" الراصد " والأسرى  ...

 

الأخ هشام ساق الله

*بقلم / عبد الناصر فروانة

26 فبراير 2009

 

لم أتفاجأ باعلان الأخ الكبير والإعلامي المخضرم " هشام ساق الله " عن توقفه من اصدار نشرة " الراصد " في الأول من آذار / مارس القادم ، بعد أربع سنوات من العمل التوثيقي الرائع والمبدع ، عمل يومي وغير مسبوق أنتج خلاله مئات الأعداد القيمة ، عمل يستحق الدراسة والتمعن لاسيما وأنه عمل تطوعي دون مقابل مادي أو مساندة من أحد ، عمل وطني ومستقل دون الانحياز لجهة ما على حساب جهة أخرى ، وحتى أحياناً عكس قناعاته وأفكاره الشخصية ، عمل فردي فاق ما قامت وتقوم به عدة مؤسسات مجتمعة .

ولم يكتف أخونا " أبو شفيق " باعداد نشرة الراصد وتوزيعها صباح كل يوم ، بل امتد دوره الى أكثر من ذلك وعلى مدار الساعة ، في توزيع ما يصله من ملفات وقضايا عاجلة ومهمة لاتحتمل التأجيل لليوم التالي لإضافتها للنشرة .

وبحكم معرفتي القريبة جداً من الأخ أبو شفيق  وصداقتي به منذ الطفولة ، اعرف أن هذا العمل الإعلامي التطوعي الضخم يستنزف منه وقتاً طويلاً على حساب أهله واسرته وحياته الخاصة وعلاقاته الإجتماعية العامة ، عملاً استنزف منه جهداً ذهنياً كبيراً ونفقات مالية كبيرة ، مع اصراره الدائم على الإستقلالية ورفضه الإنحياز أو تلقي الدعم المادي أو التكنولوجي أو اللوجستي  من أي جهة أو مؤسسة كانت ، تحسباً من ابتزازه والتأثير على استقلاليته وحياديته المعهودة .

ورصد " الراصد " قضايا ساخنة ومهمة كثيرة تهم الوطن والمواطن ، ومنها قضية " الأسرى " وقدم للأسرى ما لم تستطع ، أو لم ترغب في تقديمه مؤسسات اعلامية وحقوقية وانسانية تمتلك الطاقات الكبيرة والإمكانيات البشرية والمادية الضخمة ، لأنها تتعامل بمنطق المصالح بخلاف " أبو شفيق " .

وبدون شك غدى الأخ " أبو شفيق " قبلتنا الإعلامية وعنواننا المركزي في النشر والتوزيع ، وسرعة تناقل الخبر والتقرير ، وبوابتنا المركزية للإنطلاق بقضية الأسرى اقليمياً ودولياً ، وغطى بذلك مساحات اعلامية كبيرة جداً في العالم أجمع لما يملكه من أرشيف كبير جداً يتضمن آلاف العناوين البريدية لمواقع وشخصيات اعلامية وصحفية هامة جداً تتجاوز حدود الوطن العربي الكبير .

ولا أذيع سراً ان قلت بأنني كنت أعتمد عليه الى حد كبير جداً في توزيع تقاريري الخاصة بالأسرى ، وأتلقى منه تقارير ومعلومات وأفكار مهمة ذات صلة بقضية الأسرى ، وكنت ألمس بأن لديه انتماء واحساس بهذه القضية الوطنية بدرجة تفوق مئات المرات عن تلك الموجودة بداخل آلاف الأسرى المحررين وممن نسوا وتجاهلوا تلك القضية بعدما أشغلتهم اغراءات الحياة العديدة .

الزميل والصديق والحبيب " هشام ساق الله " اعلامي متميز ، اعتمد على الجهد الفردي التطوعي ، وتوزيع المعلومات القيمة مجاناً ، ولكن يبدو أن مجتمعنا الفلسطيني قد غيَّب ثقافة التطوع طواعيةً في ممارسته ، بعدما كان يتميز بها لعقود طويلة ، ولم يعد للعمل التطوعي مكانة في قاموسه أو في ممارسة مؤسساته ومواطنيه ، وحتى لم يحظ " العمل التطوعي " بشكل عام بأي اهتمام أو اشادة أو تكريم .

