الجزائر : " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" ..
ونحن شعب يعشق الجزائر ويقتدي بتجربتها
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
غزة-2-1-2011
بعد أقل من أربع سنوات مرت على زيارتي الأولى للجزائر الشقيقة ، تتاح لي الفرصة لزيارتها ثانية للمشاركة في ملتقى الجزائر لنصرة الأسرى ، وفي كل مرة وبعد مغادرتي لها ينتابني شعور الشوق والحنين للعودة لها من جديد ، وأسرار اجتذابها لنا كفلسطينيين عديدة .
فصرخة رئيسها السابق" هواري بومدين " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة " لا زالت تصدح بالآذان لتعكس بما لا يدع مجالاًً للشك ولو لبرهة واحدة ، مستوى الاهتمام الجزائري الرسمي والشعبي بالقضية الفلسطينية ولتُظهر حجم الدعم والمساندة لها ..
عبارة رددها الرؤساء المتعاقبين للجزائر الشقيقة وشعبها العظيم ، ليؤكدوا بأن فلسطين حاضرة ولم تغبْ عن أذهان وعقول وقلوب الجزائريين كل الجزائريين ، .
فللجزائر الشقيقة بلد الثورة والأحرار مكانة مرموقة في قلوبنا وعقولنا ، وللجزائر بلد المليون ونصف المليون شهيد مساحة واسعة في ذاكرتنا ، واسم حفر في سفر تاريخنا وثورتنا ، وتجربة شكَّلت نموذجاً لنا ، بعظمة ثورتها وعنفوان ثوارها وبطولة صناع أمجادها وإخلاص بناة حاضرها ومستقبلها بعد استقلالها.
فعلى أرضها جرت أول عملية تبادل للأسرى ما بين فصائل الثورة الفلسطينية وسلطات الاحتلال الإسرائيلي عام 1968 ، ومن داخل قاعة قصر الأمم بنادي الصنوبر أطلق الشهيد الراحل " أبو عمار " إعلان الاستقلال " والدولة الفلسطينية المستقلة في نوفمبر عام 1988 ، ومن ذات القاعة أطلق إعلان الجزائر لنصرة الأسرى في ديسمبر عام 2010 ، ومنها وفيها ... الكثير من الذكريات والمواقف .
فلم ولن ينسى شعبنا الفلسطيني احتضانها لثورته بعد خروجها من بيروت ، ودعمها ومساندتها التاريخية للقضية الفلسطينية ولأبناء الشعب الفلسطيني عامة ، حيث لا تزال تردد قولاً وفعلاً ، على المستوى الرسمي والشعبي " نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة " ، فأحبها كل فلسطيني وعشق ترابها كل مقاوم .
فالجزائر عظيمة برؤسائها وأبنائها ، رائعة في جمالها وطبيعتها وشواطئها، هائلة بآثارها ، فاتنة بكسوتها الخضراء ، متميزة بمتحفها " مقام الشهيد " ، شامخة كجبالها ، وستظل كذلك بإذن الله .
وإلتزامها بدعم فلسطين لم يتوقف ومواقفها المساندة لقضاياها لن تتراجع وعطائها للشعب الفلسطيني لا ينضب ، ففي الخامس والسادس من ديسمبر الماضي ، احتضنت قصر الأمم بنادي الصنوبر ، الملتقى العربي الدولي لنصرة الأسرى في سجون الاحتلال ، لتؤكد من جديد وفائها للقضية الفلسطينية عامة ولثوارها ومجاهديها وأسراها القابعين في سجون الاحتلال خاصة .
نعم .. هاهي الجزائر كما عرفناها وكما تعودنا أن نراها ، سباقة ، وفية ، مخلصة ، داعمة ومبادرة ، للثورة الفلسطينية المعاصرة وللشعب الفلسطيني وللثوابت الفلسطينية.
وملتقى الجزائر لنصرة الأسرى ، لم يكن تنظيمه عفوياً أو عشوائياً ، أو تظاهرة كما يحلو للبعض وصفه ، أو لمجرد مؤتمر انتهى بانتهاء جدول أعماله ، أو لحسابات جزائرية داخلية كما اعتقد قلة من المتابعين ، وإنما هو ملتقى تميز بحجم المشاركة الكبيرة وتنوع الشخصيات والمؤسسات المشاركة فيه ، وتناوله لكافة ملفات الحركة الوطنية الأسيرة .
فلقد شارك فيه أكثر من ألف شخصية يمثلون أكثر من خمسين دولة عربية وإسلامية وأجنبية ، وهو لم يترك ملف إلا وعرضه من خلال الكلمات و المداخلات وأوراق العمل التي قُدمت في الجلسة الرئيسية أو في ورشات العمل ، كما أن ما تمخض عنه من قرارات وتوصيات واقتراحات تُعتبر في غاية الأهمية .
وللمرة الأولى ومنذ بضع سنوات يلتقي كافة أطياف العمل السياسي الفلسطيني في قاعة واحدة دون أن يقلبوا أوراق الانقسام والخلافات الداخلية ، ويستمع كل طرف للأخر بهدوء واحترام ، ويلتزم الجميع بعدم نشر الغسيل الفلسطيني على حبال الجزائر ، وكما كانت الجزائر حاضنة للثورة ، فهي اليوم جامعة للإخوة المتخاصمين في مشهد نادراً ما رأيناه منذ سنوات .
واعتقد جازماً بأن مؤتمر الجزائر شكّل خطوة هامة جداً في سياق تدويل قضية الأسرى وتسليط الضوء على معاناتهم وفضح ما يتعرضون له من انتهاكات وجرائم ، وسيشكل محطة بارزة في التعامل مع هذه القضية على المستوى العربي والدولي .
