"قدامى الأسرى".. قضية كادت أن تُنسى في زحمة الأحداث

 

 

 

بقلم/عبد الناصر فروانة

رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى

1/3/2016

 

أول أمس الأحد شاركت في افتتاح لوحة كبيرة تزينت بها مدينة غزة، وبالتحديد بالقرب من مقر الصليب الأحمر وعلى دوار د. حيدر عبد الشافي. تلك اللوحة التي أعدتها مؤسسة القدس للشهداء والأسرى، وتحمل أسماء وصور "عمداء الأسرى". أولئك المغيبون خلف قضبان السجون والذين مضى على اعتقالهم عشرين عاماً ومايزيد في سجون الاحتلال الإسرائيلي بشكل متواصل. تلك اللوحة التي أعادت بقضية الأسرى القدامى الى واجهة الأحداث وفتحت من جديد ملف كاد أن يُنسى في زحمة الأحداث ويتلاشى خلف معارك الأمعاء الخاوية.

 

(الأسرى القدامى، عمداء الأسرى، جنرالات الصبر)، ثلاثة مصطلحات مستجدة أضحت ثابتة ومعتمدة، وبات متعارفا عليها في قواميس الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ولدى من يتابعون شؤونها وهمومها وقضاياها. وهي مصطلحات تحمل في ثناياها معاني ودلالات كبيرة: فمصطلح "الأسرى القدامى" يُطلقه الفلسطينيون على قدامى الأسرى، وهم جميع الأسرى الذين اعتقلوا قبل توقيع اتفاقية "أوسلو". هؤلاء الذين عجزت "المقاومة" كما فشل "السلام" في تحقيق حلمهم بالحرية. فيما مصطلح "عمداء الأسرى" يُطلقه الفلسطينيون على من أمضوا في اعتقالهم بشكل متواصل أكثر من20عاماً. أما "جنرالات الصبر" فهو مصطلح يُطلقه الفلسطينيون على من مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن ويتقدم هؤلاء جميعا ثلاثة أسرى مضى على اعتقالهم أكثر من ثلاثين عاما، بل وأكثر من ثلاثة وثلاثين عاما وهم كريم وماهر يونس، المعتقلان منذ كانون ثاني/يناير1983، ومحمد الطوس المعتقل منذ تشرين أول/أكتوبر 1985.

 

ان معاناة هؤلاء الأسرى تتضاعف، وقصصهم تزداد مرارة، وحكاياتهم مع الأسر طويلة ولا تُنسى، وقضيتهم يجب أن تبقى حاضرة وتحظى بما تستحقه من اهتمام من قبل الكل الفلسطيني. وإذا كان الأديب المصري "يوسف إدريس" قد قال منذ زمن "أيها الناس اقرأوا قصص غسان كنفاني مرتين، مرة لتعرفوا أنكم موتى بلا قبور، ومرة أخرى لتعرفوا بأنكم تجهزونها وأنتم لا تدرون". فاننا اليوم نقول اقرأوا قصص الأسرى القدامى وحكاياتهم مع الأسر ثلاث مرات: مرة لتعرفوا فظاعة الاحتلال وعنجهيته في التعامل معهم، ومرة أخرى لتعرفوا كم هي معاناتهم ومعاناة ذويهم مؤلمة وقاسية، واقرأوها مرة ثالثة لتدركوا كم نحن مقصرون تجاههم.

 

ان استمرار وجودهم في السجن الإسرائيلي لسنوات وعقود انما يعكس ثباتهم وشموخهم، عنفوانهم وشموخهم، تحديهم وإصرارهم على التمسك بالأمل رغم الألم. فيما بالمقابل يكشف عجزنا وفشلنا جميعا في تحريرهم.

 

"عمداء الأسرى" .. كريم وماهر يونس، محمد الطوس، ابراهيم ورشدي أبو مخ، وليد دقة، سمير أبو نعمة، ابراهيم ومحمد ويحيى اغبارية، ضياء الفالوجي، محمد فلنة، ناصر ومحمود سرور، محمود عيسى وغيرهم الكثير حتى وصل عددهم ثمانية وثلاثين أسيرا. هم ليسوا مجرد أرقام، وان كانت الإحصائيات مهمة في بعض الأحيان، أو مجرد اسماء عابرة. هم تاريخ وتجارب، حكايات وروايات، صمود وشموخ، أبطال ونماذج ساطعة. هم ثورة مشروعة وقضية عادلة.

 

شكرا لمؤسسة "مهجة القدس" على هذه المبادرة التي دفعتني للكتابة من جديد حول هذه القضية الهامة. ألا وهي قضية السرى القدامى.

شكرا لمؤسسة "مهجة القدس" التي أعادت بهذه القضية الى واجهة الأحداث لتتصدر بعض وسائل الإعلام من جديد.

شكرا لكل من آمن بعدالة قضية الأسرى، وبذل ويبذل جهدا لأجل دعمهم ومساندتهم بما يعزز صمودهم ويقود الى انتزاع حقوقهم وحريتهم.

 

الحرية كل الحرية للأسرى كافة وفي المقدمة منهم كافة "عمداء الأسرى" ولنبقى على قضيتهم حية وحاضرة.