حرية الأسرى لن تتحقق بقرار إسرائيلي ..!
بقلم/ عبد الناصر عوني فروانة
أسير محرر وباحث مختص بشؤون الأسرى
20-9-2018
إن الحق الذي لا يستند إلى قوة تحميه فهو باطل في شرع السياسة والقانون، وأن من يراهن على القضاء الإسرائيلي في تحقيق العدالة الإنسانية للفلسطينيين -بغض النظر عن مكان سكناهم أو الجنسية التي يحملونها- فهو "واهم". وان من يعتقد بأن المحاكم الإسرائيلية على اختلاف مسمياتها يمكن أن تنتصر للأسرى الفلسطينيين وتلبي لهم مطالبهم الإنسانية وتوفر احتياجاتهم الأساسية، فهو "مخطئ". ومخطئ كذلك كل من يظن أنه ومن خلال القضاء الإسرائيلي وعبر المحاكم متعددة الأسماء، واللجان المختلفة، يمكن أن يُكسر حكم المؤبد وأن ينعم الأسرى بالحرية. فحرية الأسرى ولاسيما ذوي الأحكام العالية تُنتزع ولا توهب. وحتى تُنتزع لابد من قوة تسندها، قوة المفاوض أو المقاوم، وما دون ذلك مجرد هراء.
إن تاريخ القضاء الإسرائيلي جائر وظالم وأداة لقهر الفلسطيني، ومسيرته حافلة بالقرارات التعسفية التي تشرعن التعذيب والقهر وهدم الذات وتشويه مستقبل الشعب الفلسطيني، ولا يهدف إطلاقا إلى تحقيق الحد الأدنى من العدالة للفلسطينيين، بقدر ما هو متواطئ في تغطية الانتهاكات والجرائم الفظيعة التي تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني. ولم يكن ذاك القضاء يوما مضى، عادلاً ونزيهاً أو مستقلاً حينما يتعلق الأمر بالفلسطيني، بل وعزز أيضاً التمييز العنصري على خلفية العرق والجنس والمعتقدات السياسية حتى طال تمييزه الفلسطينيين الذين يحملون الهوية الإسرائيلية ويقطنون داخل حدود دولة الاحتلال. كما ولن يكون في يوم آتٍ، بخلاف ذلك. فهو أداة من أدوات الاحتلال ويحتكم في عمله إلى توجيهات الجهات السياسية، ويستند في قراراته إلى أوامر الأجهزة الأمنية وقراراتها.
والمحاكم الإسرائيلية كافة سبق واصدرت آلاف الأحكام الجائرة والقاسية بحق الفلسطينيين، وأن ما تُسمى محكمة العدل العليا لم تنتصر يوما لأي منهم، وهي بكافة مركباتها ومسمياتها، جزء من ذاك النظام القضائي الذي يوظفها لتمرير سياساته العنصرية وترجمة توجهاته الانتقامية وقراراته التعسفية. وهي أداة بيد السياسيين والعسكريين والأمنيين الإسرائيليين الذين يتفننون في تشريع القوانين ويتلذذون على تعذيب الفلسطينيين. لذا فلا غرابة في قراراتهم الظالمة وقوانينهم العنصرية، ولا استهجان من الأحكام القاسية الصادرة عن المحاكم العسكرية، ولا مفاجأة في مصادرة ادارة السجون لأبسط الحقوق الإنسانية التي من المفترض أن يتمتع بها المعتقل بشكل طبيعي، كالحق في العلاج وزيارة الأهل مثلاً. لهذا لم أتوقع يوماً من المحكمة العليا، أو من اللجان المختلفة التي تشكلها حكومة الاحتلال وأذرعه الأمنية، أن تنتصر يوماً للأسرى الفلسطينيين عموما ولذوي أحكام المؤبد خصوصاً.
ان ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام القليلة الماضية عن تشكيل لجنة من جيش الاحتلال للنظر في أحكام المؤبد التي سبق وصدرت بحق الأسرى الفلسطينيين وتحديد مدة السجن، مع إمكانية تخفيضها، هي رسالة موجهة بالدرجة الأولى للأسرى القابعين في السجون والمحكومين بالسجن المؤبد بهدف الضغط عليهم والنيل من إرادتهم، ومحاولة إسرائيلية لابتزازهم والتأثير عليهم وعلى مواقفهم، في إطار الحرب النفسية التي تشنها إدارة السجونمنذ بضع سنوات والتي تستهدف الأسرى عموماً وقيادات الحركة الأسيرة وذوي الأحكام العالية خصوصاً.
وكما قلنا آنفاً فان محاكم الاحتلال قوامها الظلم، وان كافة اللجان الاسرائيلية التي شكلت لم تهدف يوما الى التخفيف من معاناة الاسرى الفلسطينيين او تحقيق العدالة الانسانية، وانما اهدافها اسرائيلية ذات ابعاد مختلفة. لذا فان (538) اسيرا يقضون أحكاما بالسجن المؤبد، وممن سينضمون اليهم لاحقا، لن يُكسر قيدهم بقرار إسرائيلي، ولن ينعموا بالحرية استنادا للفتات انسانية تقدمها حكومة الاحتلال.
وفي هذا السياق وفي أكثر من مناسبة قلنا: بأننا لا نعول على القضاء الإسرائيلي وما يمكن أن يتمخض عن اللجان الإسرائيلية ذات الصلة، وان كل من يتابع الشأن الإسرائيلي يدرك جيدا حجم الارتباط الوثيق ما بين القضاء والمؤسسة العسكرية ونتائج اللجان الأمنية. كما وأن كل مهتم بقضايا الأسرى يعي جيدا طبيعة الاحتلال في تعامله مع الأسرى. هذا الاحتلال الذي لا يقيم وزناً للقوانين الدولية أو للقضايا الإنسانية. الأمر الذي هو بحاجة إلى تطوير آدائنا والارتقاء بمستوى خطاباتنا والبحث عن عوامل مؤثرة وأدوات ضاغطة تُقربنا خطوة نحو ملاحقة الاحتلال ومحاكمة رموزه على ما اقترفوه من جرائم بحق الأسرى.
ان غياب ما يُسمى في عالم اليوم، بالعدالة الدولية، في ملاحقة الاحتلال ومحاكمة عناصره المجرمة، واستمرار الحالة على ماهي عليه اليوم، جعلت من دولة الاحتلال تتصرف على أنها فوق القانون ومحمية من الملاحقة والعقاب، بل وسعت إلى ترسيخ ثقافة "الإفلات من العقاب"، ليس فقط لمن يعملون في الأجهزة الأمنية وإنما أيضاً لدى كل الإسرائيليين، مما شجعهم على التمادي في سلوكهم الشاذ والعنصري وارتكاب المزيد من الجرائم دون رادع.
إن الحق الذي لا يستند إلى قوة تحميه فهو باطل في شرع السياسة والقانون، وحري الأسرى، حق مشروع، يُنتزع ولا يوهب،بقوة المفاوض أو المقاوم. وأن بعضا من الأسرى لن ينعموا بالحرية إلا في إطار "صفقة التبادل". ويقولون متى هو. قل عسى أن يكون قريباً