في عيد الأم : وفاءً لأم سمير القنطار بالتبني ..

 

 

سمير القنطار وعبد الناصر فروانة

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

20 مارس / آذار 2011

تشرفت  ذات مرة بلقاء " أم سمير القنطار " في بيتها بقرية عبية في الجنوب اللبناني ، كما وتشرفت بلقاء أم سمير بالتبني " أم جبر وشاح " مراراً في قطاع غزة ، وما بين الإثنتين قواسم عديدة .

فالأولى وبصراحة فاجأتني حين لقائها ، بمعنوياتها العالية و بحجم الإرادة والعزيمة التي تتسلح بها ،  و بكلماتها التي عكست قناعتها الراسخة بحتمية عودة سمير الى حضنها في أية لحظة .. قناعة تأكدت وأمل تحقق بعد انتظار امتد ثلاثين عاماً  .

والثانية " أم جبر وشاح " لا تقل صلابة وعزيمة عن الأولى ، وهي ورغم كُبر سنها تعكس صورة الفلسطيني ، بل العربي الواثق بحتمية الإنتصار والعودة الأكيدة ، الماضي بخطوات واثقة نحو المستقبل المشرق ، المؤمن بشمس الأسرى التي لابد وأن تشرق .

وما بين أم سمير وأم جبر ، ما بين  لبنان وفلسطين ، و قرية عبية بالجنوب اللبناني ومخيم البريج بقطاع غزة ، التقت الأحبة وتلاحمت المشاعر وامتزجت الأحاسيس ، تلاقت التطلعات والأهداف ، وتشابكت الأحلام والآمال .

" أم جبر وشاح " يصعب ايفائها حقها ويُستحال التوفيق في انتقاء الكلمات التي تستحقها .. فهي لم تكن أم لإبنها الأسير الرائع جبر الذي أمضى خمسة عشر عاماً في سجون الإحتلال ، وهي لم تقطع أواصر العلاقة مع الأسرى وجذور الإنتماء لقضيتهم بمجرد تحرر ابنها " جبر " منتصف التسعينيات ، ولا حتى بعد تحرر ابنها بالتبني " سمير القنطار " فانتمائها لقضية الأسرى فاق كل التوقعات ، فتجاوز حدود الخاص الى العام ، وانتقل من المرحلي الى الإستراتيجي ، فكان انتمائها أبدي ومصيري ، رغم تجاوزها السبعين عاماً من العمر ، لتؤكد حقيقة  بأنها ليست أم لجبر وسمير فحسب ، بل هي أم لكل الأسرى الفلسطينيين والعرب ...

واذا كان نائل البرغوثي  يُعتبر اليوم عميد الأسرى الفلسطينيين ، وصدقي المقت عميداً  للاسرى العرب والشهيدة دلال المغربي " عميدة الشهيدات " فان أم جبر وشاح هي عميدة أمهات الأسرى عموماً .

" عميدة أمهات الأسرى " ، " أم الأسرى " " ناطقة باسم الأسرى " ، ألقاب كثيرة حصلت عليها ، ولم تنلها مجاملة لإبنيها جبر وسمير .. وانما لأنها استحقتها عن جدارة وتستحق أكثر من ذلك بكثير ، ومن حق أبنها التي أنجبته وأرضعته أن يفخر بها ، ومن حق  سمير أن يفخر بأمه التي لم تلده ، فمن لم يعرف أم جبر ، لا يعرف ولم يسمع من قبل عن معاناة أمهات الأسرى ونضالاتهن وصمودهن وحكاياتهن المريرة ، ومن حق شعبنا بأن يفخر بأن لديه " أم جبر " والعشرات بل المئات من أمثالها ..

" أم جبر وشاح " بدأت حكايتها مع السجون منذ قرابة ثلاثة عقود من الزمن  ، ومن قبلها مع الثورة والثوار ، فتتقلت من هذا السجن الى ذاك ، تارة لزيارة " جبر " وتارة أخرى لزيارة ابنها بالتبني " سمير " ، وفي أحيانٍ كثيرة الإثنين معاً ، وفي أحيانٍ أخرى زيارة آخرين من الأسرى العرب ، وما يرافق تلك الزيارات من سفر شاق لمئات الكيلومترات وألم ومعاناة ، فانتمت بصدق وطواعية للحركة الأسيرة دون أن تُعتقل ، والتحمت بقضية الأسرى دون تردد ، وعملت مرسالاً وساعي بريد للأسرى جميعاً ، وكانت سنداً قوياً لهم ، وأعطت ولا زالت تعطي الكثير دون أن تمتلك المؤهلات الأكاديمية أو الإمكانيات المادية أو حتى القدرات الصحية ، فلقد تعالت على أمراضها وهمومها وآلامها ، ولا زالت تعطي رغم هموم الحياة وقساوتها ، وكُبر سنها ، ففاقت بعطائها ونضالاتها مؤسسات كاملة .

وأنا أشهد على ذلك ، فكثيراً ما ترددت الى وزارتنا وزارة الأسرى والمحررين لتتابع أوضاع الاسرى والكانتينا ولمعالجة بعض اشكاليات ومعاناة العديد من الأسرى العرب ، وكثيراً ما التقيت بها في مكتب الأستاذ راجي الصوراني مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وهي تنقل له معاناة الأسرى والإنتهاكات الخطيرة التي يتعرضون لها ، طالبة منه التدخل لمساعدتهم ، وواظبت على المشاركة في الإعتصام الإسبوعي أمام مقر الصليب الأحمر الدولي بمدينة غزة ، ولم تتوانَ للحظة في المشاركة في الفعاليات والندوات واللقاءات المساندة لقضايا الأسرى ، وكانت خير المتحدثين عن الأسرى .

وبايجاز فأينما وجدت قضية الأسرى كانت " أم جبر " حاضرة ، وأينما وجدت " أم جبر " حضرت قضية الأسرى بكل ما يعني ذلك من معاني ، فهي خير من مثَّل الأسرى وتحدث عنهم وعن معاناتهم ، بلغتها البسيطة ولهجتها العامية الأقرب والأسهل للوصول الى القلوب والعقول  .

" أم جبر وشاح " هي واحدة من الأمهات الفلسطينيات اللواتي تبنين الأسرى العرب في ظل حرمانهم من زيارات ذويهم ، وهذه شكلت ظاهرة على مدار العقود الماضية ، فلم تجد أسيرا عربيا في سجون الإحتلال ، إلا وقد تبنته أم فلسطينية تزوره وترعى شؤونه وتوفر له احتياجاته ، ليرسم الجميع صورة متكاملة من الوحدة العربية في مواجهة السجان والمحتل الغاصب ... فكل عام وأنت يا أم جبر وأمهات الأسرى عموماً بألف خير .

 

 *نشر اليوم الأحد في العدد الـ12 من ملحق الأسير الذي يوزع مع صحيفة الشعب الجزائرية