ونشرة " الراصد " وجهد " أبو شفيق " المتميز في النشر والتوزيع ، هي جزء من هذه الثقافة الغائبة المغيبة قسراً ، ولهذا لم يُكرم " أبو شفيق " معنوياً في أية مناسبة ، ولم يستدعى لي احتفال لتكريم الإعلاميين ، كما لم تقدم له رسائل الإشادة والتقدير .

ولكن حينما  أعلن قرار بالتوقف عن العمل ، استقبل في غضون أيام قلائل عشرات الرسائل ! وغداً ستنهال عليه عشرات المناشدات تطالبه بالعودة واستئناف العمل.

لهذا لم أتفاجأ بقراره ، لأنني قريب منه وأشعر أنه على حق فمؤسساتنا وأحزابنا وتنظيماتنا لم تعد تقدر العمل التطوعي المتميز ، ولو كان يعمل بأجر مادي ومتعاقد مع بعض المؤسسات كعنوان ودار للنشر والتوزيع ، لكان البعض قد تعامل معه بشكل مغاير جداً ...

والآن وبعد توقف الراصد وجهد " أبو شفيق " في التوزيع سيفتقد الجميع رجلاً شكل على مدار السنوات الأربعة الماضية ماكنة اعلامية حديثة ، وسيفقدون مصدراً مهماً للمعلومات والبيانات  .

وكل من كان يعاني من كثرة رسائل تلك الماكنة الإعلامية الأتوماتيكية ، سيشتاق لإنتاجها من الرسائل الثقيلة ، وسيصبح لسان حاله يقول كثرتها ولا شحتها ، بل كثرتها وثقلها أفضل مليون مرة من عدمها .

الأسرى بحاجة لتلك الماكنة !

في الوقت الذي أقر فيه بأحقية " أبو شفيق " باتخاذ قرار بالتوقف ، فانني على قناعة بأن الأمر لن يعدو سوى مجرد ردة فعل على معاملة غير مقبولة تجاه هذا الرجل العظيم ، وبالتالي أتوقع بأن لا  يصمد قراره هذا ، وأنه سيعود لاستئناف عمله قريباً ، لأنه لايستطيع أن يبتعد عن العمل الوطني ولو لبرهة واحدة ، فالوطن في دمه ، وتقديم الواجب الوطني من سماته الرئيسية ، والعطاء لأجل شعبه بلا حدود ، ومن جانب آخر بعدما يدرك ويقر الجميع بقيمة عمله المجاني التطوعي .

ولكن بكل الأحوال استمر في التوقف أو استأنف عمله ، فانني أقدر عالياً كل جهد بذله من أجل قضايا الوطن عموماً ، وقضية الأسرى خصوصاً ، و أناشده بشكل خاص أن يستثني قضية الأسرى وقضاياهم من قراره بالتوقف ، وبالتالي تواصل العمل لأجلهم ، وأتمنى من الأخ أبو شفيق أن يواصل عمله ونشاطه في التوثيق والنشر والتوزيع ، فيما يتعلق بقضايا الأسرى عموما، لاسيما وأن القلائل هم الذين يعملون بحرارة وطواعية من أجل هذه القضية .

أخي أبو شفيق : أناشدك باسم تسعة آلاف أسير ، باسم عميدهم نائل البرغوثي المعتقل منذ واحد وثلاثين عاماً وحتى أصغرهم يوسف الزق ابن الثالثة عشر شهراً ... بأن لا تتوقف بتاتاً عن العمل في مجال الأسرى ولأجل الأسرى وحرية الأسرى ، فالأسرى بحاجة لجهودك الرائعة ، وآمل أن تحظى مناشدتنا هذه باهتمامك وأن تعيد النظر بهذه الجزئية وأن تستمر في عملك معنا وبجانبنا ، وكلانا يعمل طواعية لأجل قضية تستحق منا الكثير .

 

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "

http://www.palestinebehindbars.org/