" الزي البرتقالي " إساءة لصورة الأسير الفلسطيني

 

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

 25-4-2009

 أرشيف المقالات

يبدو لي ومن خلال تجربتي الشخصية بأن أفعالنا و أنشطتنا ، كتاباتنا ومقالاتنا ، فعالياتنا وإعلامنا ... ذات الشأن بشؤون وهموم أسرانا وأسيراتنا ، تعتمد جميعها على الموسمية وردات الفعل اللحظية ، تارة ، ووفق ما تمليه علينا إدارة السجون من ممارساتها الدموية وانتهاكاتها الفاضحة ، تارة أخرى ، وكأنها هي التي تنقلنا من قضية إلى أخرى كيفما تشاء ، دون ان ندرك ذلك ، أو أننا ندرك ونخجل في الإفصاح عن إدراكنا أو عجزنا عن مواجهة ذلك ، ولهذا بقىَّ فعلنا مشتت ، دون تأثير يُذكر ، مما أدى إلى استفحال انتهاكات غدت جزء ثابت من الواقع الإعتقالي وبروز أخرى .

ومن الإجراءات التي برزت مؤخراً لجوء سلطات الاحتلال الإسرائيلي الى إجبار المعتقلين على ارتداء " اللباس البرتقالي " بهدف الإساءة لهم وإذلالهم واستفزازهم ، وخلق حالة من الاحتكاك والتصادم المباشر والمتواصل معهم ومن ثم إيجاد ما يبرر – من وجهة نظرها – اتخاذ إجراءات قمعية أشد بحق الأسرى بشكل فردي وجماعي ، تحت ذريعة رفضهم تنفيذ القرارات وعدم الانصياع لأوامرها  .

تاريخ " اللباس البرتقالي "

ويعود تاريخ هذا " اللباس "  إلى بدايات الاحتلال ، حينما كان الأسرى ملزمون بارتداء " قميص برتقالي " ، وبعد نضال طويل نجحوا بتغييره أواخر الثمانينات إلى اللون البني أو الكحلي ، نظراً لأن ارتداء " البرتقالي " كلون موحد داخل غرف السجون الضيقة وفي أمكنة محدودة المساحة  ولفترات طويلة له تأثيرات نفسية سلبية وتأثير سلبي مباشر على النظر ، ومن ناحية أخرى لتشابهه مع ما يرتديه سجناء ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام في أماكن أخرى في العالم .

" الزى البرتقالي" محاولة إسرائيلية لنقل التجربة الأمريكية في غوانتانامو

واليوم ليس هناك ما يبرر تغيير الزي الموجود ( البني والأزرق ) والعودة إلى " البرتقالي " سوى الإساءة لصورة الأسير الفلسطيني ، لما لهذا اللباس من معاني ودلالات .

 فبالإضافة إلى تشابهه مع ما يرتديه السجناء الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام ، فهي محاولة  لإعطاء العالم صورة عن المعتقلين الفلسطينيين ، ذات الصورة المرتبطة في أذهانهم بمعتقلي "غوانتانامو" ، حيث أن " اللباس البرتقالي " ارتبط في أذهان العالم أجمع بمعتقلي غوانتانامو منذ افتتاح ذاك المعتقل سيء الصيت والسمعة في يناير عام 2002 ، وما يطلق عليهم من أوصاف ومصطلحات وتهم عديدة ، وبالتالي تقديم معتقلي فلسطين للرأي العام العالمي على أنهم جزء من الحالة الإرهابية العالمية .

بمعنى آخر هي محاولة إسرائيلية لنقل التجربة الأمريكية في معتقل غوانتانامو إلى سجونها ، وصبغها بذات اللون المتعارف عليه عالمياً ،.

وفي ذات السياق وعودة للوراء قليلاً فان سلطات الاحتلال الإسرائيلي صعدَّت من استخدام صفة " مقاتل عدو" أو " مقاتل غير شرعي "  في الآونة الأخيرة بحق معتقلي قطاع غزة ، وقد تلجأ لاحقاً إلى تغيير شكل المعتقلات لتتشابه مع معتقل " غوانتانامو " لتعزيز وترسيخ تلك الصورة في أذان العالم .

بمعنى أنها تحاول إعطاء العالم صورة مشوهة عن المعتقلين الفلسطينيين ، على أنهم " إرهابيون " وقتلة و لايستحقون الحياة والحرية ، وهنا تكمن الخطورة من وراء فرض هذا اللباس .

