" أبو غريب " أو " بغداد المركزي " ، تبدلت الأسماء والاحتلال واحد

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

ferwana2@yahoo.com

23-2-2009

 أرشيف المقالات

يوم السبت الماضي أعيد افتتاح أكبر سجون العراق مساحة ، ولربما من أكثر سجون العالم شهرة ، وهو سجن  " أبو غريب " ،  تحت اسم جديد هو سجن " بغداد المركزي " .

وعلى الرغم من تعدد السجون في العراق ، إلا ان سجن " أبو غريب "  تعاظمت شهرته على مستوى العالم ، بعدما نشرت شبكة تلفزيون CBS الأمريكية في الثامن والعشرين من نيسان من العام 2004 ، صور لفضائح أخلاقية وغير انسانية  أُرتكبت داخل السجن بحق أسرى عراقيين ، صور شُوهد فيها سجناء عراقيين وهم عراة وفي أوضاع مشينة ، وجنود وجنديات الإحتلال الأمريكي يتلذذون بتعذيبهم ، ويستمتعون بآلامهم ويصعقونهم بالكهرباء ، ويبتسمون ويضحكون لإلتقاط الصور التذكارية ، صوراً امتُهنت فيها كرامة الإنسان العراقي وآدميته وشَرفه العربي.

ولقد أحدثت تلك الصور آنذاك صدمة في العالم أجمع ، أجبرت  جميع المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية للتحرك وإدانتها ، مما دفع الجيش الأمريكي لإتخاذ بعض الإجراءات الادارية والقضائية لتهدئة المجتمع الدولي وامتصاص ردة الفعل ، وكان منها إغلاق السجن المذكور  بشكل نهائي في يونيو (حزيران) 2006، دون الإفراج عن المعتقلين الذين كانوا فيه ، بل تم نقلهم إلى سجون أخرى داخل العراق ، ليُعاد افتتاحه من جديد وتحت اسم  سجن " بغداد المركزي " .

وفي سياق مشابه صادق الرئيس الأمريكي الجديد " أوباما " وفور تسلمه مقاليد الحكم بشكل رسمي قبل بضعة اسابيع ، على قرار يقضي باغلاق معتقل " غوانتانامو " خلال عام ، ذاك المعتقل سيء الصيت والسمعة والذي تديره أمريكا أيضاً ، والمقام في أحد المناطق التي تحتلها من كوبا ، دون اتخاذ قرار يقضي بالإفراج عن المعتقلين أو تعويض كل من اعتقل فيه وتعرض للمعاملة السيئة ، بمعنى سيغلق "غوانتانامو" اذا إلتزمت الإدارة الأمريكية بالقرار ، وسينقل المعتقلون الى سجون أخرى في العالم أقل شهرة ، لكنها لا تختلف عن سابقاتها  .

.

معتقل " غوانتانامو " كمعتقل " ابو غريب " ارتبط اسمه وحاز على شهرته العالمية من خلال صور مشابه وانتهاكات فاضحة بحق نزلائه من المعتقلين تفوق الوصف من شدة قساوتها وفظاعتها .

وبتقديري هناك ارتباط ما بين تغيير إسم " أبو غريب " وقرار اغلاق " غوانتانامو " ،.. فكلاهما شهدا إنتهاكات جسيمة أحدثت فضائح عالمية ، وأظهرت " أمريكا " على حقيقتها السوداء  وأماطت اللثام عن وجهها القبيح البشع ، في تعاملها مع حقوق الإنسان والمعتقلين ، وعدم احترامها لحقوقهم الأساسية وفقاً للإتفاقيات المواثيق الدولية ، واليوم تحاول الإدارة الأمريكية الجديدة تبييض صفحتها وتبدلها ، بتبدل أسماء سجون واغلاق أخرى .

