في الذكرى الخامسة لانطلاقة

 الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء ..

 

 

بقلم / عبد الناصر فروانة

27-8-2013

 

اعتدنا على الكتابة عن الأسرى الأحياء ، عن آلاف من الشبان والشيبة ، عن أطفال وفتيات ومرضى ومعاقين ونواب يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي متعددة الأسماء ، والمنتشرة على طول الوطن وعرضه .

 

عن أسرى يُحتجزون في ظروف هي الأقسى ، ويتلقون معاملة هي الأسوأ ، ويتعرضون لانتهاكات جسيمة لأبسط حقوقهم الإنسانية دون مراعاة لاحتياجاتهم الأساسية ، بما يتنافى وبشكل فاضح مع أبسط ما نصت عليه المواثيق والاتفاقيات والأعراف الدولية .

 

فيما اليوم نكتب عن أُناس أسرت جثامينهم بعد استشهادهم ، عن شهداء صدر بحقهم أحكام بالسجن لسنوات بعد موتهم ، عن مئات من المواطنين والمواطنات لا تزال جثامينهم محتجزة لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات وعقود من الزمن في سجون عُرفت بـ " مقابر الأرقام " .

 

وكنت قد كتبت مراراً حول الموضوع ، فيما اليوم السابع والعشرين من آب / أغسطس والذي يُصادف فيه الذكرى الخامسة لانطلاقة الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء ومعرفة مصير المفقودين أجد نفسي مضطراً للكتابة من جديد وذلك لأهمية الموضوع .

 

تلك الحملة التي أطلقها في مثل هذا اليوم من عام 2008 مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان بالشراكة مع شبكة أمين الإعلامية ومن ثم تطورت بشراكة العديد من المؤسسات الرسمية والأهلية ، فيما تُعتبر عائلات " الضحايا " هم القوة المحركة والأساسية للحملة التي باتت تشكل جسم منظم .

نلك الحملة التي حققت الكثير من الانجازات لعل أهمها وأبرزها جعل هذه القضية حية ودائمة الحضور باستمرار مما ساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في استرداد عشرات الجثامين وأبقى على ملف الآخرين مفتوحاً .

 

لم نتحدث هنا عن ممارسة إسرائيلية استثنائية ، أو عن احتجاز بضع عشرات من الجثامين في ظرف ما ، وإنما نتحدث عن احتجاز مئات من الجثامين وممارسة دائمة وسلوك أضحى جزء أساسياً من سياسة " إسرائيل " في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب منذ احتلالها لباقي الأراضي الفلسطينية عام 1967 ، في محاولة منها للانتقام من الشهداء بعد موتهم ، ومعاقبة ذويهم وعائلاتهم ومضاعفة آلامهم ، وحرمانهم من إكرامهم ودفنهم وفقاً للشريعة الإسلامية ، بل وفي بعض الأحيان استخدمتهم ورقة للمساومة والابتزاز .

 

وهي بذلك تُعتبر الوحيدة في العالم التي تُعاقب الإنسان بعد موته ، وتحتجز جثمانه لسنوات وعقود تحت الأرض ، بل وأصدرت بحق بعضهم أحكاما متفاوتة بالسجن الفعلي في ما يسمى بـ " مقابر الأرقام ".

 

و" مقابر الأرقام " هي مقابر سرية تقع في مناطق عسكرية مغلقة ويمنع زيارتها ، أو الاقتراب منها أو تصويرها ، وهي خاضعة لسيطرة الجيش ووزارة الدفاع، وهذه المقابر تزدحم بعشرات الأضرحة وهي عبارة عن مدافن بسيطة أحيطت بالحجارة بدون شواهد، ومثبت فوقها لوحات معدنية تحمل أرقاماً بعضها تلاشى بشكل كامل ، وهي غير معدة بشكل ديني وإنساني كمكان للدفن ، إذ أن كل شهيد يحمل رقماً معيناً ، ولهذا سُميت بـ " مقابر الأرقام " لأنها تتخذ من الأرقام أسماء للشهداء .

 

ان احتجاز الجثامين هي واحدة من أبشع الجرائم الإنسانية والدينية والقانونية والأخلاقية التي ارتكبتها وترتكبها " إسرائيل " ، وهي ممارسة تخالف القوانين الدولية واتفاقيات جنيف الرابعة التي تمنع احتجاز رفات الشهداء وتلزم دولة الاحتلال بتسليمهم إلى ذويهم واحترام كرامة المتوفين ومراعاة طقوسهم الدينية خلال عمليات الدفن ، بل وحماية مدافنهم وتسهيل وصول أسر الموتى إليها .

 

فيما أن هناك مئات من العائلات الفلسطينية ومن قبلها لبنانية وأردنية قد تقدمت بشكاوى عديدة تشير إلى اختفاء أبنائها وكأن الأرض انشقت وابتلعتهم ، ولا تزال " إسرائيل " تنكر وجودهم أحياء في سجونها ومعتقلاتها ، أو أموات في " مقابر الأرقام " وهؤلاء يطلق عليهم مصطلح " المفقودين.

 

وأعتقد بأن هناك ترابطاً وثيقاً  بين اختفاء المئات من الأسرى والذين اعتبروا  في تعداد المفقودين ، وبين السجون السرية التي كُشف عن بعضها مؤخراً ، ومقابر الأرقام التي أقامتها " إسرائيل " لاحتجاز جثامين الشهداء من الفلسطينيين والعرب .

 

وربما من اختفوا وأصبح مصيرهم مجهولا ربما هم أحياء في تلك السجون السرية ، أو أنهم قتلوا ونقلت جثامينهم الى " مقابر الأرقام " لإخفاء آثار الجريمة .

 

واقع مرير ، وصور مؤلمة ، وشهادات مؤثرة ، سجون فوف الأرض وسجون في باطنها ، سجون يُهان فيها الأحياء وتُسلب فيها حريتهم ، وأخرى تحتجز فيها جثامين الشهداء بعد موتهم وتُحرم عائلاتهم من دفنهم وإكرامهم وفقا للشريعة الاسلامية في مقابر مخصصة لذلك .

 

واليوم وفي الذكرى الخامسة لانطلاق الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء ومعرفة مصير المفقودين ، فإننا ندعو الجميع إلى تضافر الجهود القانونية والجماهيرية والسياسية والدبلوماسية ، ومواصلتها وتكثيفها في المرحلة المقبلة من أجل معرفة مصير المفقودين واسترداد جثامين الشهداء المحتجزة في ما يعرف بـ " مقابر الأرقام " وإغلاق هذا الملف المؤلم  .

 

ويبقى الفلسطينيون إما أسرى فوق الأرض أو أسرى في جوفها ..!

 

 

عبد الناصر عوني فروانة

أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين

عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة

ايميل / ferwana2@gmail.com

       Ferwana1@yahoo.com

0599361110- 0598937083

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org