اسرائيل و" نغمة " تليين المعايير الخاصة بالأسرى ..

 

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

3-9-2008

بين الفينة والأخرى تطالعنا وسائل الإعلام المختلفة بأخبار مكررة من حيث المضمون ، مفادها أن الحكومة الإسرائيلية تدرس تليين المعايير الخاصة بالأسرى الفلسطينيين ، وأنها أوعزت للجنة الوزارية الإسرائيلية التي شُكلت لهذا الغرض للإجتماع ، أو أن الأخيرة اجتمعت لدراسة الأمر وأنها قررت بعض التوصيات أو .. الخ .

ومن خلال متابعتنا لمجمل اجتماعات اللجنة الوزارية منذ تشكيلها ، وما تمخض عنها من قرارات وتوصيات ذات صلة بالموضوع ، نلاحظ وبوضوح أنها لم تُحدث أي تليين على تلك المعايير ، وأبقتها – أي المعايير - على حالها ومضمونها وجوهرها في تعاملها مع مطالب السلطة الوطنية الفلسطينية واستحقاقات العملية السلمية أو في تعاملها مع ملف " شاليط " ..

الأمر الذي يقودنا للتأكيد على أن الحكومة الإسرائيلية لا زالت متمسكة بمعاييرها الظالمة ، وثابتة على نهجها وعقليتها بكل الأحوال في تعاملها مع الأسرى عموماً .

وعلى سبيل المثال لا الحصر رفضها لقائمة الأسرى التي قدمتها السلطة الوطنية الفلسطينية ، وموافقتها فقط على ثلاثة أسماء منها وهم سعيد العتبة وأبو علي يطا وحسام خضر ، فيما أخضعت باقي الدفعة ( 198 أسير ) التي أفرجت عنها مؤخراً الى معاييرها ، بالرغم أن اللجنة الوزارية الإسرائيلية قد اجتمع بداية شهر آب / أغسطس الماضي ، وقيل آنذاك أنها قررت اجراء تليين على المعايير الخاصة بالأسرى.

والأمر ذاته ينطبق في تعاملها مع ملف " شاليط " ، ورفضها للقائمة التي قدمتها الفصائل الآسرة  والتي ضمت ( 450 أسير ) لمخالفتها لمعاييرها ، وأبدت موافقة على أسماء ( 70 ) أسيراً منهم فقط بعد سلسلة اجتماعات للجنة الوزارية الخاصة.

يذكر أن الفصائل الفلسطينية الثلاثة آسرة " شاليط " كانت قد طالبت بإطلاق سراح الأسرى القدامى والأطفال والأسيرات، والقيادات السياسية ، وقدّمت قائمة تشمل ( 450 ) أسيراً فلسطينياً، على أن يتم في مرحلة ثانية إطلاق سراح 550 أسيراً بضمانات دولية .

  لكن الحكومة الإسرائيلية تبدي أحياناً مرونة محدودة جداً لمناقشة حالات استثنائية حسب الظرف والمكان والزمان ، وتظهر إعلامياً في أحياناً كثيرة جداً كجزء من العلاقات العامة على أنها مستعدة لتليين المعايير الخاصة باطلاق سراح أسرى فلسطينيين لإتمام صفقة التبادل ، والإيحاء للجمهور الإسرائيلي والمجتمع الدولي بأنها فعلت ومستعدة لفعل الكثير من أجل استعادة " شاليط " ولكن العقبة فلسطينية بحتة.

وهنا علينا التمييز ما بين الإفراج عن أسرى بشكل استثنائي وانساني كما حصل مؤخراً مع العتبة وأبو علي يطا وحسام خضر ، ولربما يتكرر المشهد في القريب ، والموافقة على 70 أسير من القائمة التي قدمتها الفصائل آسرة " شاليط " ، وما بين الثبات الإسرائيلي على المعايير الظالمة المرفوضة فلسطينياً وضرورة العمل على إبطال مفعولها .

وما جرى ويجري داخل اجتماعات الحكومة الإسرائيلية أو اللجنة الوزارية الخاصة هو مناقشة أسماء محدودة من الأسرى بشكل استثنائي وانساني لرفع عدد الأسرى الموافق عليهم اسرئيلياً ضمن صفقة التبادل  دون المساس بجوهر تلك المعايير ، وهذا لا يعتبر تلييناً أو تغييراً في المعايير ، ولا حلاً مقبولاً لدى الفلسطينيين .

والأدهى من ذلك أنه تردد مؤخراً عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن  اللجنة الوزارية الخاصة بشؤون إطلاق سراح أسرى فلسطينيين قررت تليين المعايير ولكن بالتوازي ، مما يعني رفضها للقائمة التي قدمتها حماس ،  وأن اللجنة أعدت أو ستعدّ قائمة أسرى بديلة تضمّ ( 450 ) أسيراً تتضمن من وافقت عليهم اللجنة سابقاً – والمقصود هنا الـ 70 أسير -  في خطوة إلتفافية على رفضها لقائمة حماس ومحاولة لنقل الكرة للملعب الفلسطيني ، ومن ثم اتهام حماس برفض الصفقة ، في محاولة اسرائيلية جديدة لإجبار حماس على تليين موقفها وهنا يُقصد بالتوازي ، والخروج بقائمة ثالثة أقرب الى المعايير الإسرائيلية مع احتمالية زيادة العدد الإجمالي للأسرى المنوي الإفراج عنهم أو شمولها على أسماء محددة بشكل استثنائي  ...

