عبد الناصر فروانة.. حقوقي فلسطيني ينذر نفسه للدفاع عن الأسرى في سجون الاحتلال

 

 

الجزيرة نت -22-1-2020

لم تفت سنوات السجن الست التي أمضاها الأسير المحرر عبد الناصر فروانة (52 عاما) نهاية القرن الماضي بسجون الاحتلال في عضده، ليخرج من سجنه عام 1994 أكثر قوة وإيمانا بقضيته الوطنية ويتبنى قضية الدفاع عن الأسرى ليصبح لاحقا باحثا متميزا في شؤونهم.

أصبح فروانة مؤسسة متنقلة ليتفرغ بشكل كامل للدفاع عن الأسرى، بعد أن كان واحدا منهم شعر بمعاناتهم وعاشها هو وشقيقه الأصغر جمال ووالدهما، وأمهما التي كانت تتكبد معاناة الزيارة لهم.

كان يعرف منذ البداية أن طريقه لن يكون محفوفا بالورود وذلك لأهمية القضية التي يتبناها ومكانتها وشراسة السجان وتعامل الاحتلال معها، فهو من تنقل مع أمه من سجن إلى آخر قبل أن يتجاوز الثالثة من عمره، حيث كان يزور والده الذي اعتقل لأكثر من 15 عاما، فعرف السجون قبل أن يعرف رياض الأطفال، وجلس على مقاعد الزيارات قبل أن يجلس على مقاعد الدراسة، فكبر وكبرت بداخله قضية الأسرى، قبل أن يتحول بدوره إلى أسير.

لم يحدث ذلك له ولأبيه فقط، بل حدث مثل ذلك لأخيه الأصغر جمال الذي أبصر النور بعد اعتقال والده عام 1970 ببضعة أشهر حين اعتُقل وهو تلميذ في سن الطفولة لسنوات سبع ليجمع بينهما السجن دون أن يلتقيا.

 

تجربة الأسر

ويقول فروانة للجزيرة نت، "لقد اعتُقلنا سويا أنا وأخي جمال، وفي سجون متباعدة المسافة، ولسنوات طويلة، فبعدما كنا نتنقل برفقة الوالدة، لزيارة الوالد في هذا السجن أو ذاك، أصبحت الوالدة تتنقل بصحبة والدنا لزيارتي في هذا السجن تارة، وزيارة أخي جمال في ذاك السجن تارة أخرى".

 

وتابع أن "الأمور تغيرت وانقلب الحال، فالوالد الأسير أصبح زائرا، والصغار كبروا وأصبحوا أسرى، والسجون بقيت على حالها، والوالدة باتت تحفظ أسماء السجون ومواقعها، وكانت زائرة دائمة التردد على السجون طوال ربع قرن دون انقطاع". 

واليوم تغيرت الحال لكن الذكرى ما زالت عالقة، إذ يقول "اليوم، وبعد مرور عقود طويلة، ما زالت الصور عالقة في ذهني، وكلما سمعت أو كتبت شيئا عن الأسرى وأبنائهم ومعاناتهم، اضطررت لاستحضار تجربتي الشخصية، لهذا تجدني أشعر بالألم، وكلما شعرت بالألم، ازددت إصرارا على المضي قدما لبذل مزيد من العمل من أجل الحرية، ومع حرية الأسرى نقرأ فجر حرية الوطن".

 

عهد الأسرى

وعن عهد قطعه على نفسه بالدفاع عن قضية الأسرى لإحساسه الذي لا ينقطع بآلامهم وآمالهم، يقول "هذا الإحساس يدفعني دوما للالتصاق أكثر بقضية الأسرى، فأخذت عهدا على نفسي بالاستمرار في دعمهم وهذا ما حصل فور تحرري المرة الأخيرة من السجن منتصف عام 1994، وكنت واحدا من اللجنة التي قادت أسبوع التضامن المميز الذي نظم في قطاع غزة، دعما وإسنادا للأسرى وشارك فيه عشرات الآلاف من المواطنين الفلسطينيين".

وأوضح فروانة أنه اعتمد في عمله خبيرا ومدافعا عن الأسرى على تجربته الخاصة وخبرته ناشطا مختصا في شؤون الأسرى ومتابعته الشخصية وبحثه المتواصل وكتاباته المستمرة، إضافة إلى ما راكمه عبر موقعه الشخصي (فلسطين خلف القضبان) الذي أنشأه خصيصا عام 2004 لهذه القضية بمبادرة ذاتية.

واعتبر أن عمله في وزارة الأسرى والمحررين منذ تأسيسها والتي أصبحت الآن هيئة شؤون الأسرى وتوليه رئاسة وحدة الدراسات والتوثيق جعله يكتسب تجربة مهنية إضافية.

