الأسير كمال أبو وعر: حياته في خطر

 

*بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

1-11-2020

 

نعود مجددا لنكتب عن معاناة تتفاقم وخطر يتجدد. عن صنوف مختلفة من العذاب تجتمع في جسدٍ واحدٍ، جسدُ مُقيدُ بالسلال وبين جدران شاهقة، وسط سجانين كُثر ومُجردين من الانسانية، في ظروف احتجاز قاسية وبيئة ملوثة. عن أسير مريض أصيب بالسرطان وهو داخل السجن الإسرائيلي، ومع الوقت تدهورت حالته الصحية وباتت حياته اليوم في خطر.

 

وأمام هذه الحالة، يصعب على كاتب متواضع مثلي أن يُعبر عن تلك المعاناة، وأن يرسم بكلمات ذاك الوجع الكبير والألم العميق في بضعة أسطر. هذا حال الأسير كمال أبو وعر. وهذا هو عجزنا أمام هول المشهد وقسوة الحال.

 

فمنذ زمن بعيد والأوضاع الصحية في السجون الإسرائيلية سيئة ورديئة، والاهمال الطبي يُمارس كسياسة وبشكل متعمد. ليس هذا فحسب، وانما هناك استهتار اسرائيلي بحياة الأسرى وأوضاعهم الصحية. الأمر الذي أدى الى تزايد أعداد الأسرى المرضى وتسبب في سقوط المئات منهم شهداء جراء تلك الأوضاع وآثارها المدمرة على حياة وأوضاع الأسرى الصحية.

 

ومع بدء أزمة "كورونا" في المنطقة مطلع آذار الماضي، ناشدنا ومعنا كل الأحرار ودعاة حقوق الإنسان في العالم بالإفراج عن الأسير المصاب بالسرطان "كمال أبو وعر" وكافة الأسرى المرضى وكبار السن الذين يعانون من مشاكل صحية كثيرة وأمراض خطيرة، باعتبارهم الفئات الأكثر عرضة للإصابة بخطر فايروس (كورونا)، مقارنة بالفئات الأخرى. إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لم تكترث لصرخات المُعذبين خلف القضبان، ولم تلبِ –كعادتها- مناشدات الحقوقيين، فأبقت على أجسادهم المنهكة والمصابة بالأمراض مُقيدة في زنازين سجونها المعتمة، وتجاهلت الأمراض التي افترست أجسادهم الضعيفة، ولم تُقدم لهم الرعاية الطبية اللازمة، مما فاقم معاناتهم أكثر فأكثر واستفحل المرض في أجسادهم.

 

وجراء هذا الاستهتار وغياب اجراءات الوقاية والحماية وتدابير السلامة، وشحة مواد التّعقيم والتّنظيف، حصل ما كنا نخشاه وما كنا قد حذرنا منه مرارا، فداهم فايروس (كورونا) أجساد الاسرى الفلسطينيين وأصاب العشرات منهم، بعدما تمكن من اختراق جدران السجون والمعتقلات ودخل الأقسام واصاب الكثير من السجانين والمحققين الإسرائيليين. ومع ذلك لم تشهد السجون أي خطوات جدية من قبل الادارة في أعقاب ذلك، لمعالجة الأمر، ولم تتخذ أية خطوات لتخفيف الاكتظاظ وتقليل الاحتكاك والمخالطة وضمان التباعد الاجتماعي، مما فاقم من معاناة الأسرى ورفع درجة القلق لديهم وعليهم.

 

والأسير كمال أبو وعر هو واحد من عشرات الأسرى الذين أصيبوا بالفايروس القاتل، بل هو من أوائل الأسرى الذين أصيبوا بالفايروس، كان ذلك في تموز الماضي، وبالرغم من اعلان ادارة السجون عن شفائه من كورونا، إلا أنه ما يزال يعاني ويُعاني كثيراً من مرض السرطان.

 

 واليوم (الجمعة) أعلنت هيئة شؤون الأسرى والمحررين- مؤسسة رسمية- في بيان رسمي: "أن الحالة الصحية للأسير أبو وعر تتفاقم بعد اعطائه أولى جلسات العلاج الكيماوي، والتي استمرت لأكثر من 12 ساعة عن طريق جهاز ثبت بالصدر". واضافت الهيئة في بيانها: "أن الأسير يعاني من التعب والإعياء الشديد وفقد القدرة على الكلام ويشعر بصعوبة كبيرة في التنفس، ونقصان حاد بالوزن ولا يستطيع تناول الطعام الا من خلال انبوب خاص موصول بالمعدة، وهناك تخوف حقيقي على حياته كون حالته تعتبر من أصعب وأخطر الحالات المرضية في سجون الاحتلال".

 

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلت الأسير كمال نجيب أمين أبو وعر (46 عاما) بتاريخ 15 يناير2003، وهو من سكان بلدة قباطية قضاء جنين، وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، وأصدرت احدى المحاكم العسكرية الإسرائيلية بحقه حكماً بالسجن المؤبد 6مرات، بالإضافة إلى (50) سنة.

وخلال وجوده في السجن عانى المرض وتعرض للإهمال الطبي ولم يتلقى الرعاية الطبية اللازمة، وفي العام الماضي 2019 كشفت ادارة السجون الإسرائيلية عن ملفه الطبي وأعلنت اصابته بورم سرطاني في الحنجرة، وهو يعاني من تدهور خطير في صحته جراء هذا الورم السرطاني الذي يزداد حجمه بشكل مستمر مع ظهور ورم جديد، في ظل الاهمال الطبي المتعمد وغياب الرعاية الطبية اللازمة والعلاج المناسب، وتصاعد الاستهتار الإسرائيلي بصحة وحياة الأسرى، مما يفاقم من معاناته ويشكل خطراً حقيقياً على حياته.

 

ان الحالة الصحية الخطيرة التي يمر فيها الأسير كمال أبو وعر، بشكل خاص، وتردي الأوضاع الصحية داخل السجون الإسرائيلية، بشكل عام، تستدعي جهداً سياسياً وحقوقياً وقانونياً وفصائلياً وشعبياً واعلامياً، وتدخلاً دولياً لإنقاذ حياة الأسير "أبو وعر" والإفراج الفوري عنه وعن كافة الأسرى المرضى، وحماية الأسرى الآخرين من خطر الاصابة بالأمراض في ظل استمرار وجود الظروف والعوامل المسببة لظهور الأمراض بأنواعها المختلفة.

 

لقد أصبح الإهمال الطبي والاستهتار بحياة الأسرى سياسةً إسرائيلية ثابتة، وبمشاركة أطباء عيادات السجون الذين لا يتلقون توجيهاتهم من أخلاقيات مهنة الطب، وإنما يعملون وفقا لتعليمات أجهزة الأمن التي تقول: إما أن يموت الأسير الفلسطيني فوراً، أو أن يبقى يعاني ويموت تدريجيا، فهو يشكل خطرا على الأمن القومي الإسرائيلي حيا وميتا.

 

عن المؤلف

*عبد الناصر عوني فروانة، اسير محرر، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين وعضو المجلس الوطني الفلسطيني.