أسرى في عمق صحراء النقب

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

22 تموز 2021

 

لم تكتفِ دولة الاحتلال الإسرائيلي بما ورثته من سجون عن الانتداب البريطاني عام1948، وما تركته السلطات الأردنية والادارة المصرية من مراكز ومعسكرات بعد هزيمة حزيران عام1967، وما أقدمت عليه من توسيع وتعديل لبعضها وإدخال اضافات جديدة عليها، بما يتلاءم ورؤيتها القمعية وينسجم مع سياستها الاحتلالية. وإنما بدأت مطلع سبعينيات القرن الماضي في تشييد سجون جديدة بمواصفات أكثر قمعا وتشديداً، ومنها: سجن بئر السبع، الذي يُعتبر أولها،  وقد افتتحته في الثالث من كانون الثاني/يناير عام1970. وتبعه افتتاح سجن نفحة في الأول من آيار/مايو عام1980، ويُعتبر ثاني تلك السجون التي تم افتتاحها.

وفي السابع عشر من آذار/مارس عام 1988، افتتح معتقل "أنصار3"، والذي كان بالأساس معسكرا للجيش الإسرائيلي، وقد تم انشاء المعتقل بداخله، والذي يُعتبر من أكبر وأضخم السجون الإسرائيلية، من حيث مساحته الجغرافية وعدد معتقليه. وفي العام2006 افتتحت سلطات الاحتلال سجن "ريمون"، بجوار سجن نفحة.

 

بئر السبع، نفحة، أنصار3، ريمون، هي جزء من سجون إسرائيلية تم بناؤها وتشييدها في عهد الاحتلال الإسرائيلي، وأربعتها تقع في صحراء النقب جنوب فلسطين، ويعيش الأسرى فيها ظروفا صعبة وقاسية، ويتحالف فيها سوء المناخ مع بشاعة السجان فتتفاقم معاناة الأسرى هناك، حيث تضم اليوم بين جدرانها العالية قرابة (2400) اسير فلسطيني، ويشكلون ما نسبته (50%) من العدد الكلي للأسرى في كافة السجون.

 

من المؤكد ان معاناة الأسرى والمعتقلين في كافة سجون الاحتلال تتفاقم مع قدوم فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، خاصة في شهري تموز وآب، وهما الأكثر سخونة، وتتحول زنازين التحقيق أو العزل الإنفرادي إلى أفران، فيما تكون معاناة الأسرى  داخل السجون الواقعة في قلب الصحراء أشد وأقسى، نظراً للطبيعة المتقلبة والقاسية للمناخ الصحراوي في النقب، وقلة سقوط الأمطار وارتفاع درجة الحرارة والتي قد تصل صيفا الى أكثر من 50درجة مئوية، وتنخفض شتاء فتصل الى أقل من 6 درجات مئوية، وهنا قد يطول الحديث عن ذلك، وإن تناولنا مخاطر الحياة هناك وآثارها على صحة وحياة الإنسان، فسنجد أمامنا الكثير من الحقائق المؤلمة، والانتهاكات الفظة والجسيمة. هذا بالإضافة إلى أنها تقع بالقرب من "مفاعل ديمونا" وفي منطقة تُستخدم لدفن مخلفات "المفاعل النووي" ومادة الاسبست التي تؤدي إلى الإصابة بأمراض مسرطنة، وهذا ما حذرت منه مرارا وزارة البيئة الإسرائيلية في تقارير سابقة، وأكدت وجود نفايات سامة في منطقة النقب قد تسبب الإصابة بأمراض خبيثة ومنها السرطان.

 

واليوم ونحن نحتفل بعيد الأضحى المبارك، ونقضي ايامه السعيدة، ونعاني ارتفاعا كبيرا في درجات الحرارة، ولدينا الكثير من الامكانيات والأدوات المساعدة، نستذكر اسرانا كافة، ونضطر لأن نستحضر ذكريات ثقيلة حملتها تلك السنوات التي قضيناها داخل السجون المقامة في عمق الصحراء وطبيعة المناخ فيها، فنستشعر معاناة الأسرى والمعتقلين القابعين هناك في السجون الأربعة في صحراء النقب، ونستشعر كذلك آلامهم وآمالهم.

 

ولعل ما يزيدني وجعا هي تلك الكلمات التي حملتها العديد من رسائل الأسرى التي وصلتني مؤخرا، والتي عكست صورا فردية وجماعية موجعة لآلاف من الأسرى والمعتقلين، فالأسرى يشتكون من صعوبة الظروف وقسوة المعاملة وسوء المناخ وانتشار الزواحف الخطيرة والسامة وسخونة الهواء وشدة الحرارة وشحة الأدوات المساعدة والمخففة للألم أو الواقية لأشعة الشمس ولهيب حرارة تموز.

ان سوء تلك الظروف المناخية وقسوتها في الصيف، تفاقم من معاناة الأسرى هناك، وتترك آثارا صحية خطيرة على أوضاعهم الصحية، وتسبب لهم العديد من الأمراض في ظل تدني الرعاية الصحية واستمرار سياسة الاهمال الطبي، ومنها: ضربات الشمس والجفاف وأمراض الجلد والإعياء الحراري ونزيف الأنف (الرعاف)  وبعض متاعب القلب المفاجئة التي تحدث لأول مرة، وغيرها.

 

ان أكثر من عشرين أسيرا سقطوا شهداء في تلك السجون الأربعة التي تقع في صحراء النقب جنوب فلسطين، ومئات آخرين تسببت لهم الحياة هناك بكثير من الأمراض أو الاعاقات الجسدية أو الحسية، فيما تؤكد العديد من الدراسات أن الأمراض المزمنة والمستعصية والتي ظهرت وبدأت تظهر على الأسرى المحررين لها علاقة بصورة دالة إحصائياً بخبرة السجن وجراء ما تعرض له المحررين خلال فترات سجنهم، لذا ننصح كافة الأسرى المحررين بضرورة اجراء الفحوصات اللازمة فور خروجهم من السجون للتأكد من خلوهم من الأمراض، أو لمعالجتهم من الأمراض التي تظهر عليهم قبل أن تستفحل في أجسادهم وتكون سببا لوفاتهم كما حصل مع المئات من الأسرى المحررين.

 

ويبقى الصيف ضيفا ثقيلاً على أولئك الأسرى القابعون في عمق صحراء النقب