وأن أهم ما تضمنه " إعلان الجزائر " هو التأكيد على :
أولاً : قضية الأسرى والمعتقلين هي من نتائج وإفرازات الاحتلال الصهيوني ومخططاته العدوانية ، وهذا يؤكد على أن المقاومة هي حق مشروع للشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية وواجب ديني ووطني وقومي وانساني يفرض على الأمة تبنيه واحتضانه من اجل تحرير الأرض والإنسان والمقدسات واسترداد جميع الحقوق .
ثانياً : ان الأسير في ظل الاحتلال مقاومة ورمز لنضال الأمة ما يتطلب الاستماتة في النضال من اجل سلامته الجسدية والنفسية والعقلية والروحية وكرامته الشخصية ، وان التكفل بحقوقه وحقوق ذويه من الواجبات المؤكدة والمطلوبة من كل الهيئات والمنظمات الوطنية والاقليمية والدولية للدفاع عنها بكل الأساليب والطرق.
ثالثاً : ان الأسرى المقدسيين واسرى فلسطين 48 وأسرى الجولان العربي المحتل الذين يفصلهم الكيان الصهيوني عن سائر الأسرى في سجونه يقعون في قلب قضية الأسر والاعتقال لدى الاحتلال وفي معركة تحرير جميع الأسرى .
رابعاً : على القوى المساندة والمتواطئة مع الاحتلال التي تدعي حرصها على حقوق الانسان ان تسارع إلى مراجعة مواقفها وسلوكها الذي يشكل خرقا فاضحا لقيم وحقوق الإنسان والقانون الدولي ومبادئهما.
خامساً : ان قرابة 8000 أسير فلسطيني وعربي ومسلم في مراكز الاحتلال والتوقيف الاداري والتحقيق والمعسكرات بما يشكلونه من عناوين شامخة لاصرار الأمة على مواجهة الاحتلال الصهيوني وبكل ما يواجهونه من عسف وتعذيب وسوء معاملة واعتقال بمن فيهم النساء والأطفال تبقى قضية سياسية ووطنية واخلاقية وانسانية تتطلب من كل ابناء الأمة وأحرار العالم في جميع المواقع الرسمية والشعبية العمل الدؤوب عنهم وتعويضهم واحتضان اسرهم وذويهم.
سادساً : ان الاساليب التي يتعامل بها المجتمع الدولي مع قضايا الاسرى والمعتقلين والمفقودين لدى سلطات الاحتلال والتي تتميز بالتجاهل واللامبالاة واحيانا بتبرير ما لا يبرر من الاعتقال والانتهاكات المرافقة هي ممارسات غير قانونية وغير اخلاقية تفضح المزاعم الصهيونية حول احترام القانون والدعاية التي تروج لهذا الكيان على انه واحة للديمقراطية.
سابعاً : ان المنظمات العربية والاقليمية والدولية الرسمية منها والشعبية مدعوة لتاسيس وكالات وصناديق ومؤسسات وهئيات خاصة بمتابعة الاهتمام القانوني والانساني والاجتماعي والحياتي لهؤلاء الاسرى والعائلات المناصرة لهم على امتداد الامة والعالم .
ثامناً : ضرورة تأسيس شبكة عالمية لدعم الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال الصهيوني على ان تعمل اللجنة التحضيرية للملتقى من اجل إيجاد الترجمة العملية لهذه الآلية وتنفيذها.
فيما أوصى الملتقى اللجنة التحضيرية بدراسة جميع المقترحات والتوصيات التي قدمت أثناء الجلسات العامة وجلسات الورش والعمل على بلورتها وتنفيذ ما يمكن منها ، ومنها توصيات وإقتراحات ذات العلاقة بإبراز القضية والاهتمام بها ودعمها مادياً وقانونياً وتفعيلها دولياً والاستفادة من الإعلام في نشرها وتسليط الضوء عليها ..
وفي الختام ولا يسعني هنا إلا أن أسجل جُل احترامي وتقديري لرؤساء اللجان التحضيرية والمنظمة والمشرفة عليه ولكل من شارك في الإعداد والتنظيم والإشراف واستقبال الوفود ، وأخص بالذكر هنا الأمين العام لحزب جبهة التحرير الجزائرية " عبد العزيز بلخادم " وللأمين العام لمؤتمر الأحزاب العربية ، رئيس اللجنة التحضيرية " د.عبد العزيز السيد " ... وأدعوهم للإسراع في تشكيل اللجان المختصة لدراسة التوصيات وإيجاد سبل التطبيق والتنفيذ .
كما لا يسعني إلا ان أثمن عالياً دور الإعلام الجزائري المتميز في تغطيته للملتقى وقضية الأسرى ، ومن قبل في تغطية ومتابعة الشأن الفلسطيني برمته .
وفي السياق ذاته أبرق فائق احترامي وتقديري لـ " لجنة الحرية لأسرى الحرية " الناشطة هناك والمتميزة بدورها ونشاطها الإعلامي الخارجي نصرة للأسرى .
فالتجربة الإعلامية الجزائرية – الفلسطينية المتميزة والبارزة في الجزائر يجب ان تُعمم وتتناقل الى دول أخرى .. وهي وبدون شك تجربة مثمرة تستحق التقدير والإشادة .
فقضية الأسرى بحاجة إلى إعلام قوي ومساندة حقيقية ومؤثرة من كافة وسائل الإعلام ( المرئية والمسموعة والمطبوعة والألكترونية ) بما يوازي حجم الانتهاكات والجرائم التي يتعرض لها الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، فالإعلام مهم جداً في زماننا هذا وليس هنالك من انتصار لأية قضية مهما كانت درجة عدالتها دون إعلام قوي .
- المقال نشر اليوم الأحد (2-1) في العدد الأول من الملحق الخاص بالأسرى في صحيفة الشعب الجزائرية