قانون إسرائيلي بمنع الإفراج عن الأسرى

 

بقلم/ عبد الناصر فروانة

22-9-2014

 

 

أقرت اليوم الاثنين لجنة الكنيست الخاصة بالتشريعات بالقراءة الثانية والثالثة مشروع قانون "منع العفو" أو "منع الإفراج" عن بعض الأسرى، بعدما كانت قد أقرته بالقراءة التمهيدية الأولى قبل حوالي ثلاثة شهور، فيما يتطلب عرضه في وقت لاحق على الكنيست الإسرائيلي لإقراره قبل أن يدخل حيز التنفيذ ويصبح قانوناً إسرائيلياً.

 

وقانون "منع العفو" أو "منع الإفراج" والذي يحمل الرقم الداخلي (מספר פנימי: 545878)، هو ليس قانون جديد وإنما تعديل وإضافة بند على قانون أساس رئيس دولة الاحتلال وتقليص صلاحياته في العفو عن أسرى قبل انتهاء مدة محكومياتهم ، הצעת חוק-יסוד: נשיא המדינה (תיקוןאיסור שחרור רוצחים) إذ يمنع بموجب التعديل القانوني منح العفو أو تخفيف العقوبة على الأسرى المحكومين بمدى الحياة وممن أدينوا بقتل إسرائيليين بموجب المادة 300 من قانون العقوبات، 1977، وتقليص الصلاحيات الممنوحة لرئيس دولة الاحتلال في إصدار العفو ومنع الإفراج عنهم في إطار المفاوضات، وذلك بقرار من المحكمة، بحجة ردع المقاومين وتقليص العمليات التي تؤدي إلى قتل إسرائيليين.

 

وعُرف إسرائيليا بقانون "منع العفو عن المخربين" قدمه وزير الاقتصاد الإسرائيلي " نفتالي بينيت" والقاضي بعدم منح الأسرى الفلسطينيين الذين اتهموا بقتل إسرائيليين "عفواً رئاسياً" يمهد لإطلاق سراحهم في أي صفقة مستقبلية وإبقائهم في السجون.

 

وحتى يصبح القانون ساري المفعول وملزم التطبيق فإنه يحتاج إلى إقراره بالقراءتين الثانية والثالثة والمصادقة النهائية عليه من قبل الكنيست الإسرائيلي، وفي حال تم ذلك فإن القضاة الإسرائيليين يكون من حقهم ومن صلاحياتهم إصدار قرار يصاحب قرار الحكم القاضي بالسجن مدى الحياة، يقضي بحرمان الأسير من الحصول على عفو من قبل رئيس دولة الاحتلال في أي صفقة قادمة (صفقة تبادل أو صفقة سياسية).

 كما ويحق للمحكمة إصدار قرار جديد يوقف قرار العفو الرئاسي عن الأسير المزمع تحريره والمعتقل لاتهامه بالقتل المتعمد، ويمنح القضاء صلاحيات جديدة على حساب الصلاحيات الممنوحة لرئيس الدولة ويقلص من فرص الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ذوي الأحكام العالية.

 

وفيما لو أقر هذا القانون بشكل نهائي من قبل الكنيست الإسرائيلي فإنه سيقلص من صلاحيات رئيس دولة الاحتلال في العفو عن أسرى تمهيدا لإطلاق سراحهم في إطار صفقات مع الفلسطينيين، حيث جرت العادة ووفقا للإجراءات القانونية الإسرائيلية بأن على رئيس الدولة أن يصدر عفوا عن قائمة الأسماء المنوي إطلاق سراحهم في تلك الصفقات قبل انتهاء فترات محكومياتهم.

 

وبتقديري فإن أبعاد القانون تكمن في :

أولاً: جاء لإرضاء اليمين الإسرائيلي المسيطر والمهيمن على الحكومة الإسرائيلية وعلى التوجه الإسرائيلي العام في التعامل مع الفلسطينيين وقضاياهم المختلفة بما فيها قضية الأسرى.

ومع تقديرنا بأن المشهد الإسرائيلي يعكس حالة من التناقضات والصراعات والتخبطات الداخلية الهائلة، إذ هناك الحكومة ورئيس الوزراء والمجلس المصغر، وهناك رئيس الدولة و القضاء والكنيست، ولكن وللأسف الشديد فإن اليمين المتطرف قد نجح في التغلغل والسيطرة على كل هذه المركبات بما فيها القضاء، وباتت إسرائيل تمرر سياساتها وتتنصل من إلتزاماتها واتفاقياتها السابقة بحجة القضاء والقانون !!.

 

ثانياً: يشكل ضربة جديدة للمفاوضات السياسية التي توقفت بسبب تنصل إسرائيل من الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى وفقا لما اتفق عليه عشية انطلاق المفاوضات قبل أكثر من عام، وأن استئنافها يستند وبشكل أساسي على ضرورة إطلاق سراح أسرى وخاصة الدفعة الرابعة.

 

ثالثاً:  إن نقاش مثل هكذا قانون وإقراره من قبل المؤسسات الإسرائيلية المختلفة يؤكد أن على إسرائيل وبالرغم من كافة الإفراجات السابقة التي أجبرت على تنفيذها، لا تزال تتمسك بشروطها الظالمة ومعاييرها المجحفة ومصطلحها "الأيادي الملطخة بالدماء" وتصنيفاتها المرفوضة فلسطينيا.