وبالمناسبة هو إجراء ليس بجديد ، فلقد لجأت إدارة السجون إلي فرضه منذ منتصف العام الماضي تقريباً ، ولكن بتفاوت بين سجن وآخر ، وأثناء الخروج للمحاكم ، أو التنقلات فيما بين السجون أو لزيارة محامي أو الأهل ، ولكن لم تكن الهجمة شديدة كما هي عليه الآن ، وكان دائماً يقابل بالرفض من قبل الحركة الأسيرة .

فيما بعد القرار السياسي بتضييق الخناق على الأسرى لجأت إدارة سجون الإحتلال إلى تصعيد هذا الإجراء وتحاول فرضه بالقوة ، وقبل أيام كانت البداية في سجن جلبوع ، وأبلغت إدارة السجن الأسرى هناك ، بأنه سيفرض عليهم " اللباس البرتقالي " ابتداء من يوم الخميس الماضي كلباس أساسي يجب ارتدائه أثناء الخروج للفورة وأثناء العدد والزيارات .. الخ ، وهددتهم في حال إصرارهم على رفضه بأنها ستقتحم الغرف وستصادر القمصان ذات الألوان المختلفة التي بحوزتهم ، لوضع الأسرى تحت الأمر الواقع ، وقد تتخذ اجراءات أخرى في حال استمرار رفضهم كالعزل مثلاً .

وفي خطوات مشابه رفضت إدارة سجن " ايشل " قبل فترة تزويد الأسرى باللباس البني بدلاً من الملابس الممزقة والتالفة وتذرعت بأنه ليس لديها سوى اللباس البرتقالي ، وبعض الأسرى تم عزلهم انفرادياً لرفضهم ارتدائه أثناء الخروج للمحاكمة .

وقبل يومين " وحدات نخشون "  قمعت مجموعة من الأسرى في سجن عسقلان رفضت ارتداء اللباس البرتقالي ، واعتدت عليهم بالضرب وبالغاز المسيل للدموع .

وخلال الأيام القليلة القادمة سيتردد لمسامعنا أخبار جديدة وكثيرة لأحداث مشابهة في سجون أخرى .

الموقف الفلسطيني عامة والحركة الأسيرة خاصة

ومع ذلك فان الحركة الحركة الأسيرة بكل أطيافها السياسية قد أعلنت موقفها الرافض لارتداء هذا اللون منذ فترة على لسان العديد من قياداتها وعبر بياناتها ، لما له من أبعاد سياسية خطيرة تمس بتضحياتهم ومكانتهم ، ويسيء لصورتهم ولنضالهم المشروع ضد الاحتلال وافرازاته ومكوناته .

والموقف الفلسطيني الرسمي والشعبي كان مسانداً لموقفهم ، ولهذا الرفض ما يبرره باعتباره غير لائق بأسرى الحرية ، ويهدف إلى تشويه صورة الأسرى الفلسطينيين ، والى إذلالهم  واستفزازهم ، وافراغهم من محتواهم النضالي والسياسي ، وهو ليس مجرد تغيير لون اللباس فحسب كما يعتقد البعض .

وبرغم ذلك فبتقديري سيبدأ هذا الإجراء فعلاً وبالقوة في سجن " جلبوع " وسيمتد تدريجياً إلى سجون أخرى ، كجزء من منظومة الإجراءات التي أقرتها حكومة الاحتلال بهدف التضييق على الأسرى واستمراراً  لقمعهم ، وسيدفع الأسرى ثمناً باهظاً جراء موقفهم الرافض هذا والذي ندعمه ونسانده .

الأسرى بحاجة الى مساندة ..!

ولكن حتى يتمكن الأسرى من فرض إرادتهم وكلمتهم ، وحتى نصون جميعاً صورتهم المشرقة وتضحياتهم الجسيمة ، والتأكيد على أنهم مناضلين من أجل الحرية ، وليسوا " إرهابيون أو مجرمون " كما تحاول سلطات الاحتلال وصفهم ، لا بد من تحرك جاد وشجاع على كافة المستويات خارج السجون ومن ثم مطالبة الأسرى باتخاذ خطوات مصيرية .

ولكن إذا بقيَّ حالنا على حاله من الضعف والتشتت والانقسام ، فان الانتهاكات ستتواصل وستتصاعد أكثر ، ولن نحقق شيئاً ، بل وسنجد أنفسنا بعد أيام ننتقل طوعاً أو قسراً إلى إجراء جديد بحق الأسرى أو جريمة جديدة تُُنسينا " اللون البرتقالي " الذي سيصبح مع الوقت وكأنه أمر عادي وجزء من الماضي ، ليُضاف إلى انتهاكات عديدة كانت استثنائية فغدت وللأسف ممارسة يومية وجزء من الحياة الإعتقالية  .

 

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "

http://www.palestinebehindbars.org/

 

  أرشيف المقالات