وكتب فروانة المئات من المقالات والتقارير والبيانات والعديد من الدراسات حول الأسرى، ولعل أبرزها كتاب "الأسرى الفلسطينيون.. آلام وآمال" الصادر عن جامعة الدول العربية في عام 2015، وشارك في كثير من المؤتمرات واللقاءات العربية والدولية حول قضية الأسرى.

 

تطوير الخطاب الإعلامي

وبعد هذه السنوات الطويلة ومع تصاعد الهجمة على الأسرى، وجد فروانة أنه من الضروري تطوير الخطاب الإعلامي بهدف كسر العزلة عن الأسرى ورفع الوعي بقضيتهم والتأثير على الرأي العام العالمي وخلق حالة من الاصطفاف حول قضيتهم العادلة، فكان أن لجأ أخيرا إلى أن يكتب أحد بياناته بـ 12 لغة لتطوير الخطاب بشكل فردي وبمبادرة ذاتية، ليصل لأوسع نطاق دولي ولإطلاع العالم على حجم الانتهاكات بحق الأسرى، نظرا لأهمية اعتماد لغات غير العربية والإنجليزية من الناحية الإعلامية والقانونية.

وقال إن دولة الاحتلال تسعى لأن تعزز روايتها وتقدم الأسرى للعالم على أنهم قتلة ومجرمون وإرهابيون لا يستحقون الحياة، لكنهم بالمقابل يعتزون بهم باعتبارهم مناضلين من أجل الحرية، لما قاموا به من عمليات فدائية تندرج في إطار حقهم وواجبهم في مقاومتهم المشروعة للاحتلال التي أقرتها جميع الشرائع والمواثيق الدولية.

 

الرواية الفلسطينية بكل اللغات

وأضاف أن علينا تعزيز الرواية الفلسطينية التي تستند إلى الحق التاريخي والحق الإنساني والقانوني، فهذا الأمر يحتاج لكثير من الجهد، وهذه مسؤولية الجميع، حيث إن هناك ترابطا وثيقا ما بين الإعلام وحقوق الإنسان، وأن حقوق الأسرى الإنسانية تحتاج إلى دعم إعلامي متواصل بكل اللغات.

وقال فروانة إن العالم لم يعرف يوما قوة ذات تأثير أعظم مما يتمتع به الإعلام في زماننا هذا، وإنه ليس هنالك من انتصار لأية قضية مهما كانت درجة عدالتها دون إعلام قوي.

وقضايا حقوق الإنسان هي من القضايا ذات القيمة الفائقة التي تتدخل في جزئيات وتفاصيل حياة الفرد وأمنه وحريته الشخصية وتطور المجتمع الذي ينتمي له ويحيا بداخله، فما من جانب من جوانب حياة الأسرى، إلا وهو مرتبط ارتباطا وثيقا بحقوق الإنسان.

لذا كان لزاما علينا التحرك باتجاه المجتمع الدولي ومؤسساته والرأي العام باللغة التي يفهمونها لإطلاعهم على حجم الانتهاكات والجرائم الإنسانية اللتين ترتكبهما سلطات الاحتلال بحق الأسرى في سجونها.

 

وأضاف فروانة أن هذا المجتمع الذي يتشدق بحقوق الإنسان ويتغنى بمبادئها، عليه أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والقانونية، وأن يعمل على حماية القانون الدولي، ويصون الاتفاقيات الدولية التي تُضرب بعرض الحائط من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي.

كما عليه أن يتخذ الإجراءات بما يضمن تطبيقها وتنفيذها على جميع شعوب العالم، دون تمييز وتسييس وبعيدا عن ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين والانتقائية.

وشكر فروانة كل الأصدقاء الذين أسهموا في ترجمة بيانه من اللغة العربية إلى لغات متعددة (11 لغة)، بدءا بالإنجليزية والروسية والرومانية والدانماركية، ومرورا بالفرنسية والبلغارية والتركية، ووصولا إلى النرويجية والسويدية والألمانية والهولندية، مشيرا إلى أنه سيعمل لاحقا على ترجمة بياناته بلغات أخرى.

 

المصدر : الجزيرة

https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2020/1/21/%d8%ad%d9%82%d9%88%d9%82%d9%8a-%d9%81%d9%84%d8%b3%d8%b7%d9%8a%d9%86%d9%8a-%d9%8a%d9%86%d8%b0%d8%b1-%d9%86%d9%81%d8%b3%d9%87-%d9%84%d9%84%d8%af%d9%81%d8%a7%d8%b9-%d8%b9%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%b1%d9%89?fbclid=iwar3ubojnuzw3t9mwikshv0nhn4bslmsp-m7jioslvo48sjjxan7wmu2z_v0