 

رابعاً:  يحمل رسالة يُراد منها إحباط ليس فقط المعتقلين الفلسطينيين الذين يتسلحون بمعنويات عالية وإرادة قوية وذوي الأحكام العالية الذين يقضون أحكاما بالسجن المؤبد "مدى الحياة" على خلفية اتهامهم بالمشاركة في عمليات قتل فيها إسرائيليين، وإنما يهدف أيضاً إلى كسر إرادة المقاومين للاحتلال خارج السجون  وبث الرعب والخوف في صفوفهم والقضاء على ثقافة المقاومة،  ودفعهم للتفكير في مصيرهم الشخصي وفقدانهم أمل التحرر  فيما لو اعتقلوا –وهذا وارد- وان مصيرهم البقاء الأبدي والموت في السجن ولن يروا الشمس من جديد..!

 

خامساً: رسالة للمفاوضين في القاهرة قبل استئناف جولة المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية غير المباشرة والمقرر لها هذا الأسبوع، واستباقاً للنتائج، تحمل رفضاً إسرائيلياً واضحاً للتوصل لصفقة تبادل أسرى يمكن أن تفرج عن أسرى من ذوي الأحكام العالية على غرار صفقة "شاليط" ، وبالتالي قطع الطريق على المفاوض الفلسطيني ومطالبته بالإفراج عن أسرى من ذوي الأحكام العالية،  حيث أن ملف الأسرى حاضر وبقوة ضمن الملفات الرئيسية، وهذا لربما سيدفع إسرائيل إلى الإصرار على بقاء ملف الأسرى مرتبط بالملفات الأخرى.

  

ومع ذلك نرى بأن نقاش وإقرار هذا "القانون" لن يخدم دولة الاحتلال، وقد لا يقر مستقبلاً من قبل الكنيست، وحتى ان أقر فانه سيشكل عبئا على الحكومات الإسرائيلية اللاحقة التي ستضطر لإجراء تعديلات عله لتمرير سياستها، أو لتبرير استحقاقات يجب أن تدفعها في سياق العملية التفاوضية أو في حال الاتفاق على صفقة تبادل للأسرى يمكن أن تنفذها الفصائل الفلسطينية، مما يعني أن القوة السياسية والدبلوماسية أو العسكرية ستجبر إسرائيل عاجلاً أم آجلا لإلغاء هذا القانون والتخلي عن معاييرها وشروطها الظالمة.

 

وفي الختام أرى بأن مثل هكذا قانون سيستفز الشعب الفلسطيني وسيدفع قواه الفاعلة للجوء إلى استخدام القوة رغما عنهم، أو التحريض لاستخدامها لإجبار إسرائيل على التخلي عن قوانينها و إبطالها أو تعديلها والتجاوب مع استحقاقات المرحلة بإطلاق سراح الأسرى القدامى وذوي الأحكام العالية الذين لا أمل لديهم بالإفراج إلا في إطار المفاوضات السياسية وإن تعذر ذلك فان صفقات التبادل هي البديل الآخر، والسلوك الإسرائيلي هو من يحدد الشكل الذي يمكن أن يلجأ إليه الفلسطينيون لإطلاق سراح أسراهم.

 

ومع تأكيدنا بأن مفاوضات القاهرة لن تكون سهلة، والملفات شائكة، وأن إقرار "القانون" من قبل لجنة التشريعات في الكنيست بالقراءات الثلاث لا يعني أنه أصبح قانون إسرائيلي ونافذ المفعول، ولكن هذا سيقلص من المساحة التي تتحرك في رحابها الحكومة الإسرائيلية وسيقيد من حركة المفاوض الإسرائيلي في القاهرة فيما يتعلق باستحقاقات صفقة التبادل التي يدور الحديث بشأنها، الأمر الذي يتطلب من المفاوض الفلسطيني الانتباه، واستخلاص العبر والدروس من التجارب السابقة، والسعي إلى الإبقاء على ملف الأسرى منفصلاً وغير متداخل مع الملفات الأخرى، بما يكفل إبطال تأثير هذا القانون على مسيرة المفاوضات و يضمن الإفراج عن مئات الأسرى القدامى المعتقلين منذ عقدين وثلاثة وما يزيد وذوي الأحكام العالية وممن أعيد اعتقالهم من محرري صفقة "شاليط".

 

ويبقى قانون "منع العفو" واحد من مجموعة القوانين والإجراءات والأوامر التي أقرتها جهات تشريعية وسياسية وقضائية مختلفة في إسرائيل لتشريع ما هو غير شرعي بهدف التضييق على الأسرى الفلسطينيين في السجون والمعتقلات الإسرائيلية والانتقام منهم والمساس بحقوقهم الأساسية والإنسانية.

 

والسؤال هل ستنجح إسرائيل في تمرير قانون "منع العفو" والمصادقة عليه بشكل نهائي من قبل الكنيست الإسرائيلي ، ليصبح قانون إسرائيلي نافذ المفعول يتيح لها تحقيق أهدافها واحتجاز بعض الأسرى في سجونها لمدى الحياة ؟ أم أن المفاوض أو المقاوم الفلسطيني سينجح في ارغام إسرائيل لإلغائه أو تعديله، بما يضمن إطلاق سراح رجال المقاومة الفلسطينية من ذوي الأحكام العالية في صفقات قادمة ؟

 

تنويه:

مساء يوم الإثنين (3-11-2014) صادقت الكنيست على القانون بالقرائتين الثانية والثالثة

كما ويخوّل القانون وحسب ما نشر عقب المصادقة عليه المحكمة صلاحية الإقرار بأنه لن يكون بالإمكان تحديد مدة العقوبة إلى أقل من 40 عاما، كما يمنع الأسير من تقديم طلب تحديد الحكم المؤبد قبل قضاء 15 عاما في السجن.

 

 

 

عبد الناصر فروانة
أسير محرر ، و مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بهيئة شؤون الأسرى والمحررين
عضو اللجنة المكلفة بإدارة مكتبها بقطاع غزة
0599361110
0598937083
Ferwana2@gmail.com
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان
www.palestinebehindbars.org