وبرأيي الشخصي فان هذا ليس تلييناً في المعايير أو تغييراً في السياسة الإسرائيلية في تعاملها مع الأسرى حتى ولو تضمنت القائمة الإسرائيلية كما تردد أسماء عدد محدود من الأسرى الذين شاركوا بشكل مباشر أو غير مباشر في قتل اسرائيليين وينطبق عليهم التوصيف الإسرائيلي " الأيادي الملطخة بالدماء " ، وبالتالي يجب الإنتباه لمثل هذه الألاعيب الإسرائيلية .

وأعتقد أيضاً أن هذا السلوك لا يعكس نوايا حقيقية لدى الحكومة الإسرائيلية في انهاء هذا الملف واستعادة " شاليط " حياً ، ولا يعكس جديتها في تغيير معاييرها المرفوضة فلسطينياً  .

ويؤكد أيضاً على أن " اسرائيل " لا زالت تصر على نهجها في تعاملها مع قضية " شاليط " وتراهن على الوقت ومحاولة إحداث اختراق أمني يقود الى معرفة مكان احتجازه واستعادته بدون ثمن ، أو مواصلة الضغوط والتهديد والإبتزاز ، وربطه بمجمل القضايا الأخرى ، لإستعادته بأقل الأثمان .

ومع أن كل المؤشرات تؤكد بأن الحكومة الإسرائيلية باتت مقتنعة منذ فترة بأنها لا تستطيع استعادة " شاليط " حياً بالقوة ، إلا أنها غير مقتنعة بضرورة دفع استحقاقات استعادته بالتبادلية ، فتجدها تماطل وتناور أحياناً ، وتلوح باستخدام القوة والإغتيالات وتشديد الحصار بهدف الإبتزاز أحياناً أخرى ، وفي أحياناً كثيرة تحاول ربط " شاليط " بالملفات الأخرى كالتهدئة والحصار والمعابر وحرية الحركة ، في محاولة للتقليل من حجم استحققات استعادته ، وهي تمر باضعف مراحلها ورئيس وزرائها الضعيف يستعد للرحيل وبالتالي فهي غير قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية جريئة تتمثل في احداث ذاك التغيير المأمول فلسطينياً ، لانجاز صفقة تبادل الأسرى  .

وبالمقابل فان الفصائل آسرة الجندي الإسرائيلي تدرك ما تهدف اليه الحكومة الإسرائيلية ، وقد أكدت مراراً أنها لن تقبل أي تعديل على القائمة التي قدمتها  ولن تبدي أي تليين على مطالبها المعلنة.

ومع ذلك أتوقع أن تشهد الفترة المقبلة حراكاً في قضية الأسرى في كلا الإتجاهين ، ولربما تشهد افراجات جديدة في اطار المفاوضات السياسية  تشمل بعض الأسرى القدامى أو القيادات السياسية كحالات استثنائية يمكن أن تعتبر كسراً للمعايير الإسرائيلية كما حصل مع العتبة وأبو علي يطا وحسام خضر ..

فيما صفقة تبادل الأسرى ستراوح مكانها  بعد سلسلة من اللقاءات والإجتماعات ، وقد تَبقي الأمور على حالها لفترة ما بعد الإنتخابات الإسرائيلية ، وبالتالي لن تنجز في الفترة المقبلة كما يُروَج لها ، لأن استحقاقاتها كبيرة والحكومة الإسرائيلية غير مستعدة لدفعها ، والكرة الآن في الملعب الإسرائيلي.

واذا أريد للصفقة أن ترى النور في القريب ، فعلى الأطراف المعنية الضغط على حكومة الإحتلال لتغيير معاييرها والتجاوب مع مطالب الفصائل الفلسطينية .

أما فلسطينياً فأعتقد وكما صرح العديد من قادة الفصائل آسرة " شاليط " بأن لا تراجعاً على المطالب الفلسطينية المشروعة ، ولا تلييناً على الموقف من القائمة التي قدمت سابقاً ، وغير ذلك يعتبر أمر يصعب قبوله فلسطينياً  ، إن لم يكن مستحيل تفهمه ، .

 فالشعب الفلسطيني لا سيما في قطاع غزة دفع ثمناً باهظاً مقابل " شاليط " وبالتالي ينتظر صفقة مشرفة تتجاوز المعايير الإسرائيلية بغض النظر عن عدد الأسرى الذين سيفرج عنهم ، شرط أن يتقدمهم ( 340 أسير ) معتقلين منذ ما قبل أوسلو أو ما يطلق عليهم " الأسرى القدامى " بمن فيهم أسرى القدس وال48 ،  وان ينعموا كافة بالحرية وبالعودة لبيوتهم وأحبتهم وشعبهم .

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى