كتب خصيصا لمجلة المجلس الوطني الفلسطيني، العدد "59".

 

الأسرى الفلسطينيون والتشريعات الإسرائيلية المخالفة للقانون الدولي

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

 

بعد الخامس من حزيران عام 1967، وهو اليوم الذي أتمت فيه إسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية باحتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وأخضعت سكانها لاحتلالها السياسي والعسكري، ترسخ في الوعي الإسرائيلي اعتقاد خاطئ، بأن الفلسطينيين سيستسلمون للواقع الجديد. لذا فقد رأيناها تحاول استغلال حالة الاحباط التي سادت لدى الفلسطينيين آنذاك، لتواصل جرائمها، في محاولة منها للقضاء على كل أشكال المقاومة، تأكيدا لإتمام سيطرتها، وتعزيزاً لاستمرار وجودها، وتحقيقا لأهدافها ومطامعها في فلسطين.

ولم يمر وقت طويل حتى جاء الرد الطبيعي، فمن رحم المعاناة أخذت جيوب المقاومة تتنامى وتنشط شيئاً فشيئاً، فتطورت المسيرة الكفاحية للشعب الفلسطيني، وبرزت العديد من التنظيمات الوطنية الفلسطينية المقاومة. على قاعدة ان الحق يُنتزع ولا يُوهب، وان ما تُسمى، في عالم اليوم، بالعدالة الدولية، تقضي بحق الشعوب في تقرير مصيرها على أرضها، وكل ما يتعارض مع ذلك فهو باطل وجائر ويستحق المقاومة، وأن لكل شعب الحق في أن يسعى لطرد أي قوة تحتل وطنه، وإن هذه المقاومة وسيلة مشروعة، أجازتها كافة المواثيق والأعراف الدولية، وهي بحد ذاتها شرفٌ تعتز به الشعوب، وتتباهى به الأمم: فما من شعبٍ كريم وقع تحت الاحتلال إلا ومارس المقاومة.

وقد بدا واضحاً أن المقاومة الفلسطينية الوليدة، قد نجحت بالفعل في إحداث حالة من الإرباك في نظرية الأمن الإسرائيلية، ومع التطور النوعي للعمليات الفدائية، تصاعدت عمليات القتل الإسرائيلي في صفوف الفلسطينيين المدنيين، إضافة إلى الاعتقالات الجماعية الواسعة.

 

وعليه فقد وضعت سلطات الاحتلال كل الفلسطينيين في قفص الاتهام، ودائرة الاستهداف، إما بالقتل أو الاعتقال أو بالإبعاد، استناداً لاعتقادها بأن ضمان أمنها واستمرار وجودها يتطلب ضرورة القضاء على الآخر، بكل وسيلة ممكنة. فلجأت إلى اعادة ترتيب أوراقها وتنظيم آليات اعتقالاتها واساليب التعذيب والتحقيق معهم، وواصلت ملاحقة الفلسطينيين المدنيين، واعتمدت الاعتقالات نهجاً منظماً وممارسة مؤسساتية ووسيلة لقمع وترهيب الفلسطينيين وايذائهم وكبح ارادتهم ومقاومتهم، فاعتقلت مئات الآلاف منهم، ذكورًا واناثًا، صغارا وكبارًا، ومارست بحقهم شتى صنوف التعذيب الجسدي والنفسي، أملاً في ردع تلك الظاهرة المؤرقة والقضاء على جيوب المقاومة. حتى أضحت الاعتقالات جزءًا لا يتجزأ من فلسفة سلطات الاحتلال وسلوكها اليومي في التعامل مع المواطنين الفلسطينيين، وباتت جزءًا أساسيًا من منهجية الاحتلال للسيطرة على الشعب الفلسطيني، حتى غدت الاعتقالات الوسيلة الأكثر قمعًا وقهرًا وخرابًا بالفرد والأسرة والمجتمع الفلسطيني. ومع ذلك، وبالرغم مما تتركه الاعتقالات من آثار سلبية وما تلحقه من أضرار، إلا أنها لم تنل من ارادة وعزيمة الفلسطينيين، ولم تثنيهم عن مواصلة مقاومتهم للاحتلال لانتزاع حقوقهم المشروعة وتحقيق حريتهم المنشودة.

 

لقد شكَّلت هذه الزيادة الكبيرة في عمليات الاعتقال وارتفاع أعداد المعتقلين عاملًا ملحًا لدولة الاحتلال لإعادة افتتاح سلسلة من السجون، التي ورثتها عن الانتداب البريطاني، في البداية، ومن ثم توسيعها في وقت لاحق، وتشييد سجون ومعتقلات جديدة، بمواصفات وظروف أكثر قسوة وأشد حراسة، حتى وصل عددها إلى ما يقارب ثلاثين سجنًا ومعتقلًا ومركز توقيف، بعضها أغلق اثر اتفاقية "اوسلو" وغالبيتها العظمى ما تزال تضم بين جدرانها آلاف الأسرى. تلك السجون التي جعلت منها دولة الاحتلال ساحة لتعذيب المعتقلين ومكانًا لزرع الأمراض، وأداة لإفراغهم من محتواهم الوطني والسياسي والنضالي والثقافي، ووسيلة لقتلهم معنويًا ونفسيًا. وما ذاك إلا لأنها ترى في الفلسطينيين أعداء لها، يجب التخلص منهم، أو على الأقل ردعهم.

 

أن عمليات الاعتقال اليومية التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، تشكل انتهاكًا صارخًا لقواعد القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان. حيث أن سلطات الاحتلال لم تلتزم بالضمانات الخاصة بحماية السكان المدنيين، ولم تلتزم كذلك بالقواعد الناظمة لحقوق المحتجزين وأوضاعهم. تلك الضمانات والقواعد التي تناولها القانون الدولي وأكد عليها وألزم دولة الاحتلال بالإيفاء بالتزاماتها في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين المحتجزين لديها بما يُلزم احتجازهم داخل المناطق المحتلة ويحفظ حقوقهم وكرامتهم الإنسانية في تلقي الرعاية الصحية اللازمة والمأكل المناسب، وتمكين عوائلهم من زيارتهم والتواصل الإنساني الدائم معهم، ومنع التعذيب وسوء المعاملة وعدم تعريضهم للاعتقال التعسفي، وكذلك حظر الاستخدام المطلق لأوامر الاعتقال الإداري وفقا للمادة (78) من اتفاقية جنيف الرابعة. وتُعد عمليات اعتقال المواطنين الفلسطينيين بشكل تعسفي، انتهاكاً للضمانات القانونية المتصلة بحظر الاحتجاز التعسفي، والتي كفلها القانون الدولي لحقوق الإنسان، من خلال المواد (9) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948م، والمادتين (9) و(10/1) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1976م.

 

لقد لاحظ كل إنساني وحقوقي بأن دولة الاحتلال، لا تولي أي اهتمام لكرامة الإنسان الفلسطيني الأسير وحقوقه الأساسية، منذ أن بدأت احتلالها ومارست اعتقالاتها وأمعنت في انتهاكاتها لكل هذه الحقوق. ومنذ أن واصلت جرائمها الإنسانية بحق المعتقلين دون أن يردعها في ذلك حق أو عرف أو قانون، مما جعل من السجن الإسرائيلي نموذجًا تتجلى فيه الحالة الأسوأ في الاحتلال، على مدار التاريخ. وسعت منذ نشأتها، إلى ترسيخ إجراءات وممارسات تهدف أساساً إلى فرض واقع جديد يخدم بشكل رئيس سياستها وأهدافها العنصرية. كما وتسعى دائما إلى شرعنة ما تقوم به من ممارسات عنصرية تجاه الشعب الفلسطيني، وتوظف التشريع لتحقيق أغراض سياسية تتعارض وأبسط التزاماتها التعاقدية بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. الأمر الذي يُعطي العاملين في أجهزتها المختلفة الضوء الأخضر لاقتراف المزيد من الانتهاكات والجرائم بحق المعتقلين على اختلاف أجناسهم وفئاتهم العمرية وشرائحهم الاجتماعية.

