" السرطان " يفترس أجساد الأسرى ..
*بقلم / عبد الناصر فروانة
24-4-2011
كنت قد أعددت ووزعت تقريراً قبل أكثر من عام بعنوان ( السرطان يفترس الأسرى وأن أكثر من 5 آلاف تجربة تجرى سنوياً على أجسادهم ) وقبله بعام تقريباً كتبت مقالاً بعنوان (الأسرى بين مطرقة " السرطان " وسندان" انفلونزا الخنازير " بعد إصابة مجموعة من المعتقلين بهذا الوباء في معتقل عوفر ) .. ومع أن التقرير والمقال قد حظيا باهتمام وسائل الإعلام وبعض المؤسسات ، إلا أن الأمر لم يتعدَ كونه خبر وحدث سرعان ما غاب عن أجندة الجميع مما يؤكد على أننا نتعامل مع الأحداث بردات فعل دون منهجية واضحة ، وهذا ما يضعف موقفنا ويفقد فعالياتنا التأثير وإحداث التغيير .
واليوم وبعد رحيل الأسير المحرر السوري " سيطان الولي " اثر إصابته بمرض السرطان ، أعود وأكتب تحت عنوان ( السرطان يفترس أجساد الأسرى ) لعلني أوفق هذه المرة في دق جدران الخزان وإيصال أصوات الأسرى المرضى عموماً ومرضى السرطان خصوصاً القابعين في سجون الاحتلال إلى المعنيين بالأسرى وحقوق الإنسان محلياً وإقليميا ودولياً .
وللأمانة وبكل صدق أشعر بالألم وبصعوبة بالغة حينما أمسك القلم لأكتب عن الأسرى المرضى ، فما بالكم إن كان الأمر يتعلق بأسرى لا يزالوا في الأسر أو بأسرى محررين مصابين بمرض السرطان ، يُهمَلُون في السجون ويواجهون المصاعب والمعيقات في الحركة والتنقل خارج السجون ، ومنهم من فارق الحياة ، ومنهم من اقتربت ساعة وفاتهم ، ومنهم من تمنونها ويتمنوها من شدة الألم .
ولعني أيضاً أستطيع أن أؤثر على أصحاب القرار والإمكانيات المادية والبشرية لإقرار خطة متكاملة يُعلن عنها بهدف إنقاذ الأسرى المرضى عموماً ومرضى السرطان خصوصاً .
ولا شك بأن الأوضاع المعيشية والظروف القاسية في سجون الاحتلال الإسرائيلي هي كفيلة بأن تجعل من أجساد الأسرى الأصحاء مرضى ، ومع مرور السنوات وفي ظل سياسة الحرمان من العلاج وتجارب الأدوية وإشعاعات ومخلفات مفاعل ديمونة التي تدفن في صحراء النقب القريبة من سجون إسرائيلية تضم قرابة نصف أعداد الأسرى والتي حذرت منها وزارة البيئة الإسرائيلية ، فان هذه الأمراض تتحول إلى مزمنة وخطيرة وسرطانية يصعب علاجها واستئصالها ، فتؤدي لوفاة الأسرى داخل السجون أو تَبقى تلاحقهم لما بعد التحرر لتفاقم من آلامهم ولاحقاً تكون سبباً لوفاتهم والقافلة هنا تطول وتطول .
وهي بالمناسبة – أي إدارة السجون – لم تُعالج يوماً مرضى السرطان في سجونها ، تُبقيهم يعانون ويعانون وان اقتربت ساعة الوفاة أطلقت سراحهم كي يموتوا خارج سجونها ولا تتحمل مسؤولية وفاتهم وهذا ما حصل مع الأسير المحرر سيطان الولي ومن قبله رفيقه هايل أبو زيد ومراد أبو ساكوت وفايز زيدات وحمزة طرايرة وغيرهم الكثيرين .
ومن خلال قراءتنا لواقع السجون وتجاربنا هناك ومتابعتنا لهذا الملف المؤلم والقاسي ، فانني حقيقة لم ولن أتفاجأ فيما لو ارتفع عدد الأسرى المصابين بالسرطان أو أن أسرى جدد انضموا لقافلة شهداء الحركة الأسيرة ، ولكن ما يمكن أن يفاجئني هو أن نبقى على حالنا ونتابع معاناة أسرانا المرضى ونحصي أعدادهم أو نرصد وندون عدد الشهداء الذين يسقطون داخل السجون جراء الإهمال الطبي أو ما بعد التحرر متأثرين بأمراض السجون والتعذيب وما بينهما .
وأخجل من نفسي وأنا أكتب عن عشرات يحتضرون من الأسرى المرضى ، ومئات آخرون يتألمون ، وآلاف ينتظرون ما سيصيبهم .. ونحن نقف مكتوفي الأيدي ، لا نملك سوى مراقبتهم عن بُعد والتسابق في إصدار البيانات والمناشدات التي تعكس تشخيص الحالة أو شجب الممارسة دون إيجاد حلول لاستئصال الأسباب والقضاء على الظاهرة .! وكأن إدارة السجون هي من تصنع الحدث وهي من تنقلنا من هذا الملف إلى ذاك ونحن لا ندري .
وأعجبني مقالاً قرأته قبل قليل للإعلامي " هشام ساق الله " حول ذات الموضوع وأكثر ما لفت انتباهي دعوته لفتح ملف " مرضى السرطان خصوصاً " ، المحررين منهم أو الذين لا يزالون في الأسر ، وإجراء دراسات أكاديمية وصحية شاملة لمعرفة أسباب إصابتهم بهذا المرض الخبيث داخل السجون والذي أدى لوفاة العشرات منهم ، وفضح ما يتعرض له الأسرى من انتهاكات تستهدف حياتهم وتسبب لهم الأمراض الخبيثة .. فهل ستلقى دعوته استجابة المعنيين أم ستذهب أدراج الرياح لنعيد طرحها من جديد مع موت أسير جديد ؟
وفي الختام أذّكِر بأن عشرات الأسرى المرضى الذين يعانون من أمراض خطيرة ومنها السرطان لا يزالون في سجون الاحتلال دون رعاية تُذكر ، ومنهم أكرم منصور ثالث أقدم أسير فلسطيني والمعتقل منذ أكثر من 31 عاماً ... وأن هنالك المئات من الأسرى المحررين هم الآخرين يعانون من أمراض كثيرة ورثوها عن السجون ، وهؤلاء جميعاً ينتظرون منا الكثير الكثير ....