أسرى الداخل هم جزء أصيل من الحركة الأسيرة
" شوقي الخطيب " ورفاقه رحلوا ولم يرحلُ من قلوبنا
بقلم / عبد الناصر فروانة
22 مايو 2011
عبد الرحيم عراقي ، داوود تركي ، حسن يونس ، شوقي الخطيب .. أسماء نحفظها كفلسطينيين عن ظهر قلب ، لأنها محفورة في سفر النضال الوطني الفلسطيني وفي سجل الحركة الوطنية الأسيرة ، بالضبط كما نحفظ الطيرة وحيفا وعكا والجليل تلك المدن التي احتضنتهم ، والتي خُطت أسمائها بحروف راسخة وبارزة على الخارطة الفلسطينية .
ولسنا بحاجة لمن يُذكرنا بهم وبتاريخهم النضالي العريق ، أو لمن يسرد لنا سيرهم النضالية المشرقة ومسيرتهم الكفاحية الطويلة .
كما لسنا بحاجة لمن يستعرض معاناتهم وتضحياتهم خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي لسنوات طويلة تجاوزت لكل واحد منهم العقد من الزمن ببضع سنوات.
لسنا بحاجة إلى كل ذلك ... لأنهم حفروا أسمائهم في ذاكرتنا منذ زمن بعيد ، وحجزوا لأنفسهم مكانة عريقة في وجداننا وتربعوا على عرش أفئدتنا واستحوذوا على جُل احترامنا وتقديرنا ، فشكلوا نماذج تُحتذى في النضال والكفاح ، في الصبر والجلد والقدرة على التحمل ، وعناوين بارزة ( لا ) يمكن تجاوزها ، ولن يجرؤ فلسطيني أياً كان القفز عنها .
فهم عناوين لقائمة طويلة من الأسرى المحررين من الأراضي الفلسطينية التاريخية التي احتلتها " إسرائيل " عام 1948 ، عناوين لأسرى محررين عانوا معنا آلام السجن وقسوة السجان ، وشاركونا النضال جنبا إلى جنب في مواجهة إدارة السجون ، رحلوا عن الدنيا ولم يرحلُ من قلوبنا .
باقون فينا .. لم ولن يرحلوا .. كحلمنا بالعودة إلى الأراضي الفلسطينية التي احتضنتهم ، ونحبهم كحبنا الأبدي لـ يافا وعكا ، اللد والرملة ، باقة الغربية وحيفا ، عارة والمثلث ، الجليل وكفر قاسم ، الطيبة والطيرة وأم الفحم ،..
وإننا لم نميز يوما ما بين حبنا وعشقنا لتلك المدن وحلمنا بالعودة إليها ، وما بين حبنا وتقديرنا لأبنائها وسكانها ممن تمسكوا بها وأقاموا فوق ترابها ودافعوا عن عروبتها وفلسطينيتها .
كما ولم نُفرق يوماً ما بين أسير وأسير ، فالأسرى قضية جامعة وموحدة غير قابلة للتجزئة أو القسمة ، بغض النظر عن الانتماء أو التهمة ومكان السكن ، وأسرى الداخل هم جزء أصيل من الحركة الأسيرة .
ولأن السجل طويل وعريق فإننا ( لا ) يمكن أن نفصل ما بين الشهداء من الأسرى المحررين ، وما بين أولئك الشهداء مع وقف التنفيذ الذين لا يزالوا قابعين في سجون الاحتلال منذ عقدين وما يزيد ، ويحضرنا هنا شيخ المعتقلين الأسير سامي يونس من عارة ، ووليد دقة من باقة الغربية ومخلص برغال ومحمد زيادة من اللد، ومحمود جبارين من أم الفحم ، والقائمة تطول وتطول .
وما بين الشهداء والشهداء مع وقف التنفيذ ، تنتصب أمامنا قائمة تشمل المئات ولربما الآلاف من الأسرى المحررين والأسيرات المحررات ممن سبق وأن أمضوا فترات متفاوتة وسنوات عديدة في سجون الاحتلال ، والكثيرين منهم تميزوا بعملهم المثابر وعطائهم اللامحدود من أجل الأسرى وقضاياهم العادلة وحريتهم المشروعة رغم المعيقات والمضايقات الإسرائيلية ، ولعل أبرزهم على سبيل المثال لا الحصر الأسير المحرر منير منصور ، قدري أبو واصل ، فراس العمري ، غسان وسرحان عثامله , سناء سلامة ، سحر عبدو ووردة بكراوي .
واليوم وبمناسبة تأبين الشهيد الأسير المحرر " شوقي سعيد الخطيب " من كفر حنا بالجليل ، والذي رحل عنا قبل بضعة شهور بعد صراع مرير مع مرض السرطان ، أسجل عجزي وفشلي في اختيار ما يُليق ولو بالحد الأدنى من الكلمات بهذا المناضل العريق ، الذي كان من رواد الحركة الوطنية منذ الستينات ، وتميز خلال فترتي أسره ( الأولى والثانية ) في السجون الإسرائيلية والتي امتدت لقرابة ستة عشر عاماً ، بالصلابة والقوة ، فيما وبعد تحرره كان أحد أبرز النشطاء في جمعية أنصار السجين ورعاية أهالي الأسرى في الداخل .
نعم .. إنه لشرف عظيم لي ولأي إنسان الكتابة عن الشهداء عموماً ، لكن حقيقة من الصعب أن تَكتب عنهم ، ومن المستحيل أن تفي الشهداء الأسرى حقهم ، أولئك الذين استشهدوا داخل السجون أو بعد تحررهم .
والشهيد الأسير المحرر " شوقي الخطيب " أبو أمل " " هو واحد من هؤلاء الذين يُستحال إيفائهم حقهم ، كيف ( لا ) ، وهو أحد مؤسسى التنظيم العربي اليهودي ، وهو من القلائل الذين نجحوا في استقطاب يساريين من الوسط اليهودي في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة ، وهو أحد مؤسسي الرابطة العربية لأسرى الداخل ، بجانب سيرته النضالية واستقامته والتزامه بقضايا شعبه وبمواقفه الوطنية .
" شوقي الخطيب " .. فقدناك رجلاً وطنياً صادقاً ، وسنداً قوياً للأسرى عموماً ولأسرى الداخل خصوصاً .. فقدناك ولم نفقد البوصلة ، وسنبكيك فقيداً وشهيداً ،..
شهيداً حياً في قلوبنا لم ولن تمت .. رحلت ولم ترحل ذكراك ، فهي باقية فينا .
وبهذه المناسبة لا يسعني إلا أن أجدد موقفي الثابت بأن أسرى الداخل هم جزء وجزء أصيل ( لا ) يتجزأ من الحركة الأسيرة ، وأن أية صفقة تبادل يمكن أن تتجاوزهم أو تقفز عنهم ، هي صفقة مرفوضة فلسطينياً، وأن معيار نجاح الصفقة مرتبط بشكل أساسي بمدى شمولها لأسرى الداخل لا سيما القدامى منهم ، وأن مدى تمسكنا كفلسطينيين بتحريرهم يعكس مقدار تمسكنا بتحرير يافا وحيفا والرملة ، وأظن أن الفصائل الآسرة لـ " شاليط " لن تخذلهم .
عبد الناصر فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
0599361110
Ferwana2@yahoo.com
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان
غزة- فلسطين
22مايو 2011