في الذكرى الخامسة لأسره
إجماع على إغلاق ملف " شاليت " ولكن..!
* بقلم / عبد الناصر فروانة
25 يونيو / حزيران 2011
في السادس والعشرين من حزيران / يونيو عام 2006 ، نجحت ثلاثة فصائل فلسطينية ( حركة حماس وجيش الإسلام ولجان المقاومة الشعبية ) في أسر الجندي الإسرائيلي " جلعاد شاليت " " وهو على متن دبابة متطورة ، ضمن قوات عسكرية مُحتلة جاءت لقطاع غزة لتقتل الأطفال وتدمر مساكن الأبرياء وتقتلع ما تبقى من أشجار البرتقال والليمون ، في عملية فدائية شرعَّها كافة المواثيق والأعراف الدولية ، واستشهد خلالها المقاتلان محمد عزمي فروانة وحامد الرنتيسي ، ..
وأفخر بأن أحد الشهيدين هو من أقربائي وأحد أبناء عائلة فروانة التي أنتمي لها وأعتز بها وأفخر بأنها قدمت كوكبة كبيرة من الشهداء خلال إنتفاضة الأقصى .
وبعد خمس سنوات مرت على أسر " شاليت " ، وبالرغم مما لحق بالقطاع من دمار وتدمير للبنية التحتية ومؤسساته الإجتماعية والصحية والتعليمية المختلفة ، ومن قتل وجرح آلاف الرجال والنساء والأطفال العُزل ، وبالرغم مما تمتلكه سلطات الاحتلال من قدرات عسكرية متطورة وأجهزة أمنية متعددة وعملاء كُثر ، وتكنولوجيا حديثة ، إلا أنها فشلت فشلا ذريعا في الوصول إليه واستعادته بالقوة ، مما دفع بعض قادتها العسكريين والسياسيين ومن بينهم " جابي شكنازي " رئيس الأركان الإسرائيلي السابق ، الى التصريح علانية بفشل " إسرائيل " في الوصول إلى " شاليت " واستعادته بالقوة ، أو حتى الحصول على معلومات عن مكان احتجازه.
وبالمقابل فان الفصائل الآسرة لـ " شاليط " استطاعت أن تُسجل أولاً انتصاراً عسكرياً بعمليتها الفدائية الرائعة والنوعية والتي أسر خلالها شاليط وأطلق عليها عملية " الوهم المتبدد " .
وانتصارا ثانياً بنجاحها بالاستمرار في احتجازه وإخفائه بسرية تامة وبعيداً عن الأعين الإسرائيلية ، داخل مساحة جغرافية صغيرة جدا لا تزيد عن 360 كم2 وهي عبارة عن شريط ساحلي ضيق .
وإذا كنا قد سجلنا قبل خمس سنوات احترامنا وتقديرنا لمنفذي العملية على انتصارهم الأول في تنفيذ العملية ، فإننا اليوم وبعد خمس سنوات نسجل إعجابنا الشديد وفخرنا الكبير بآسري " شاليط " لإنتصارهم الثاني المتمثل بالاحتفاظ به طوال السنوات الخمس الماضية ، ونأمل أن يتوج الإنتصارين بإتمام صفقة تبادل مشرفة تكفل عودة " شاليط " لأهله سالمأ ، وعودة مئات الأسرى لذويهم وأحبتهم وأبناء شعبهم سالمين.
وخلال الخمس سنوات الماضية تردد لمسامعنا العديد من المواقف والمناشدات والتصريحات التي صدرت عن رؤساء وزعماء ومؤسسات وشخصيات دولية ، بعضهم يمثلون جهات يفترض أن تكون مستقلة ، محايدة ، متوازنة ونزيهة ، ولكن وللأسف جميعها كانت منحازة وغير متوازنة ، وآخرها كانت تلك التصريحات التي صدرت عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر ( ان قلقاً يساورها حول مصير الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط أكثر من أي وقت مضى بعد مرور خمس سنوات على اعتقاله، وتطالب حركة حماس بالاثبات ان الجندي ما زال على قيد الحياة ) .
فيما قال مديرها العام " إيف داكور " ( إن انعدام المعلومات بشأن شاليط أمر غير مقبول بتاتًا، إذ يحقّ لأهل شاليط الاتصال بابنهم بموجب القانون الدولي الإنساني" ) .
تصريحات استفزتنا واستفزت مشاعرنا ووضعت علامات استفهام حول دور ومصداقية اللجنة واثارت الكثير من الشكوك حول مصداقيتها ونزاهتها ، ( لا ) لشيء سوى لأنها تجاهلت معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الإحتلال وعائلاتهم والذين يعانون أضعاف ما يعانيه " شاليط " مئات المرات .
واذا كان العالم قد تفهم معاناة " شاليط " ووالديه " نوعام وعفيفة شاليط " وذويه وأحبته وأصدقائه ، ورأى أن من حقه أن يراهم ويتواصل معهم ، بموجب القانون الإنساني ..!
فانني أضم صوتي لأصواتهم ، بل وأرى أن من حقهم أن يستقبلوه عائدا إليهم سيرا على الأقدام ( لا ) محمولا في تابوت الموت ، ولكن بشرط عودة أسرانا لبيوتهم ، وأدعو الله أن لا يُمس بسوء ، وأن يُطيل عمره لطالما بقىّ في أسر المقاومة ، وأتمنى أن يُغلق هذا الملف بشكل جذري الآن وليس غداً .
