ألف يوم لشاليت  و11300 يوم لعميد الأسرى

 

 

 

* بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

20-3-2009

أرشيف المقالات 

طالعتنا الصحف العبرية الصادرة اليوم الجمعة لاسيما صحيفتي " يديعوت " و" معاريف " بمقالات تحمل عناوين مشابه وذات مضمون واحد تقريباً  " 1000 في الأسر " ، " يوم السبت يحل يوم الـ 1000 على جلعاد شليت في الاسر " .

وتجاهل هؤلاء بأن عميد الأسرى " نائل البرغوثي " يقبع في غياهب السجون الإسرائيلية منذ ( 11300 ) يوم ، وبعد أيام قليلة سيتمم عامه الواحد والثلاثين ، فيما أن مجموع ما أمضاه أقدم خمسة أسرى فلسطينيين هو ( 53540 ) يوم ، أي أكثر من خمسين ألف يوم في ظروف هي الأقسى في العالم .

فما بالكم لو أجرينا حسبة على عشرة آلاف أسير ، أو على الأقل حسبة صغيرة على ( 335 أسير ) معتقلين منذ ما قبل أوسلو وأقل واحد منهم أمضى في سجون الإحتلال الإسرائيلي ( 5430 ) يوم وما فوق .. !.

ويبدو لي أن من كتب حول هذا الموضوع من الإسرائيليين أراد أن يُظهر مدى " المأساة " التي يحياها شاليت في قبضة المقاومة الفلسطينية ويحاول التضخيم منها ، ورسم صورة مأساوية لأوضاع احتجازه ، واعتبار ان فترة أسره قد طالت وبالتالي يجب العمل من أجل استعادته ، ومن جانب آخر أعتقد بأن ذلك قد يكون موجهاً للجمهور الإسرائيلي حاملاً عدة رسائل مفادها ، بأن فترة أسر " شاليت " قد طالت ووصلت لألف يوم ، عجزت فيها " اسرائيل " عن اعادته ، وبالتالي فان لا عودة له إلا اذا دفعت  حكومة " اسرائيل " ثمن ذلك ، بمعنى آخر تهيئة الجمهور الإسرائيلي لصفقة محتمل اتمامها في الأيام القليلة القادمة .

وأنا شخصياً قلت في أكثر من مناسبة بأن فشل اتمام " صفقة التبادل " لم يُحسم أمره ، والإعلان عن الفشل لا يعني بالمطلق استحالة العودة للمفاوضات ، وانما ما جرى بتقديري هو فشل جولة من جولات التفاوض ، أعقبها خطوات اسرائيلية انتقامية كمناورة ومحاولة للضغط والتأثير على الفصائل الآسرة للجندي " شاليت " ، ولن أفاجأ لو طالعتنا الصحف خلال الساعات القليلة القادمة بنبأ استئناف المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى .

بل ولمعطيات كثيرة اذهب في توقعاتي الى أبعد من ذلك ، متوقعاً اتمام صفقة التبادل خلال الإسبوعين القادمين وقبل رحيل " أولمرت " الذي من المرجح أن يبقى فترة اضافية بعدما سيتقدم " نتانياهو " بتمديد فترة تقديم حكومته الجديدة ... .  

وعودة على بدء .. وتصريحات الأمس لوزير العدل الإسرائيلي " فريدمان " التي قال فيها أن اسرائيل قررت عدم التعامل بعد اليوم بانسانية مع السجناء الفلسطينيين والتعامل بالمثل كما هي أوضاع " شاليت " ، وكأن أسرانا يعيشون في فنادق خمس نجوم ويحصلون على كافة حقوقهم الإنسانية ، وتناسى " فريدمان " وغيره من الإسرائيليين بأن الأسرى الفلسطينيين والعرب يعيشون في قبور سُميت بالسجون وتفتقر لأبسط الحقوق الإنسانية  .

ومن كتب في الصحف الإسرائيلية اليوم ، ومن أدلى بتصريحات منهم خلال الأيام الماضية ، قفز عن حقائق ومعطيات كثيرة أهمها :

بأنه اذا كانت معاناة  " شاليت " تتمثل بحرمانه من الإلتقاء بالأهل أو مراسلتهم طوال ألف يوم ، وهوالذي أسر حينما كان ضمن قوات عسكرية مُحتلة جاءت لقطاع غزة على ظهر آليات عسكرية هي الأحدث في المنطقة ، لقتل أبرياء فلسطينيين عُزَّل ، فان الآلاف من المعتقلين الفلسطينيين الذين أعتقلوا وهم يقاومون الإحتلال وأجهزته العسكرية في اطار مقاومة مشروعة تكفلها كل المواثيق الدولية ، محرومين من رؤية ذويهم وأبنائهم منذ آلاف الأيام ، بشكل فردي وجماعي ، ولم نسمع ادانة من وزير العدل " فريدمان " او من المستشار القانوني للحكومة " ميني مازوز " وهو بالمناسبة عضو اللجنة الوزارية الخاصة التي شُكلت مؤخراً لإستحداث أساليب تهدف للتضييق أكثر على الأسرى ، مما يفتح المجال لأن تتحول السجون الى مسارح لجرائم إسرائيلية جديدة .

وما بين الألف يوم لشاليت ، وملايين الأيام لمعتقلينا فرق شاسع جداً ، لا يقارن ، ومأساة لا توصف وحكايات لم تكتب بعد ، وجرائم أرتكبت بحق معتقلينا هي الأبشع على مدار تاريخ السجون في العالم .

ولهذا أعتقد جازماً ، وعلى الإسرائيليين أن يقتنعوا بأن من أفشل اتمام الصفقة ، هي حكومتهم وحدها ولا أحد غيرها ، ولايمكن للفصائل الفلسطينية أو للشعب الفلسطيني أن يقبل بصفقة تبادل وفقاً لشروط إسرائيلية تُبقى هؤلاء القدامى أو جزء منهم في السجون ، أو تستثني منها ذوي المؤبدات وتبقيهم لسنوات أخرى في سجونها ، وعلى من تَفهم معاناة " شاليت " ان يتفهم معاناة آلاف المعتقلين الفلسطينيين التي لا حدود لها .

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "

http://www.palestinebehindbars.org/