الأسرى و المصالحة ..
بقلم / عبد الناصر فروانة
1-12-2011
مخطئ من يعتقد أن الأسرى يعيشون في عالم آخر هو ليس عالمنا ، أو أنهم يحيون في مجتمع منفصل عن مجتمعنا ، أو أن قضيتهم هي ليست جزء من قضيتنا .
صحيح لهم مجتمعهم الخاص ، مجتمع كثيرا ما حلمنا بتشييده خارج الأسر ، مجتمع له مفرداته الخاصة ، ويتميز بعاداته الرائعة ، وتقاليده المميزة ، مجتمع تسوده شبكة علاقات داخلية راقية بالرغم مما قد يبرز من هفوات أو اختلافات وخلافات هنا وهناك والتي سرعان ما يتم تجاوزها .
مجتمع تسوده المحبة والإخوة والوحدة على قاعدة أن التناقض الرئيسي مع الإحتلال الإسرائيلي ممثل بإدارة السجون .
لكنهم جزء ( لا ) يتجزأ من شعبنا الفلسطيني وجزء أصيل وأساسي من مكوناته ، وقضيتهم هي مركزية بالنسبة لنا ومساندتهم وتحريرهم واجب علينا ، وهم امتداد طبيعي لمجتمعنا الفلسطيني ، وهم في المحصلة النهائية بشر يُؤثرون ويتَأثرون ، وأن علاقتهم الداخلية بهذه الدرجة أو تلك تتأثر بالأجواء العامة خارج السجون وعلاقات الفصائل فيما بينها ، .
وبالتالي أخطأ من اعتقد بأنهم خارج هذا السياق ، أو أن " الانقسام " بآثاره المؤلمة وتداعياته الخطيرة ، لن يمتد إلى السجون والمعتقلات ليصل الأسرى ومجتمعهم .
فالانقسام الجغرافي والسياسي والاجتماعي مزقّ الوطن ، وفتت وحدة النسيج الاجتماعي ، وامتد بآثاره ليطال الأسرى ويمس وحدتهم ، والمناكفات والتجاذبات والخلافات السياسية خيمت هي الأخرى على طبيعة العلاقات الداخلية ، كما وأثر على مسيرتهم النضالية ، وأضعف قدرتهم على مواجهة السجان وإدارة السجون وأفقدهم بهذا القدر أو ذاك القدرة على الرد بنفس واحد وصوت واحد ، فتشتت المواقف وتبعثرت الجهود ، ولم نعد نرى إضرابا شاملا يخوضه كافة الأسرى بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية ، على الرغم من أن الحركة الأسيرة هي أحوج ما تكون لهذه الخطوة في ظل تصاعد الإجراءات القمعية بحقهم من قبل إدارة السجون في السنوات الأخيرة .
ومما لا شك فيه أن إدارة السجون اقتنصت هذه الفرصة ولم تفوتها ، فأقدمت على اتخاذ خطوات تغذي هذا الانقسام وتمزق وحدتهم ، كما هي وحدتنا ممزقة ، فاستفردت بهم و فصلت فيما بينهم وفقاً للسكن والانتماء الحزبي ، وقليلة هي الأصوات أو الخطوات التي دعت إلى إنهاء هذا الفصل والمطالبة بالعودة للعيش في غرف أو حتى أقسام مشتركة .
وبسبب الانقسام أغلقت مؤسسات ناشطة في مجال الدفاع عن الأسرى في الضفة الغربية و قطاع غزة ، ، وزج ببعض النشطاء في السجون الفلسطينية ، وألغيت بعض الفعاليات وبرزت مشاهد مؤلمة تعكس واقع الحال أمام مقر الصليب الأحمر بغزة وفي مناسبات ومواقع مختلفة فتشتت الجهود وتقلصت دائرة التضامن ، ولم تعد قضية الأسرى تجمعنا ، كما أن عائلات الأسرى أيضا لم تعد توحدهم معاناة أبنائهم.
لكن ورغم هذه الصورة المؤلمة فأنني أرى بأن انكاسات " الانقسام " على الأسرى هي أقل بكثير من انعكاساته على باقي أبناء الشعب الفلسطيني ، وتأثيراته على مجتمعهم داخل السجون هي أيضا أقل بكثير من تأثيراتها على النسيج الاجتماعي الفلسطيني خارج السجون .