ولكن تجاهل العالم لمعاناة اسرانا وعائلاتهم وعدم الزام " اسرائيل " بتطبيق القانون الدولي الإنساني عليهم واجبارها على احترام حقوقهم الإنسانية الأساسية في الحياة والعلاج والمأكل والمسكن والتزاور واحترام انسانيتهم ..الخ ـ يُفقد تلك الجهات مصداقيتها ونزاهتها ، ويثير فينا مشاعر السخط والغضب عليها ، وهذا ما دفع أهالي الأسرى في غزة للهجوم بالبيض على مقر الصليب الأحمر بغزة وتكسير بعض اليافطات عقب تصريحات اللجنة ومديرها ، .
فحقوق الإنسان ثابتة ومتساوية وهي جزء لا يتجزأ ، والقانون الدولي الإنساني والمواثيق والإتفاقيات ذات الصلة يجب أن تطبق على كافة شعوب العالم دون تمييز من أي نوع ، وعلى المجتمع الدولي بمؤسساته المختلفة أن يكف عن ممارسة التمييز والتسييس وازدواجية المعايير والكيل بمكيالين والانتقائية وثنائية المفاهيم ...
وأظن بأن " شاليت " أسير في ضيافة المقاومة الفلسطينية بقطاع غزة ، يُعامل وفقاً لتعاليم الدين الإسلامي وفقاً لتصريحات قادة الفصائل الآسرة ، ويُحتجز في ظروف إنسانية هي الأفضل ، ويُخشى عليه من خطر الموت والمرض ، أو أن يُخدش أو يُمس بسوء لو أن الظروف الأمنية بغزة تسمح بالزيارة دون ان تشكل خطرا على حياته وحياة آسريه ، لأتيح له ذلك منذ اليوم الأول لأسره.
واذا كان شاليط لم يرَ أهله منذ أسره قبل خمس سنوات ، فان أهالي الأسرى من قطاع غزة من ممنوعين بشكل جماعي من زيارة أبنائهم منذ أربع سنوات ، وهناك الآلاف من ذوي الأسرى عموماً ممنوعين من زيارة أبنائهم وآبائهم منذ سنوات طويلة تصل إلى أكثر من 15 عاماً عقابا لهم وانتقاما منهم ومن ذويهم تحت ذريعة ما يُسمى " المنع الأمني " .
إجماع فلسطيني – إسرائيلي – دولي على إغلاق ملف شاليط
وفي الختام أجزم بأن الرغبة في إغلاق ملف "شاليط" ، هي رغبة تحظى بإجماع فلسطيني إسرائيلي دولي ، والكل يتمنى لو أغلق هذا الملف منذ زمن أو أن يُغلق في أقرب وقت ممكن ، ولكن !
" إسرائيل " هي من تتحمل مسؤولية التأخير ، فهي ترغب دون شك في إغلاقه ، لكنها ليست مستعدة بعد لدفع ثمن واستحقاقات إغلاق الملف رغم فشلها في استعادته بالقوة طوال السنوات الخمس الماضية ، ولا تزال تراهن على قوتها وامكانياتها وعملائها وتكنولوجيتها المتطورة ، وعلى عامل الوقت أيضاً ، ولهذا تُصر على شروطها الظالمة ومعاييرها المجحفة في المفاوضات الجارية ، وترفض إطلاق سراح أسرى مضى على اعتقالهم من السنوات والعقود ما يفوق عمر " شاليط " بسنوات ،
وما يُساعدها على ذلك الموقف اللا نزيه من قبل المجتمع الدولي برؤسائه وزعمائه ومؤسساته المتعددة بما فيها المؤسسات التي تدعي الديمقراطية وحقوق الإنسان والتي تتغنى بالمواثيق الدولية والقانون الدولي الإنساني .
أما فلسطينياً فلقد تجاوزت قضية " شاليط " الفصائل الآسرة ، وأضحت قضية وطنية عامة تهم الشعب الفلسطيني كافة ، والذي دفع ثمناً باهظاً لا سيما بقطاع غزة من شهداء وجرحى ودمار ومعاناة جراء استمرار احتجاز " شاليط " ، وأن الكل يتمنى إغلاق الملف بأقصى سرعة وبما يكفل وضع حد لمعاناة مئات الأسرى في إطار صفقة تبادل مشرفة تكفل عودة " شاليط " لأحضان والديه، وبالمقابل عودة مئات الأسرى لبيوتهم وأسرهم وشعبهم الذي طال انتظاره لعودتهم ، لا سيما الأسرى القدامى دون استثناء .
وما دون ذلك فلا عودة ولا حرية لـ " شاليط " حياً ، وعلى حكومة " إسرائيل " والمجتمع الإسرائيلي والدولي أن يُدرك ذلك جيداً ... فمعاناة " شاليط " لا توصف ولا تقارن بجانب معاناة آلاف الأسرى الفلسطينيين والعرب القابعين في سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي ، وأن الإجراءات القمعية الإنتقامية بحق الأسرى لن تجدى نفعا ولم ولن تؤدي الى تراجع الفصائل الاسرة عن شروطها .
فلتتوحد الجهود على كافة الصعد من أجل الضغط على حكومة الاحتلال كي تتخلى عن شروطها ومعاييرها وان تبدي استعدادها لدفع استحقاقات حرية شاليط وان نغلق سويا هذا الملف ..ـ فحرية " شاليط " مشروطة بحرية أسرانا وما دون ذلك وهم يتبدد .
عبد الناصر فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
0599361110
Ferwana2@yahoo.com
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان