فلسطين خلف القضبان www.palestinebehindbars.org
|
21-11-2009
عقب عدم مصادقة المحكمة العليا على قانون خصخصة السجون
فروانة : إدارة السجون تتنصل من مسؤولياتها تجاه الأسرى وتتهرب من توفير احتياجاتهم الأساسية
غزة 21-11-2009- أكد الأسير السابق ، الباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة اليوم ، بأن قرار المحكمة العليا الإسرائيلية بإبطال تعديل قانوني يسمح بإقامة سجون تديرها شركات خاصة ، لا يعني إلغاء فكرة خصخصة السجون ، أو وضع حد للإجراءات والقوانين التي تتخذ داخل السجون و تصب في اتجاه تطبيقها ولو جزئياً ، أو أن مبررات عدم المصادقة كما ساقتها المحكمة العليا في قرارها ستؤدي إلى إلزام إدارة السجون لاحترام حقوق الأسرى الأساسية وكرامتهم وحرياتهم الشخصية ، وبالتالي سيضع حداً لتنصلها من مسؤولياتها تجاه الأسرى وتهربها من التزاماتها بتوفير احتياجاتهم الأساسية .
جاءت تصريحات فروانة هذه ضمن تقرير أصدره اليوم عقب اتخاذ المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً يوم الخميس الماضي ( 19-11 ) يقضي بإلغاء التعديل القانوني الذي أجراه الكنيست على أنظمة السجون عام 2004 ، واتخذ القرار بأغلبية 8 أعضاء من الهيئة القضائية التسعة برئاسة القاضية دوريت بينش، ويقضي بإلغاء قانون خصخصة السجون الذي يسمح بإنشاء سجون تديرها شركات خاصة وعدم السماح بافتتاح سجن شيد حديثاً في بئر السبع لهذا الغرض .
وجاء في قرار المحكمة, إن إقامة سجن خاص كهذا يعمل لكسب الربح يشكل مساً خطيراً بحقوق السجناء وكرامة الإنسان والحريات الشخصية وان تعديل القانون يتنافى مع القانون الأساسي الخاص بكرامة الإنسان وحريته.
نص القرار لا يعكس حقيقة واقع الأسرى في السجون ...
وأوضح فروانة بأن المتلقي لنص ومضمون قرار المحكمة وغير متابع لأوضاع الأسرى في سجون الإحتلال سيستنتج بدون شك بأنها محكمة مستقلة تتبع لجهاز قضائي نزيه ، وأنها حريصة على حقوق الأسرى وتوفير مستلزماتهم الأساسية ، وكأنهم – أي الأسرى - يتمتعون بحصانة تكفل لهم حياة كريمة يحصلون فيها على حقوقهم كاملة وضمان عدم المساس بها أو بحرياتهم الشخصية وأن المحكمة لن تسمح بالمساس بتلك الحقوق ، حسب ما ورد في نص القرار .
الإدارة تنصلت من مسؤولياتها ...
وفي هذا الصدد أكد فروانة بأن واقع الأسرى في سجون الإحتلال على العكس من ذلك تماماً ، فالحقوق تُسلب ، والحريات تُنتهك ، والكرامة تُداس ، والمواثيق الدولية تُضرب بعرض الحائط ، والحياة سيئة بكل معنى الكلمة ، والانتهاكات طويلة ولا حصر لها ، وأن كافة المعطيات والشواهد تؤكد بأن أن إدارة السجون عمدت منذ سنوات على اعتماد " الخصخصة " بشكل جزئي وغير معلن في تعاملها مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ، و اتخاذ خطوات عملية تقضي بتنصلها وتهربها من تقديم الخدمات الأساسية للأسرى من مأكل ومشرب وسجائر وملبس وأغطية وأدوية وعلاج ومواد وأدوات التنظيف ..الخ ، وتهربها من تحمل مسؤولياتها تجاه الأسرى ومن الأعباء الاقتصادية التي من المفترض أن تتحملها .
والسجون تحولت فعلياً لأسواق ربحية ..
والأدهى كما يعتقد فروانة تحويل السجون لأسواق تجارية ربحية يُجبر فيها المشترين ( الأسرى والمعتقلين ) على شراء ما يُعرض عليهم من ( مقصف السجن ) أو ما يُعرف " بالكانتينا " ، وبأسعار باهظة الثمن توازي الأسعار المعروضة في أرقى المحال التجارية ، سعياً لجني مزيداً من الأرباح ، والاستفادة من ملايين الدولارات التي تقدمها وزارة الأسرى والمحررين لسد احتياجات الأسرى ، أو من قبل ذوي الأسرى لأبنائهم المعتقلين .
السير باتجاه استمرار الاحتجاز والاعتقال ..
وأشار فروانة بأن هذا الوضع قد يقود سلطات الإحتلال إلى استمرار احتجاز الآلاف والسعي لاعتقال المزيد من المواطنين الفلسطينيين ، طالما أن ذلك لا يشكل عبئاً اقتصادياً عليها ، ولربما ستتفق معها الشركات الخاصة التي تدير مقاصف السجون " الكانتينات " ، ومن الممكن أن يقود ذلك في وقت لاحق إذا ما استمر على هذا الحال إلى تحول السجون لواحة من التنافس فيما بين الشركات الخاصة.
" الكانتينا " حق ولكن ؟
وبيّن فروانة بأن الأسرى في سجون الإحتلال ناضلوا طويلاً من أجل السماح لهم بشراء بعض الاحتياجات من مقصف السجن " الكانتينا " ، كحق من حقوق الأسرى نصت عليه اتفاقية جنيف ، ومن الضروري الاستفادة من هذا الحق ، وسُمح لهم بذلك منتصف الثمانينات ، وتنص المادة ( 28 ) من الفصل الثاني من اتفاقية جنيف الرابعة على أن ( تقام مقاصف " كنتينات " في جميع المعسكرات، يستطيع أن يحصل فيها الأسرى علي المواد الغذائية، والصابون، والتبغ، وأدوات الاستعمال اليومي العادية، ويجب ألا تزيد أسعارها علي أسعار السوق المحلية، وتستخدم الأرباح التي تحققها مقاصف المعسكرات لصالح الأسرى، وينشأ صندوق خاص لهذا الغرض، ويكون لممثل الأسرى حق الاشتراك في إدارة المقصف وهذا الصندوق ) .
يدفع الأسرى ثمن اقامتهم والخدمات المقدمة لهم ..
إلا أن ذلك كما يقول فروانة لم يُحدث ، بل ومع الوقت وتدريجياً تحول هذا الإنجاز إلى عبئ اقتصادي يُثقل كاهل الأسرى وذويهم ، حيث أجبر الأسرى تدريجياً على الاعتماد الكلي على الكنتينا في كل شيء بعد تنصل وتهرب إدارة السجون من تقديم أي شيء ، وأصبح الأسرى يبحثون في " الكانتينا " عما تمتنع من تقديمه إدارة السجن أو عما ترفض إدخاله عن طريق الأهل ويُجبرون على شرائه لسد النقص في احتياجاتهم ، مما جعلهم وكأنهم نزلاء فنادق أو رواد مطاعم يدفعون ثمن إقامتهم والخدمات المقدمة لهم وثمن ما يتناولوه من احتياجات أساسية .
يجب إشراك الأسرى أولاً ...
ويضيف فروانة بأن " كانتينا " السجن كانت تحوي في بدايتها منتصف الثمانينات على نحو 20 صنفاً من المواد الأساسية فقط ، فيما تحوي الآن على أكثر من ( 1000 ) صنف من السلع الأساسية والكماليات ، وهذا له ايجابياته وسلبياته ، ولكن أي نقاش حول هذا الموضوع يجب أن يتم أولاً على قاعدة إجبار إدارة السجون للإيفاء بالتزاماتها تجاه الأسرى وتوفير احتياجاتهم الأساسية ، وثانياً الحفاظ على " الكانتينا " كحق ، و توفير ما يمكن توفيره للأسرى وابحث عن سبل دعمهم مادياً بهدف تحسين شروط حياتهم ، على أن يتم ذلك بالتنسيق والاتفاق مع الأسرى داخل السجون أولاً وقبل كل شيء ، ومن ثم ذويهم والمؤسسات الفاعلة والمعنية بقضاياهم وحقوقهم ، حتى نضمن نتائج ايجابية تصب في مصلحة الأسرى وتحسين ظروفهم المعيشية .
" خصخصة السجون " فكرتها بدأت بداية التسعينات ...