ومنذ العام 2015 تصاعدت وتيرة الاعتقالات واتسعت رقعتها بشكل لافت وغير مسبوق، وسُجل خلال الأربع سنوات الأخيرة (26696) حالة اعتقال، فيما لاحظ كل متابع أن سلطات الاحتلال وظفت كل طاقاتها لغرض قمع الأسرى وإلحاق الأذى بهم وتضييق الخناق عليهم. كما واتسمت تلك السنوات بتصاعد الجريمة المنظمة وشرعنة الانتهاكات وارهاب الدولة. وفي هذا السياق ناقش الكنيست الإسرائيلي وأقر سلسلة من التشريعات العنصرية، بدعم وتأييد من كافة مكونات النظام السياسي في اسرائيل، والتي كانت تهدف إلى تغليظ العقوبة بحق الأطفال، وتضييق الخناق على الأسرى عموماً والاساءة إلى شخصيتهم الوطنية وهويتهم النضالية، وتشويه مكانتهم القانونية وتجريم مقاومتهم المشروعة، وتصويرهم وكأنهم "مجرمين وقتلة" وليسوا محاربين ومناضلين من أجل الحرية، في محاولة منها لمعاقبة الشعب الفلسطيني وتجريم كفاحه المشروع عبر تجريم مقاومة الأسرى ضد الاحتلال.

 

لقد أمعنت اسرائيل في سنها للتشريعات العنصرية، وهذه بعض مما ناقشه وأقره الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) من قوانين ومشاريع قوانين بحق الأسرى خلال السنوات الأربع الأخيرة:

قانون استهداف القاصرين الأطفال وسجن ومحاكمة من هم دون الرابعة عشر عاماً، وقانون رفع الأحكام بحق الاطفال راشقي الحجارة، وقانون تشديد عقوبة الحد الادنى على راشقي الحجارة في القدس، قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، قانون إعدام الأسرى، قانون مكافحة الارهاب، قانون القومية، قانون التفتيش الجسدي والعاري ودون وجود شبهات، قانون إعفاء المخابرات من توثيق التحقيق، تطبيق القانون الجنائي الإسرائيلي في الأراضي المحتلة لصالح المستوطنين، قانون إدانة فلسطينيين دون شبهات، قانون إلغاء الإفراج المبكر، قانون منع العفو، قانون طرد عائلات منفذي العمليات من الأسرى والشهداء، قانون خصم مبالغ مالية من عائدات الضرائب توازي حجم المستحقات التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء، قانون حرمان الأسرى من التعليم، قانون اعتراف المحاكم المدنية الإسرائيلية بقرارات المحاكم العسكرية في إسرائيل، قانون منع زيارات أسرى ينتمون إلى منظمات فلسطينية تحتجز إسرائيليين، قانون يسمح باحتجاز جثامين الشهداء، وليس آخرها قانون عدم تمويل العلاج للجرحى والأسرى. هذا وأصدر وزير جيش الاحتلال السابق أفيغدور ليبرمان أمراً اعتبر من خلاله "الصندوق القومي الفلسطيني" منظمة محظورة، وهو القرار الأول من نوعه ضد هيئة أو منظمة تابعة للسلطة الفلسطينية منذ توقيع اتفاق اوسلو عام 1993م، وسوغ ليبرمان قراره بدفع الصندوق رواتب شهرية للأسرى الفلسطينيين وعائلات الشهداء[1]. بالإضافة الى ما أقره مؤخراً وزير الأمن الداخلي "جلعاد أردان" والتي جاءت نتيجة توصيات خلصت إليها لجنة كان قد شكلها لغرض تقييم أوضاع الأسرى وتقديم مقترحات لتضييق الخناق على الأسرى، وكان من أبرزها: إلغاء التمثيل الاعتقالي وانهاء حالة الفصل التنظيمي فيما بين الأسرى، وتقليص الأموال المسموح إدخالها للأسير عبر ذويه، وتقليص المواد الغذائية المتوفرة في مقصف السجن "الكانتينا"، وسحب أدوات الطهي من الغرف، وتقليص مدة "الفورة" وزيارات الأهل، في محاولة لإعادة أوضاع الحركة الأسيرة الى المربع الأول وكما كانت عليه أوائل سبعينيات القرن الماضي.

