كمال أبو وعر: معاناة فوق معاناة

 

*بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

26-7-2020

 

حينما تجتمع صنوف المعاناة في جسدٍ واحدٍ، جسدُ مُقيدُ بالسلال وبين جدران شاهقة، وسط سجانين كُثر ومُجردين من الانسانية، في ظروف قاسية وبيئة ملوثة، ما بين مطرقة السرطان وسندان "كورونا"، فاعلم أن تلك المعاناة يصعب وصفها، ويصعب على الكاتب أن يُعبر عن هذا الوجع والألم في بضع أسطر وكلمات. هذا حال الأسير كمال أبو وعر، المريض بالسرطان والمصاب بفايروس (كورونا)، وهذا هو عجزنا أمام هول المشهد وقسوة الحال.

ومنذ بدء أزمة "كورونا" في المنطقة مطلع آذار الماضي، ناشدنا ومعنا كل الأحرار ودعاة حقوق الإنسان في العالم بالإفراج عن الأسير "أبو وعر" وكافة الأسرى المرضى وكبار السن الذين يعانون من مشاكل صحية خطيرة، باعتبارهم الفئات الأكثر عرضة للإصابة بخطر فايروس (كورونا)، مقارنة بالفئات الأخرى. إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تكترث لصرخات المُعذبين خلف القضبان، ولم تلبِ – كعادتها- مناشدات الحقوقيين، فأبقت على أجساد المرضى مُقيدة في زنازين سجونها المعتمة، وتجاهلت الأمراض التي افترست أجسادهم الضعيفة، مما فاقم معاناتهم أكثر فأكثر.

ومن هنا يمكن القول: أن الإسرائيليين قد فقدوا الحس الإنساني في تعاملهم مع الفلسطينيين، وما ذاك إلا لأنهم يرون في الفلسطينيين أعداء لهم، يجب التخلص منهم، أو على الأقل ردعهم. وليس من الغرابة بشيء أن نرى دولة الاحتلال تُمارس التمييز العنصري وتُفرج عن سجناء جنائيين حرصاً على حياتهم من جائحة (كورونا) وترفض بالمقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين مصابين بأمراض مزمنة وخطيرة، بعضهم يحتضرون، وتُصر على أن تُبقيهم يعانون داخل سجونها.

لقد داهم فايروس (كورونا) أجساد الاسرى الفلسطينيين وأصاب بعضهم، بعدما تمكن من اختراق جدران السجون ودخل الأقسام واصاب العشرات من السجانين والمحققين الإسرائيليين، ونخشى من تفشي "الفايروس" بين صفوف الأسرى في ظل غياب إجراءات الوقاية وتدابير السلامة وشحة مواد التّعقيم والتّنظيف، ودون أن نلمس أي تغيير في طبيعة النظام الغذائي والصحي، أو توفير الاحتياجات الخاصة للأسرى المرضى بما يساعدهم في تقوية المناعة ومواجهة خطر الإصابة بالفايروس القاتل. كما ولم تشهد السجون أي خطوات جدية من قبل الادارة لمعالجة الاكتظاظ وتقليل الاحتكاك والمخالطة وضمان التباعد الاجتماعي، مما فاقم من معاناة الأسرى ورفع درجة القلق لديهم وعليهم والخشية من الإصابة بالفايروس في ظلّ الاستهتار الإسرائيليّ واستمرار الإهمال الطبي المتعمد.

لم يكتفِ السجان الإسرائيلي بعدم تقديم ما هو ضروري وإنساني في مثل هذه الظروف الخطرة، ولحماية المحتجزين الفلسطينيين من خطر الموت أو الاصابة بالفايروس، وانما لجأت ادارة السجون إلى مصادرة عشرات الأصناف من المواد الغذائية وأدوات النظافة والتعقيم من مقصف السجن والتي كان يشتريها الأسرى من حسابهم الخاص، مما يؤكد على أنها تتعمد إلحاق الضرر بالأسرى، ويعكس عدم اكتراثها بما قد يصيبهم من أذى وما قد يولده من "كارثة" إذا حلّ فايروس "كورونا" ضيفاً على غرفهم، وقد حل بالفعل على بعضها وأصاب "أبو وعر" وأسير آخر وفقا لما أعلن رسميا من قبل ادارة السجون الإسرائيلية.

ان هذا الاعلان لا يعني أنه لا يوجد سوى اصابتين بين صفوف الأسرى، فالأسرى لا يتمتعون بالحصانة من الاصابة، خاصة وأن جميع الروايات التي تردنا تأتينا من ادارة السجون الإسرائيلية وهي مشكوك بها وفي مصداقيتها دوما ولا نثق بها أبداً، ولدينا الكثير من التجارب التي تؤكد على أنها أخفت الحقائق مرارا ولم تكشف عن الملفات الطبية للعديد من الأسرى، وفي مرات أخرى لم تفصح عن طبيعة الأمراض التي يعانى منها هؤلاء المرضى. وهنا نجدد مطالبتنا بضرورة ارسال وفد طبي دولي محايد إلى السجون الإسرائيلية للاطلاع عن كثب على طبيعة الأوضاع الصحية هناك وحجم الاستهتار الاسرائيلي في زمن (كورونا)، واجراء فحوصات كاملة لجميع الأسرى واتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لإنقاذ الأسرى المرضى وحماية الأسرى عموما من خطر الموت أو الاصابة بفايروس (كورونا).

لقد أصبح الإهمال الطبي والاستهتار بحياة الأسرى سياسةً وروتيناً، بمشاركة أطباء عيادات السجون الذين لا يتلقون توجيهاتهم من أخلاقيات مهنة الطب، وإنما يعملون وفقا لتعليمات أجهزة الأمن التي تقول: إما أن يموت الأسير الفلسطيني فوراً، أو أن يبقى يعاني ويموت تدريجيا، فهو يشكل خطرا على الأمن القومي الإسرائيلي حيا وميتا.

ونُذكر هنا بان الأسير "كمال نجيب أمين أبو وعر" (46 عاما) هو من سكان بلدة قباطية قضاء جنين، ومعتقل منذ 15 يناير2003، وكانت احدى المحاكم العسكرية الإسرائيلية قد أصدرت بحقه حكما بالسجن (6) مؤبدات بالإضافة إلى (50) سنة.

وكانت ادارة السجون الإسرائيلية قد أعلنت العام الماضي2019 عن اصابته بورم سرطاني في الحنجرة، فيما تأكد اصابته بفايروس "كورونا" مطلع تموز 2020، وهو يعاني من تدهور خطير في صحته جراء قسوة ظروف الاحتجاز وسوء معاملة السجان ووجع مرض السرطان وألم فايروس (كورونا)، في ظل تصاعد الاستهتار الإسرائيلي بصحة وحياة الأسرى واستمرار الاهمال الطبي المتعمد وغياب الرعاية الطبية اللازمة والعلاج المناسب، مما يفاقم من معاناته ويشكل خطراً على حياته، الأمر الذي يستدعي جهداً سياسياً وحقوقياً وقانونياً وفصائلياً وشعبياً، وتدخلاً دولياً لإنقاذ حياته والإفراج عنه وعن كافة الأسرى المرضى وحماية الأسرى الآخرين من خطر الاصابة بالأمراض في ظل استمرار وجود الظروف والعوامل المسببة لظهور الأمراض.

 

*بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة

عضو المجلس الوطني الفلسطيني

اسير محرر ومختص بشؤون الأسرى والمحررين

رئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين

الموقع الشخصي: فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org