حتى لا تصبح الإضرابات الفردية بديلا للجماعية

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

25-7-2020

 

نعود مرة أخرى لنكتب عن موضوع الإضرابات الفردية، ونتمنى أن لا نرى في غضون الأيام القادمة أسيراً مضرباً عن الطعام بمفرده، ليس رفضاً للإضراب عن الطعام، الذي نرى فيه شكلاً من أشكال المقاومة المشروعة خلف القضبان. وإنما لأهمية إجراء وقفة تقييم وتقويم لمسيرة الإضرابات الفردية داخل السجون، بما يضمن إعادة الاعتبار للخطوات النضالية الجماعية وتوفير الحاضنة الوطنية للمضربين عن الطعام، وتحقيق الأهداف المرجوة من الإضراب عن الطعام.

 

قلنا مراراً ونجدد القول في هذا المقام بأن الإضراب عن الطعام: مقاومة،  وقد قيل منذ القدم أن الجوع كافر، لكن هناك مِن الفلسطينيين مَن جعلوا من الجوع ثائراً خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي، فثار الأسرى الفلسطينيون كثيراً، وخاضوا الإضرابات عن الطعام مراراً، تجسيداً لثقافة مقاومة السجان وامتداداً طبيعيا لحالة الاشتباك مع الاحتلال.

 

 ولم يكن الإضراب عن الطعام يوماً هو الخيار الأول أو الأسهل أمام الأسرى، وإنما هو الخيار الأصعب والأكثر ألماً ووجعاً، إلا أنهم يلجؤون لهذا الخيار مضطرين ورغما عنهم، فواصلوا إضراباتهم كخيار لا بديل عنه، كلما شعروا بفشل الخيارات الأخرى والتي تُعتبر الأقل صعوبة وألما، صوناً لكرامتهم، وسعياً لانتزاع حقوقهم، ودفاعاً عن مكانتهم ومشروعية نضالهم في ظل تقاعس المجتمع الدولي وعجز مؤسساته الحقوقية والإنسانية عن الانتصار لقضية الأسرى وإلزام دولة الاحتلال باحترام الاتفاقيات والمواثيق الدولية في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين في سجونها.

 

ومنذ استكمال احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، خاضت الحركة الوطنية الأسيرة كثير من الإضرابات الجماعية، وحظَرت في مناسبات عديدة الخطوات النضالية ذات الطابع الفردي أو الحزبي، وحذّرت مراراً من خطورتها، وعززت لدى الكل ثقافة الجماعة،  وبموجب ذلك، فإن كل أسير كان يشعر بأن قوته لا تستمد أحقيتها وتحققها، إلا من خلال الجماعة، وأن الأسرى كانوا يراهنون دوما على وحدتهم وقوة تماسكم أولا. فالإضرابات عن الطعام، لم تكن بمنأى عن ثقافة جماعية، هي العنصر الرئيسي في حسم المعركة وتحقيق الانتصار المأمول.

 

ومنذ عقد من الزمن، تغير الحال، وما كان محظوراً في الماضي بات متاحاً، وما حذرت منه الحركة الأسيرة أضحى واقعاً، وبدأنا نرى في السجون أسرى يخوضون إضرابات فردية بمنأى عن الجماعة، كشكل نضالي فرضته أسباب ذاتية وموضوعية، إلا أنه بالمقاييس السابقة يُعتبر شكلاً جديداً، ونمطاً دخيلاً على ثقافة الحركة الوطنية الأسيرة، نمط يُغَّيب الجماعية المنظمة ويستبدلها بالفردية العفوية، حتى أضحت تلك الإضرابات ظاهرة، لها من الايجابيات وعليها مآخذ وسلبيات.

 

فمنذ أن فجرّها المعتقل الفلسطيني "خضر عدنان" أواخر عام 2011 حتى لحق به مئات آخرين خاضوا إضرابات فردية مماثلة، وشكّلوا نماذجاً في التضحية، وسطّروا حالات نضالية فريدة، وجميعهم حظوا باحترامنا ودعمنا، لطالما قرر الواحد منهم مواجهة السجان، فيما النتائج تفاوتت من إضراب لآخر.

 

ولكن وبالرغم مما حققته تلك الإضرابات الفردية، فإن الحقيقة التي يجب أن يدركها الجميع هي أن الإضرابات الفردية وفي أحسن الأحوال عالجت مشكلات شخصية وفردية فقط، فيما أبقت المشكلة العامة على حالها دون معالجة، ولم تأتِ بحلول جذرية لها أو انتصارات استراتيجية للجماعة. فضلا على أن الإضرابات الفردية تحمل مخاطر جمة على حياة وصحة المضربين، وتتيح الفرصة بشكل أكبر لإدارة السجون للاستفراد بهم والانقضاض عليهم، مما يرهقهم أكثر ويُطيل مدة اضرابهم ويجبرهم على دفع ثمن أكبر، في ظل تراجع الاهتمام الداخلي والخارجي بالإضراب الفردي وفقدانه الحاضنة الجماعية والحزبية، ولربما هذا يعود لما سببه الإضراب الفردي من ارهاق للكل واستنزاف للجهود التي كان من المفترض أن تصب في خدمة قضايا الجماعة.

 

لذا فإنني انتهز الفرصة اليوم بعد أن علق عدد من الأسرى اضرابهم ولم يعد هناك أي أسير مضرب عن الطعام، لأجدد دعوتي للجميع، داخل وخارج السجون، بضرورة إجراء وقفة شاملة للإضرابات الفردية، والعمل على تقييمها وتقويمها بما يكفل إعادة الاعتبار للعمل الجماعي، أو يضمن توفير الحاضنة الجماعية والحزبية للإضرابات الفردية في حال فرضتها عوامل وظروف ذاتية وموضوعية.

 

وفي الختام نؤكد على أن خيار العودة إلى ثقافة الجماعة والخطوات النضالية ذات التوافق الجماعي، بات ضرورة ملحة، مع إدراكنا لما أصاب الحركة الأسيرة وما تُعانيه جراء تداعيات الانقسام وتأثيراته، إلا أن ذلك يجب أن لا يكون مبررا لاستمرار الإضرابات الفردية بشكلها الحالي، فلا يزال هناك الكثير من القواسم المشتركة التي يمكن أن تشكل أساساً لبلورة رؤية جماعية في مواجهة السجان وتعزيز فلسفة المواجهة خلف القضبان، ضمن خطوات جماعية أو جزئية متدحرجة، حتى لا تصبح الإضرابات الفردية بديلاً عن الخطوات الجماعية.