائيلي الفرنسي الى أهله ، وما دون ذلك فانك وللأسف ستضطر لأن تُطلق وعودات وتصريحات مشابهة العام تلو العام .

سيادة الرئيس " ساراكوزي ":

في الوقت الذي نسجل فيه جل احترامنا لشخصكم وشعبكم ونقدر عالياً دور فرنسا الصديقة ورؤسائها المتعاقبين في دعم ومساندة القضية الفلسطينية ، وفي الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم أجمع ، فاننا  نتطلع دوماً لدور نزيه ومنصف وعادل من قبلكم تجاه ملف شاليط والأسرى الفلسطينيين ..

فحقوق الإنسان ثابتة ومتساوية وهي جزء لا يتجزأ ، كفلتها كافة المواثيق والأعراف الدولية للجميع دونما تمييز من أي نوع كان ، لا سيما التمييز بسبب الجنس أو اللغة ، أو الدين أو على أساس الوضع السياسي و القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص،. وهي تشكل أساساً للحرية والعدل والأمن و السلام في العالم .

 

وفي الختام نؤكد بأننا تفهمنا مواقف ومشاعر " ساراكوزي " واصدقاء " شاليط " ، لكن عليهم أن يتفهموا مواقفنا ومشاعرنا ، وأن يتحركوا ويضغطوا بناءً  قاعدة التبادلية ، والضغط بجدية على الحكومة الإسرائيلية وبذل مساعي حثيثة من أجل اتمام صفقة تبادل مقبولة تكفل عودة " شاليط " لأهله ، وعودة مئات الأسرى الفلسطينيين لبيوتهم وعائلاتهم  ..

 

واذا كان لـ " شاليط " أم وأب ينتظرانه .. فان مئات الأسرى الفلسطينيين فقدوا من كان ينتظر عودتهم بعد أن خطفهم الموت الطبيعي أو آلة القتل الإسرائيلي .

أرشيف المقالات