 

وسنحاول هنا أن نسلط الضوء قليلا على بعض منها:

- قانون استهداف القاصرين الأطفال وسجن ومحاكمة من هم دون الرابعة عشر عاما، وقانون رفع الأحكام بحق الاطفال راشقي الحجارة، وتشديد عقوبة الحد الادنى على راشقي الحجارة في القدس.

وهذه القوانين تعكس سياسة التمييز العنصري، ضد الأطفال الفلسطينيين، ففي حين تتعامل حكومة الاحتلال مع الأطفال اليهود من خلال نظام قضائي خاص بالأحداث - تتوفر له ضمانات المحاكمة العادلة، والتأهيل المناسب- فإنها لا تخجل من أن تنتهك كل ذلك، حين يتعلق الأمر بتعاملها مع الأطفال الفلسطينيين، فلم تستثنيهم من اعتقالاتها أو من قسوة معاملتها، ولم تراعٍ صغر سنهم ودون أن توفر لهم أدنى حقوقهم.

إن كافة المواثيق والأعراف الدولية، قد جعلت من اعتقال الأطفال ملاذاً أخيراً، وجعلت من لجوء القاضي إلى الحكم بسجن طفل ما، وإن كان لا بد منه، فليكن لأقصر فترة زمنية ممكنة، مع ضرورة تجنيبه الإجراءات القضائية قدر الإمكان، وتمكنه من التمتع بطفولة سعيدة ينعم فيها. ولعل المادة السابعة والثلاثين من اتفاقية حقوق الطفل لعام 1990م، التي انضمت إليها دولة الاحتلال في العام 1991م، مثالاً لما نقول والتي تنص على ما يأتي:

"تكفل الدول الأطراف: (أ) ألا يعرض أي طفل للتعذيب أو لغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية اللاإنسانية أو المهينة. ولا تفرض عقوبة الإعدام أو السجن مدي الحياة بسبب جرائم يرتكبها أشخاص تقل أعمارهم عن ثماني عشرة سنة دون وجود إمكانية للإفراج عنهم.

(ب) ألا يحرم أي طفل من حريته بصورة غير قانونية أو تعسفية. ويجب أن يجرى اعتقال الطفل أو احتجازه أو سجنه وفقا للقانون ولا يجوز ممارسته إلا كملجأ أخير ولأقصر فترة زمنية مناسبة.
(ج) يعامل الطفل المحروم من حريته بإنسانية واحترام للكرامة المتأصلة في الإنسان، وبطريقة تراعى احتياجات الأشخاص الذين بلغوا سنه. وبوجه خاص، يفصل آل طفل محروم من حريته عن البالغين، ما لم يعتبر أن مصلحة الطفل تقتضي خلاف ذلك، ويكون له الحق في البقاء على اتصال مع أسرته عن طريق المراسلات والزيارات، إلا في الظروف الاستثنائية.

 (د) يكون لكل طفل محروم من حريته الحق في الحصول بسرعة على مساعدة قانونية وغيرها من المساعدة المناسبة، فضلا عن الحق في الطعن في شرعية حرمانه من الحرية أمام محكمة أو سلطة مختصة مستقلة ومحايدة أخرى، وفى أن يجرى البت بسرعة في أي إجراء من هذا القبيل."

ورغم معرفة سلطات الاحتلال لهذه الحقيقة؛ إلا أنها تضرب عنها صفحا. ففي تعاملها مع الأطفال الفلسطينيين، جعلت الحكم بسجن الطفل الفلسطيني الخيار المفضل لديها، ولأطول مدة ممكنة، دون مراعاة العمر. كما دأبت المحاكم العسكرية الإسرائيلية على تعمد إهمال النظر في الظروف التي انتزعت فيها الاعترافات من الأطفال، ففرضت عليهم أحكاماً قاسية - في الغالب-  مقرونة بغرامات مالية باهظة، وصلت أحيانا إلى السجن المؤبَّد (مدى الحياة).

 

- قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام

يعتبر إقرار القانون والعمل به وسيلة للنيل من إرادة الأسرى وتحطيم معنوياتهم وكسر إضراباتهم الاحتجاجية عن الطعام، كآخر وسيلة سلمية تبقت لهم للاحتجاج على المعاملة القاسية التي يتعرضون لها وكذلك على استمرار اعتقالهم التعسفي والخروقات المتكررة للقانون الدولي الإنساني ولا سيما أوامر الاعتقال الإداري. كما ويُعتبر شكلا من أشكال التعذيب وأحد أنواع المعاملة القاسية التي حظرتها اتفاقية مناهضة التعذيب، وجرّمها القانون الجنائي الدولي، ويُخالف إعلان مالطا لعام 1991، وإعلان طوكيو لعام 1975م.

