امرأة تجاوزت السبعين عاماً تحلم بزيارة ابنها في عيد الأم

 

*بقلم / عبد الناصر فروانة

19 مارس / آذار 2011

 

على الرغم من اقراري بعجزي الدائم في اختيار ما يليق بهذه الأم الصابرة ، من كلمات وفاءً لها واحتفاءً بها في يومها " عيد الأم " ، إلا أنني أجتهد في اختيار بضع كلمات لأعبر من خلالها عن حبي لتلك العجوزة وتقديري لها ولدورها ، وتعاطفي معها ومع كافة أمهات الأسرى اللواتي ينتظرن عودة أبنائهن.

" امرأة عجوزة " تجاوزت السبعين عاماً من عمرها ، تسكن مخيم جباليا شمال قطاع غزة وتحلم بزيارة ابنها الأسير في عيد الأم بعد انقطاع بدأ قبل خمسة عشر عاماً  ، فيما حكايتها مع المعاناة والحرمان كانت بدأت فصولها قبل ذلك بعقد من الزمن ، حين اختطف الإحتلال نجلها وزج به في سجونه ، فتنقلت معه ما بين السجون باختلاف أسمائها وأماكنها ، وأصبحت أسيرة دون أن تُعتقل ، فذاقت مرارة السجن والحرمان وقسوة السجان وبشاعة جنود الإحتلال على الحواجز المنتشرة على طول الوطن وعرضه .

ولم تكن زياراتها مقتصرة لإبنها الأسير ، بل تبنت العديد من الأسرى العرب ، وأنا شخصيا التقيت ببعضهم في الجنوب اللبناني وحمَّلوني ملايين السلامات لها ، فيما اليوم تبحث عن من يتبنى ابنها في ظل حرمانها من زيارته منذ قرابة خمسة عشر عاماً ..

" امرأة عجوز " تعالت على أمراضها وآلامها ، واستمرت في عطائها رغم هموم الحياة وقساوتها ، وكُبر سنها ، ففاقت بعطائها ونضالاتها شبان ومؤسسات ، وحجزت لها مكاناً دائماً في الإعتصام الإسبوعي امام مقر الصليب الأحمر بغزة والتي هي من المؤسسات له، وهي كذلك دائمة الحضور والمشاركة في كافة الفعاليات والمسيرات الداعمة للأسرى والمطالبة بحريتهم .

وكثيرة هي الألقاب التي أطلقت عليها واستحقتها عن جدارة ، " عميدة أمهات الأسرى " ، " أم الأسرى " " ناطقة باسم الأسرى " عضو لجنة أهالي الأسرى " ، انها الحاجة المسنة " ابراهيم بارود ".

" أم ابراهيم بارود " تستحق أن تُكرم اليوم بالشكل الذي يليق بها وبصبرها وعطائها ، فهي حاضرة أينما حضرت قضية الأسرى ، واذا حضرت " أم ابراهيم " حضرت قضية الأسرى بكل ما يعني ذلك من معاني ، فهي خير من مثَّل الأسرى وتحدث عنهم وعن معاناتهم ، بلغتها البسيطة ولهجتها العامية الأقرب والأسهل للوصول الى القلوب والعقول  .

ويضيف فروانة في مقالته : وحكاية " الحاجة أم ابراهيم بارود " هي واحدة من آلاف الحكايات والقصص التي نسجتها وشكلتها أمهات الأسرى ، تلك الحكايات التي تُذرف لها الدموع وتعتصر القلوب لها ألماً وحزناً ، وهي واحدة من الأمهات الفلسطينيات اللواتي حرمن من زيارة أبنائهن وتقدم بهن العمر ، وهي تخشى الرحيل الأبدي وأن تواري الثرى قبل أن تُكحل عينيها برؤية ابنها " ابراهيم " الذي سيتمم عامه الخامس والعشرين في الأسر بشكل متواصل في نيسان / ابريل القادم .

حكاية الحاجة " أم إبراهيم " التي تقطن مخيم جباليا شمال قطاع غزة ، مخيم الثورة والإنتفاضة ، بدأت فصولها قبل ربع قرن ، ولم تنتهِ بعد ،  فنجلها " ابراهيم " اعتقل في التاسع من نيسان / ابريل عام 1986 ، وكان عمره أنذاك ( 23 عاماً ) فيما اليوم يبلغ من العمر ( 48 عاماً ) ويُعتبر سابع أقدم أسير فلسطيني من قطاع غزة .

و سلطات الاحتلال لم تكتفِ باعتقال نجلها وزجه في سجونها ، بل سعت لمعاقبة ذويه والإنتقام من والدته العجوزة ، لتفاقم من معاناتها دون مراعاة لتقدم سنها ، فمنعتها من زيارته منذ العام 1996 لـ ( خطورتها الأمنية )، يا للسخرية .. امرأة تجاوزت السبعين عاماً من عمرها تشكل خطراً أمنيا على سلطات الإحتلال ، ( لا ) بل ومنعتها أيضاً من السفر عن طريق معبر رفح لآداء فريضة الحج خلال السنوات الأولى من انتفاضة الأقصى .

" أم ابراهيم " لا تزال تنتظر السماح لها بزيارة ابنها أو حتى سماع صوته والإطمئنان عليه ، والأهم من كل ذلك بأنها تنتظر عودته بفارغ الصبر قبل الرحيل الأبدي .

فذات مرة قالت لي ( بأنني أحسب ما تبقى له بالأيام والساعات .. وأنتظر عودته سالماً على أحر من الجمر ، وأخشى الرحيل قبل لقائه ).  

" أم ابراهيم " منعت من زيارة ابنها وسلب الإحتلال حقها المشروع في رؤيته منذ خمسة عشر عاماً ، لكنه لم ولن يستطع سلب أحلامها وآمالها وحقها في الدفاع عن الأسرى وحريتهم المشروعة ولم يستطع منعها من المشاركة في الإعتصامات والفعاليات ، و لم ينجح أيضاً في تقييد حركة لسانها وانطلاق كلماتها الجريئة والمؤثرة ، وهي لا تزال الأكثر حضوراً ومشاركة في الفعاليات المساندة للاسرى.

" أم ابراهيم بارود " ماضية بخطوات واثقة نحو مستقبل مشرق ، وحرية لا بد وأن تتحقق

فلك ولعموم أمهات الأسرى مليون سلام وتحية ، فأنتن قادة العز والفخار وتيجان الأمة ، وكل عام وأنتن بألف خير ،