وذكر فروانة بأن فكرة " خصخصة السجون الإسرائيلية " قد بدأت بداية التسعينات في الأوساط السياسية الإسرائيلية دون إقرار قانون خاص يُجيز ذلك ، فيما نضجت الفكرة وأقرت رسمياً في الكنيست الإسرائيلي الـسادس عشر وذلك في مارس/آذار 2004 .
وأضاف فروانة أنه وبموجب هذا القرار تم تصحيح للأمر رقم 28 الخاص بالسجون ( 2004-5764 ) ، حيث تم إضافة البند ج2 إلى أنظمة السجون المعمول بها في دولة الاحتلال، وبموجب ذلك كان يفترض أن يتم تحويل كافة السجون من القطاع العام إلى القطاع الخاص ، ولكن هذا القانون أثار انتقادات من قبل بعض المؤسسات الحقوقية التي قدمت التماسات للمحكمة العليا ضد الخصخصة ، ولكن القضاة امتنعوا في حينه عن إصدار أمر احترازي بوقفه أو إلغائه ، مما ترك الباب مفتوحاً على مصراعيه لتطبيقه من قبل السلطات الإسرائيلية من خلال منظومة واسعة من الإجراءات والشروع الفعلي بمواصلة بناء السجن .
وفي العام 2005 أصدرت " إسرائيل " عطاءات لإقامة سجن خاص وقد نُشرت المناقصة الأولى لخصخصة السجن المذكور ، وهذه المناقصة كانت قد رست على شركة " أفريكا يسرائيل م.ض"، التابعة للملياردير الإسرائيلي ليف ليفاييف، والتي أنجزت المناقصة بالكامل بعدما حصلت سابقاً على الضوء الأخضر من الحكومة، ، وفي مارس / آذار الماضي أبلغت الشركة المحكمة العليا بأنها أنهت بناء السجن - بخلاف ما نشر أول أمس بأن الأعمال لإقامته لم تبدأ بعد – وأنها جاهزة لاستقبال سجناء فيه وكان من المتوقع أن يشهد نيسان/ ابريل الماضي 2009 افتتاح السجن المذكور في منطقة بالقرب من بئر السبع ويشمل ( 800 سرير ) كجزء من التجربة الجديدة ، إلا أن المحكمة العليا آنذاك أصدرت قراراً احترازياً مؤقتاً يحظر على دولة الإحتلال وعلى صاحب الامتياز تشغيل السجن المذكور حتى إصدار قرار المحكمة في هذا الشأن .
لماذا تأخرت المحكمة العليا في البت بالقضية ؟
وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على قرار الكنيست أصدرت المحكمة العليا قراراً نهائياً بتاريخ ( 19-11 ) بأغلبية 8 من أعضاء الهيئة القضائية التسعة برئاسة القاضية دوريت بينش ، يقضي بإلغاء التعديل القانوني الذي أجراه الكنيست على أنظمة السجون والذي يتيح خصخصة السجون وبناء سجون خاصة وعدم السماح بتشغيل السجن المذكور ، في وقت يطالب فيه أصحاب السجن بتعويضهم ، لاسيما وأنهم حصلوا على المناقصة والضوء الأخضر للبناء من الحكومة الإسرائيلية ، وربما هذا ما يُفسر تأخير المحكمة العليا في البت بالقضية لحين الانتهاء من بناء السجن ، والذي من الممكن أن ينتقل في نهاية المطاف إلى مصلحة السجون ليكون سجناً آخر لديها بظروف جديدة ، وهنا يتجلى أحد مظاهر تواطؤ القضاء مع الجهات السياسية والأمنية .
مناشدة ..
وفي هذا الصدد ناشد فروانة كافة المؤسسات الحقوقية والإنسانية ، لاسيما الدولية وفي مقدمتها منظمة الصليب الأحمر إلى تحمل مسؤولياتها الأخلاقية والإنسانية والقانونية تجاه الأسرى والمعتقلين في سجون الإحتلال الإسرائيلي ، والعمل الفوري والعاجل من أجل إجبار حكومة الإحتلال على توفير احتياجات الأسرى وحقوقهم الأساسية وفقاً لما تنص عليه المواثيق والإتفاقيات الدولية وفي مقدمتها حق المأكل والملبس والعلاج وغيرها من الحقوق الأساسية .