وينطوي إقراره واللجوء لترجمته على مخالفات قانونية خطيرة، ويشكل تجاوزاً ومساساً خطيراً ومتطرفاً حتى بـ "المقاييس الإسرائيلية" وضربة غاية في الخطورة للحقوق الأساسية والدستورية سيما قانون الأساس المتعلق بكرامة الإنسان وحريته الذي أقره الكنيست بصيغته المعدلة بتاريخ10/3/1994م. إذ لا يحترم إرادة الأسير واحتياجاته ومطالبه المشروعة، خلافا للقوانين الدولية التي لا تعطي الحق لدولة الاحتلال باستخدام القوة لإجبار المعتقلين المضربين على تناول الطعام أو إطعامهم عنوة، ومصادرة حقهم في الاحتجاج على اعتقالهم غير القانوني وظروف احتجازهم المأساوية[2].

 

- مشروع قانون إعدام الأسرى:

في سياق يتعارض مع توجهات القانون الدولي لحقوق الإنسان الرامية لإلغاء عقوبة الإعدام، دعا رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتانياهو. الائتلاف الحزبي الحاكم والذي يشكل أغلبية أعضاء الكنيست الإسرائيلي (البرلمان). خلال الاجتماع المنعقد بتاريخ 5-11-2018 الى ضرورة إقرار قانون عقوبة الاعدام. وكانت الهيئة العامة للكنيست صادقت عليه بتاريخ 3-1-2018[3].

ومن المتوقع أن يُحال مشروع القانون إلى لجنة الدستور والقانون والقضاء لإعداده وعرضه على أعضاء الكنيست الإسرائيلي للقراءة الأولى. ويفسح مشروع القانون المجال أمام المحاكم الإسرائيلية لتطبيق عقوبة الإعدام، في حال إقراره.  ويرمي المشروع إلى إجراء تعديل على قانون العقوبات الإسرائيلي لعام 1977م. ويؤدي القانون في حال سريانه، إلى إصدار أحكام الإعدام، بموجب إجراءات قضائية بسيطة وضعها مشروع القانون، كونها تتطلب فقط أغلبية عادية من قبل قضاة المحاكم دون الحاجة لإجماعهم، وذلك بحق من أطلق عليهم المشروع، مرتكبي أعمال قتل في "ظروف إرهابية" وفقاً لما تم تحديده في قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2016م"[4].

ووفقا لهذا التعريف فانه سيسمح بتنفيذ عقوبة الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي قُتل فيها إسرائيليين على خلفية دينية أو أيدولوجية أو قومية.

وهذا يشكل من ناحية، مساساً خطيراً بمشروعية كفاح الشعب الفلسطيني ضد المحتل ويُخالف الاتفاقيات والمواثيق الدولية التي تُجيز له الحق في تقرير مصيره. ومن ناحية أخرى، يُخالف التطورات المتلاحقة التي يشهدها القانون الدولي لحقوق الإنسان، والتوجه العارم لدى الأمم المتحدة وأغلبية دول العالم نحو إلغاء عقوبة الإعدام. وقد شهدت المساعي الدولية الرامية لإلغاء العقوبة خطوات تدريجية في معرض سعيها للوصول إلى هذا الهدف. الأمر الذي انعكس بوضوح في المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية  لعام 1976م.

وفي ضوء ما تقدم، يتضح مدى مخالفة دولة الاحتلال للجهود الدولية الرامية لإلغاء عقوبة الإعدام، ويأتي مشروع القانون ليُشكل انتكاسة حقيقية لتلك الجهود والمعايير، الأمر الذي يستوجب تحركا جادا من قبل كافة الأطراف لثني دولة الاحتلال عن استمرارها في إجراءاتها المتوقعة في إقرار ذلك المشروع.

