عبدالناصر فروانة.. ذاكرة تختزن ذكريات أليمة عن التعذيب في سجون الاحتلال
أيمن سعدي- 26يونيو 2023
لا تزال ذاكرة الأسير المحرر عبدالناصر فروانة تختزن الكثير من الذكريات الأليمة التي علقت بها منذ سنوات الاعتقال في السجون الإسرائيلية.
ويقول فروانة في مقابلة مع موقع قناة الغد اليوم الإثنين، “لقد مررت شخصيا على غرف التحقيق ومكثت فيها شهورا وعشت تجارب مريرة في أروقة الموت قبل ثلاثين عاما وما يزيد وعانيت السجن وتأثيره لسنوات طويلة، كأسير وابن أسير وأخ لأسير، واستمعت لشهادات مؤثرة وأليمة روت بشاعة التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي”.
ويضيف فروانة الذي اعتقل أربع مرات وأمضي ست سنوات في سجون الاحتلال وأفرج عنه منتصف القرن الماضي: “قرأت تجارب لا يمكن تصورها أو مجرد تخيل حدوثها تلك التي وثقتها ألسن النساء والفتيات والأطفال والشيوخ والجرحى والمصابين الذين مروا على السجون الإسرائيلية التي ما زالت ممتلئة بالآلاف من أمثالهم”.
ويتابع” كلما تجددت الذكرى وكتبت شيئاً عن التعذيب أو استمعت لروايات وشهادات جديدة وجدتني مضطراً لأن أستحضر تجربتي الشخصية وما تعرضت له من تعذيب، تلك التجربة التي تتشابك وتتقاطع مع التجربة الجماعية لأكثر من مليون حالة اعتقال سُجلت منذ العام 1967″.
ويوضح “ما من فلسطيني مرّ بتجربة الاعتقال إلا وقد تعرض للتعذيب الجسدي أو النفسي والإيذاء المعنوي والمعاملة القاسية، لكن ليس كل من تعرض للتعذيب من الفلسطينيين نجا من الموت ليصف لنا تجربته، كما أنه ليس كل من نجا منهم امتلك جرأة الحديث ليروي لنا ما تعرض له”.
ويبين أن هناك الكثيرين ممن مروا بالتجربة وتعرضوا للتعذيب امتلكوا الجرأة وتحدثوا عن فظاعة التعذيب الذي مورس ضدهم خلال فترات سجنهم، كان حديثهم يفيض بالألم والمرارة، بعضهم أجهش بالبكاء وهو يروي حكايته”.
ويستطرد قائلا “قد يخيل للبعض أن وصفنا للتعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي مبالغ فيه، وربما يعود ذلك إلى غياب الصورة واقتصار دلائل الإثبات على الروايات والشهادات التي يقدمها من مروا بتجربة الاعتقال وعانوا السجن وتأثيره في ظل إصرار دولة الاحتلال على إبقاء أبواب سجونها موصدة في وجه اللجان الدولية ووسائل الإعلام المختلفة ومؤسسات حقوق الإنسان.
ومن أشكال التعذيب بسحب فروانة الهز العنيف، العزل الانفرادي، الضرب المبرح، الشبح، الحرمان من النوم، الضغط على الخصيتين، وإجبار الأسير على الجلوس على كرسي صلب لفترة قد تصل إلى 24 ساعة، دون السماح له بالنوم أو الراحة أو قضاء الحاجة في أغلب الأحيان.
ويقول فروانة الذي يعتبر مؤسسة متنقلة معنية بالأسرى “إن التعذيب في سجون الاحتلال الإسرائيلي لا يهدف -كما هو معلن – إلى انتزاع اعترافات فقط بل يهدف أيضاً إلى هدم الذات الفلسطينية والوطنية وتدمير الإنسان جسدا وروحا وتحطيم شخصيته وتغيير سلوكه ونمط تفكيره وحياته ومعتقداته السياسية والتأثير سلبا عليه وعلى المجتمع الفلسطيني بأسره”.
ويضيف “كما ومن الخطأ الاعتقاد أن ممارسة التعذيب تُقتصر على فترة التحقيق أو أن التعذيب يُمارس بحق فئة عمرية أو شريحة اجتماعية دون غيرها إذ أن الحقيقة المرة تُفيد أن التعذيب يُمارس منذ لحظة الاعتقال الأولى ولغاية الإفراج، وفي كل الأوقات والأمكنة، وبحق كل من يتعرض للاعتقال، ذكورا وإناثا، صغارا وكبارا، وفقا لما جاء في اتفاقية مناهضة التعذيب. كما وأن التعذيب لا يقتصر على المعتقلين فقط، بل يُطال عائلاتهم أيضا”.
ووفق فروانة أودى التعذيب الجسدي والنفسي في أقبية السجون الإسرائيلية بحياة 73 أسيرا فلسطينيا من مجموع 237 أسيرا استشهدوا منذ العام 1967.
ولعل أشهر حوادث التعذيب بحسب فروانة التي أفضت إلى الموت داخل أقبية التحقيق، هي على سبيل المثال لا الحصر: قاسم أبو عكر، إبراهيم الراعي، مصطفى عكاوي، عطية الزعانين، خالد الشيخ علي، خضر الترزي، عبد الصمد حريزات، وغيرهم.
بالإضافة إلى عشرات آخرين توفوا بعد خروجهم من السجن متأثرين بما تعرضوا له من تعذيب خلال فترة اعتقالهم، هذا ويُضاف إليهم إصابة عدد كبير لم يتم إحصاؤهم من الأسرى الذين خرجوا من السجون والمعتقلات بعاهات مستديمة.
ويقول فروانة “تعد دولة الاحتلال الإسرائيلي حالة فريدة وشاذة فهي الوحيدة في العالم التي شرعت التعذيب قانونا في سجونها ومعتقلاتها وكانت توصيات لجنة لنداوي عام 1987 هي أول من وضعت الأساس لشرعنته ومنحت مقترفيه الحصانة الداخلية وفي مرات عدة تم مكافأة المحققين مما فتح الباب على مصراعيه لاقتراف مزيد من جرائم التعذيب بحق المعتقلين الفلسطينيين والعرب فأضحى التعذيب نهجا أساسيا وممارسة مؤسسية وجزءا ثابتا في المعاملة اليومية للمعتقلين في إطار سياسة رسمية.
ويعتبر التعذيب انتهاكا أساسيا وخطيرا لحقوق الإنسان وجرم فظيع وبشع يرتكب بحق الإنسانية وأن استمراره يعتبر بمثابة وصمة قبيحة تدنس ضمير الإنسانية ووصمة عار على جبين الحضارة العصرية والديمقراطية المنشودة والسلام المأمول وفق فروانة.
يذكر أن الجمعية العمومية للأمم المتحدة كانت قد أقرت في 12 كانون أول/ديسمبر من عام 1997، يوم 26حزيران/ يونيو من كل عام، يوماً لمناهضة التعذيب ومساندة ضحاياه، باعتباره يوما لتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي بدأت بالتنفيذ الفعلي بتاريخ 26 حزيران عام 1987م.
ويقبع في سجون الاحتلال نحو أربعة آلاف و900 أسير وأسيرة، بينهم 31 أسيرة، و160 طفلًا بينهم طفلة، تقل أعمارهم عن 18 عاما، إضافة إلى أكثر من ألف معتقل إداريّ، بينهم ستة أطفال، وأسيرتان هما رغد الفني، وروضة أبو عجمية.