بكل الأحوال " الانقسام " ظاهرة مريرة ، استثنائية في مسيرة الشعب الفلسطيني ، ويجب أن ينتهي دون رجعة ، وأن تطوى صفحته والى الأبد ، فالشهداء والأسرى ناضلوا من أجل وطن واحد ( لا ) من أجل وطن ممزق ، وضحوا بدمائهم وبزهرات شبابهم من أجل شعب واحد ( لا ) شعب يتخاصم فيه الإخوة ويتقاتل فيه المقاتلون ، وأن رسالتهم كانت على الدوام الوحدة الوطنية أولا وثانيا وثالثا .
نعم ... الوحدة الوطنية ، وهم قد استشعروا الخطر مبكراً ، وحذروا مراراً من تداعيات الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني الذي سبق " الانقسام " ، ولأنهم الطليعة والأكثر قراءة للواقع والحاضر والمستقبل ، أصدروا " وثيقة الوفاق الوطني " التي شكلت أساساً قويا للحوار الفلسطيني – الفلسطيني ، ومقدمة مهمة لاستعادة الوحدة الوطنية ، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وخاض مجموعة من الأسرى إضرابا مفتوحا عن الطعام تحت شعار " الأسرى يريدون إنهاء الانقسام " ..
والأسرى كما نحن مؤمنون بأن الوحدة هي الأساس في تحقيق أهدافنا وانتزاع حقوقنا الوطنية المشروعة ، ولولا وحدة الأسرى وصلابة موقفهم ، ووحدة من يقف خلفهم ، خلال العقود الماضية لما استطاعوا أن يغيروا في واقعهم شيئا ، ولما تمكنوا من انتزاع بعض حقوقهم الأساسية ، فيما ومنذ الانقسام تراجعت الخطوات النضالية من جانب ، وصعَّدت إدارة السجون من إجراءاتها القمعية وقوانينها التعسفية من جانب آخر ، مما فاقم من معاناتهم .
ومما لا شك أن صفقة التبادل وتحرر المئات من الأسرى قد أعادت لقضية الأسرى بريقها ومكانتها ، واستعدنا إلى حد ما وحدتنا خلفها ، ولكن يبدو لي أن هذه الوحدة كانت مؤقتة مرتبطة بالحدث وهي آخذه بالتراجع .
ورغم قسوة الظروف وتأثيرات صفقة التبادل على الأسرى داخل سجون ومعتقلات الإحتلال ، إلا أنهم تابعوا وباهتمام لقاء السيد الرئيس محمود عباس " أبو مازن " مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس " خالد مشعل " في القاهرة قبل أيام ، وعقب الإعلان عن نتائج اللقاء أعربوا عن سعادتهم البالغة باللقاء ونتائجه ، وأشادوا بكل الجهود التي بُذلت من أجل إتمام هذا اللقاء ، إن كانت فلسطينية أم عربية مع تقديرهم الخاص لدور الشقيقة مصر .
وهناك أخبار قادمة من السجون تشير إلى أن قادة الحركة الأسرى يعكفون ومنذ فترة على صياغة وثيقة جديدة لترجمة الاتفاق الذي وقع بالقاهرة في مايو / آيار الماضي وتحقيق المصالحة الوطنية .. والسؤال الذي يطرح نفسه .. إذا كانت وثيقة الأسرى قبل خمس سنوات قد شكلت أساسا للحوار الفلسطيني - الفلسطيني ومقدمة مهمة لاستعادة الوحدة الوطنية، فهل نحن بانتظار وثيقة جديدة للأسرى تنهي حالة الانقسام وبلا رجعة وتشكل أساساً لتطبيق اتفاق المصالحة وترجمته على الأرض وتعيد للوطن وحدته وللشعب تماسكه .
أم سيكون للسيد الرئيس وقادة الفصائل رأي آخر يتمثل بعدم الانتظار ، والتقدم بخطوات أسرع إلى الأمام وتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية على أرض الواقع ؟.
أحلم كما يحلم كل فلسطيني غيور على وطنه أن لا يدوم " الانقسام " لأكثر من ذلك ، وآمل أن أنام ذات ليلة وأصحو لأجد حلمي وقد تحقق .
إن سر قوة الشعوب في وحدتها نحو تحقيق أهدافها والتجارب هنا كثيرة ، فلنتوحد من أجل استعادة قوتنا نحو تحقيق أهدافنا المشروعة .