 

-       قانون مكافحة الإرهاب:

قانون مكافحة الإرهاب2016 ، أقرته سلطات الاحتلال الإسرائيلي مؤخرا، وأصبح جزءا من التشريعات سارية المفعول، التي تطبقها سلطات الاحتلال، في مواجهة نضال الفلسطينيين لانتزاع حقوقهم المشروعة في الحرية والكرامة وتقرير المصير، ليصبح أداة في أيدي أجهزتها العسكرية والأمنية، لتعطي نفسها مبرراً لما ترتكبه من انتهاكات قد ترقى لمستوى جرائم الحرب.

كما عرف القانون "العمل الإرهابي"، في الجزء الأول في الفقرة (3) "أنه العمل الذي تم القيام به أو تم التهديد بالقيام به ونتج عنه، أو شكل احتمال لوقوع خطر محدق يهدد بوقوع أحد الأثار الآتية:

أ. مساس خطير بجسم إنسان أو بحريته.

ب. مساس خطير بأمن الجمهور وسحته.

ج. مساس خطير بالممتلكات، حيث أن ظروف القيام  شكلت امكانية حقيقية للمساس الخطير  بالبنود الفرعية (1) و(ب) وتم القيام به بهدف التسبب بالمساس المذكور.

د. مساس خطير بالمقدسات الدينية، وفي هذا الشأن، عرف القانون "المقدسات الدينية" بأنها: - مكان للعبادة أو مدفن "قبر" وأدواتها المقدسة.

ه. مساس خطير بالبنية التحتية، المرافق أو الخدمات الضرورية، أو تشويش خطير بعملها، أو مساس خطير باقتصاد الدولة أو البيئة. 

يلاحظ بأن هناك غموض لمصطلح "مساس خطير" وعدم وضوحه واحتماله لأكثر من تأويل. كما تجاهل القانون تحديد تعريف واضح للإرهاب أو الأعمال الإرهابية، واعتبر كل من يعارضون أو يمثلون خطرا على سياسة الحكومة الإسرائيلية إرهابيين. وأن أساس اعتبار العمل ارهابياً هو "العمل الذي ينفذ بدوافع سياسية، دينية، قومية، أو أيدولوجية"

وعليه فإن القانون يُطلق يد الشرطة والأجهزة الأمنية لقمع أي نشاطات احتجاجية شرعية ضد السياسات لإسرائيلية. كما ويهدف إلى ترويع الناشطين السياسيين وتشديد وتغليظ العقوبات ورفع الاحكام وتشريع الاعتقال الاداري وحظر النشاطات السياسية والاجتماعية وتقييد دور المؤسسات الحقوقية والاجتماعية. فضلا على أن هذا القانون وصم أفعال المقاومة المشروعة وبأشكالها المختلفة واعتبارها إرهابا[5].

إن هذا النضال الذي خاضه الأسرى ويخوضه الشعب الفلسطيني ليس جريمة، وأن تلك العمليات التي نفذها الأسرى ليست عملًا ارهابيًا. فهي تندرج في إطار مقاومة مشروعة كفلتها كافة القوانين والاتفاقيات والمواثيق الدولية.

 

  - قانون القومية: ينص القانون على أن "دولة إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، وفيها يقوم بممارسة حقه الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي لتقرير المصير"، ويعتبر أن "ممارسة حق تقرير المصير في دولة إسرائيل حصرية للشعب اليهودي". وبذلك فان القانون هو يكرّس واقع التمييز العنصري على أساس الدين، ويسعى الى تكريس الرّواية الإسرائيلية المزعومة بحق اليهود التاريخي بهذه الأرض وينفي تماماً حق الشعب الفلسطيني فيها. بل ويعتبر الفلسطينيين مجرد مجموعات سكانية عابرة على هذه الأرض، وبذلك فإن قانون القومية يُشرّع أي تصرف أو أي قانون عنصري أو أية ممارسة ضد الفلسطينيين الذين أصبحوا بنظر القانون الإسرائيلي مجرد تجمعات سكانية، والأسرى هم جزء من هذا الاستهداف.

وبهذه المضامين وغيرها فان القانون لا يخرق فقط كافة القرارات الدولية التي تنص على الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، وإنما أيضا يخرق مبادئ القانون الدولي.