وأعتقد بأن أمريكيا وحلفاءها واهمون إذا اعتقدوا أن بتبدل الأسماء من " أبو غريب " الى " بغداد المركزي "  ، أو بقرار اغلاق " غوانتانامو " ، يمكن أن يؤدي ذلك الى تبدل الصور المذهلة العالقة في ذاكرة العالم الحر لما جرى بهما من جرائم انسانية وانحراف نفسي وأخلاقي .

وبتقديري ستبقى تلك الصور المؤلمة الفاضحة ، وصفة عار على جبين الجيش الأمريكي المحتل بل على جبين الأمريكان عامة   .

وأجزم بأنه حتى ولو تحول سجن " ابو غريب " الى مؤسسة خدماتية كمدرسة أو مشفى ، سيبقى المبنى بحجارته الساكنة شاهد على عصر الجرائم الأمريكية المنظمة بحق الأسرى العراقيين في كافة سجون الإحتلال الأمريكي وأعوانه في العراق الشقيق ، هذا من جانب .

ومن جانب آخر فيما لو أغلق " غوانتانامو " بالفعل وأزيل من مكانه ، فان البقعة الجغرافية التي كان مقاماً عليها ستبقى شاهدةً على مشاهد مؤلمة في أذهان كل من شاهدها ، ولم ولن تزولَ صور التعذيب والمعاملة السيئة من ذاكرة كل من اعتقل فيه او سمع منهم عما كان يجري بداخله .

 ومهما تغيرت الأسماء وتبدلت الأمكنة ، فالسجون واحدة والسياسة والإدارة التي تحكمها هي واحدة أيضاً، فيما العقلية التي تديرها ذات مضمون واحد تعتمد على سلوك احتلالي قمعي ارهابي ولا ديمقراطي أو انساني.

فغاب " بوش " وحضر" أوباما " وتبدل سجن " أبو غريب " ليصبح " بغداد المركزي " ، وسيغلق " غوانتانامو " وينقل نزلائه الى سجون أخرى  ... وبقىَّ الإحتلال على نهجه يسير دون تغير أو تبدل في سلوكه تجاه الشعوب المحتَلة والمضطهدة .. ولا فرق بين هذا الإحتلال أو ذاك في أي بقعة من العالم  .

فهذا هو الوجه الحقيقي للإحتلال وهذه هي الديمقراطية والإنسانية الأمريكية لمن خُدع بها ، والتي بشر بوش الشعب العراقي بها عندما غزت قواته العراق الشقيق وإحتلتها !!

وهؤلاء هم الأمريكان الذين يدّعون كالإسرائيليين بأنهم الأكثر إنسانيةً وإحتراماً لحقوق الإنسان والديمقراطية في العالم .!

وما بين الإحتلال الأمريكي والإسرائيلي توحد كبير في السلوك والممارسة ، وعلى سبيل المثال ، فالصور الفاضحة التي إلتقطت من داخل سجن " أبوغريب " ، انتقلت عدواها الى سجون الإحتلال الإسرائيلي وأقدم السجانون هناك بالتقاط صور فاضحة وشبيهة ، لم تُنشر ، ولكنها استخدمت للضغط والإبتزاز تارة ، وللإستهتزاء والمساس بمعنويات المعتقلين الفلسطينيين تارة أخرى  .

وخلاصة القول فان سجون الإحتلال أيٌ كانت موقعها ، وفي أي بقعة جغرافية في العالم ، في سجون الاحتلال المختلفة في العراق أو في غوانتانامو أو في سجون الإحتلال الإسرائيلي المتعددة ، وبغض النظر عن تعدد وتبدل أسمائها ، فجميعها سجون متشابهة ، وتديرها عقلية احتلالية واحدة ، وهي أقرب للوصف " بمقابر الأحياء " مورس ولايزال يمارس فيها أفظع الإنتهاكات الحقوقية والجرائم الإنسانية والفضائح الأخلاقية .

 

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "

http://www.palestinebehindbars.org/

 

  أرشيف المقالات