 

إن المشهد مرعب تماماً، وأن رزمة التشريعات العنصرية التي أقرها الكنيست الإسرائيلي خلال دورته العشرين، تأتي ضمن سلسلة طويلة من التشريعات التي تستهدف الوجود الفلسطيني ككل، الأرض والإنسان، وفرض الهيمنة الإسرائيلية على جانبي الخط الأخضر، إلى جانب القوانين المتعلقة بالأسرى الفلسطينيين، ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، والتي تهدف جميعها إلى توفير الغطاء القانوني للانتهاكات التي ترتكبها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين المدنيين، وتحمي بموجبها مرتكبي هذه الانتهاكات وتحصّنهم ضد المساءلة والمحاسبة وبالتالي ضمان إفلاتهم  من العقاب، ما يشجع قواتها على ارتكاب المزيد من الانتهاكات والجرائم. وهذا ما يعطي الكنيست الإسرائيلي وصفًا شاذاً بأنه الأكثر عنصرية ومعاداة للديمقراطية في تاريخ دولة الاحتلال، وأن إسرائيل هي دولة أبرتهايد بامتياز.

 

إن قراءة متأنية لنصوص تلك التشريعات والقرارات، نلحظ انها تصادر أبسط حقوق الأسرى والمعتقلين الإنسانية، على اختلاف أجناسهم وفئاتهم الاجتماعية والعمرية، كما وأنها تشكل خطرا على مكانتهم القانونية ومشروعية مقاومتهم للاحتلال. كما وتظهر مدى تحلل دولة الاحتلال من أبسط التزاماتها تجاه القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان الدولي، حيث يفرض الأخير أن تتوائم التشريعات الوطنية مع التزامات الدولة الناشئة عن انضمامها في اتفاقيات دولية. وحيث لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تتذرع سلطات الاحتلال بالدواعي الأمنية لتسن تشريعات وقوانين تشكل خرقاً جسيماً لقواعد القانون الدولي وللاتفاقيات الدولية.

 

إن إمعان إسرائيل، قوة الاحتلال، في سن تشريعات وممارسة سياسات عنصرية دون رادع سياسي أو قانوني أو أخلاقي لا يمثل انتهاكاً سافراً لحقوق الشعب الفلسطيني فحسب، بل يجسد خرقاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي، وإصراراً غير مسبوق على تحدي الإرادة والشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وتقويضاً لرؤية حل الدولتين الذي يحظى بدعم أطراف المجتمع الدولي.

إن هذا الأمر يعكس نهج معسكر اليمين المتطرف الحاكم في اسرائيل والذي يتجه أكثر فأكثر إلى التحالف مع القوى اليمينية المتطرفة في العالم، مدعومة بقرارات متطرفة تصدر عن الإدارة الأميركية بقيادة دونالد ترامب والكونغرس الأميركي.

ان هذا الواقع يستدعي من المجتمع الدولي التدخل العاجل والتحرك الفوري لضمان وقف العمل بتلك القوانين والقرارات العنصرية بحق الأسرى والمعتقلين، والعمل على توفير الحماية لهم، ووقف الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال وتطال كافة حقوقهم. حيث أن العدالة لن تتحقق في الأراضي الفلسطينية دون إجبار دولة الاحتلال على احترام مبادئ حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني.  

 

[1] انظر هيئة شئون الأسرى والمحررين، تقرير حصاد عام 2018م.

[2][2] للمزيد من الاطلاع، انظر مركز الميزان لحقوق الإنسان، ورقة موقف حول قانون منع أضرار الإضراب عن الطعام للعام 2015م، معدل لقانون لوائح السجون رقم (48) للعام 1971م.

[3] انظر مركز الميزان لحقوق الإنسان، ورقة بحثية حول عقوبة الإعدام في التشريع الإسرائيلي، عام 2018م، ص3

[4] انظر المرجع السابق.

[5] انظر مركز الميزان لحقوق الإنسان، قراء نقدية في قانون مكافحة الإرهاب 2016، ص4 وما بعدها

 

- لتنزيل العدد (59) من مجلة المجلس الوطني. ولنا فيها ورقة بعنوان: الأسرى الفلسطينيون والتشريعات الإسرائيلية