إسرائيل تتحمل مسؤولية خطف المستوطنين الثلاثة !!

 

بقلم/ عبد الناصر فروانة

أسير محرر ومختص بشؤون الأسرى

ferwana2@gmail.com

19-6-2014

بات من المؤكد (اختفاء) ثلاثة مستوطنين إسرائيليين في منطقة الخليل بالضفة الغربية منذ يوم الخميس الماضي، فيما ليس هناك ما يؤكد رسميا بأن اختفاءهم له علاقة بعملية اختطاف من قبل عناصر تنتمي لفصائل المقاومة الفلسطينية بهدف اسناد المعتقلين الإداريين المضربين عن الطعام ودعم مطالبهم العادلة من جهة، ومن جهة ثانية لمبادلتهم بأسرى فلسطينيين يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ عقدين وثلاثة بل وأكثر، وأسرى يقضون أحكاما بالسجن لسنوات طوال أو بالسجن المؤبد (مدى الحياة).

 ولكن الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية تشير بأصابع الاتهام إلى الفلسطينيين باختطافهم، وإن ثبت صحة هذا الاتهام وتبين لاحقا بأن هناك عملية اختطاف بالفعل دعما وإسنادا للأسرى ومطالبة بإطلاق سراحهم، فإن إسرائيل هي من تتحمل المسؤولية الأولى والأخيرة للجوء الفلسطينيين لهذا الخيار، بل وأن سلكوها الشاذ مع المفاوض الفلسطيني وعربدة المستوطنين من ناحية، وفي تعاملها مع قضية الأسرى برمتها وملفاتها المتعددة من ناحية ثانية، هي من دفعت الفلسطينيين رغماً عنهم نحو انتهاج هذا الأسلوب، وذلك للأسباب التالية:

 

-  أولا: الطريقة والآلية التي تعاملت بها إسرائيل مع المفاوض الفلسطيني فيما يخص الإفراج عن القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو، وتنصلها من الإفراج عن الدفعة الرابعة الذين كان من المفترض إطلاق سراحهم في الثلاثين من مارس/آذار الماضي وفقاً للاتفاق السياسي الذي أبرم بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي عشية استئناف المفاوضات السياسية بينهما أواخر تموز/يوليو من العام الماضي، حيث التزمت إسرائيل بالإفراج عن ثلاث دفعات انفردت في تحديد أسمائهم بواقع (26) أسيرا في كل دفعة، وتنصلت من الإفراج عن الدفعة الرابعة وعددهم (30) أسيراً بينهم (14) أسيرا من المناطق المحتلة عام 1948، وعلى أثر ذلك أوقف الجانب الفلسطيني المفاوضات ورفض تمديد فترتها، مما أضعف ثقة الشارع الفلسطيني بالمفاوضات وجدواها والتشكيك بالتزام إسرائيل بنتائجها.

-       

-  ثانياً: الانتهاكات الإسرائيلية المتفاقمة بحق الأسرى وحملة التضييق عليهم والانتقاص من حقوقهم والتنكيل المستمر بهم وبذويهم وجملة الممارسات القمعية التي تقترفها إدارة السجون بحقهم ومجموعة القوانين والقرارات التي أقرت في السنوات الأخيرة بهدف الانتقام منهم والتي تصاعدت في الآونة الأخيرة، فضلاً عن استمرار إسرائيل باستهتارها بحياة الأسرى المرضى عموما والمضربين عن الطعام خصوصا، وتجاهلها لمعاناتهم وتعنتها إزاء مطالبهم العادلة وعدم فتح حوار جدي معهم ودعوات التحريض ضدهم، وعدم اكتراثها بالجهود والمناشدات الدبلوماسية والسياسية والحقوقية الجماهيرية، أدى إلى تعزيز الاعتقاد السائد لدى الفلسطينيين بأن إسرائيل لم تستجب إلا للغة القوة.


- ثالثاً: إصرار إسرائيل على التمسك بمعاييرها الظالمة وشروطها المجحفة في التعاطي مع قضية الإفراج عن الأسرى واستحقاقات اللحظة السياسية وإقرار اللجنة الوزارية الخاصة بالتشريع مشروع قانون يقلص من فرص الإفراج عن أسرى أدينوا بعمليات قتل فيها إسرائيليين في سياق الصراع القائم، ويقضون أحكاماً بالسجن مدى الحياة، ويمنع منحهم العفو الرئاسي والإفراج عنهم في إطار الصفقات والاتفاقيات السياسية ومن ثم مباركة الحكومة وإقراره بالقراءة التمهيدية الأولى في الكنيست، مما أضعف الأمل في إمكانية الإفراج عنهم في إطار مفاوضات سياسية راهنة أو مستقبلية، ليعزز بالمقابل الشعور بأهمية القوة في تحريرهم.

 

- رابعا: عربدة المستوطنين وتصاعد اعتداءاتهم على المواطنين وممتلكاتهم، وهجمات مجموعات "دفع الثمن" وهتافاتهم وشعاراتهم العدائية التي تسمم الأجواء وتزيد من حالة الاحتقان، واستمرار الحكومة الإسرائيلية في بناء وتوسيع المستوطنات وابتلاع الأراضي الفلسطينية لصالح المستوطنات، مما جعل المستوطنات والمستوطنين حجر عثرة في كل مسار، وإسرائيل بدأت تواجه عزلة دولية ومقاطعة اقتصادية بسبب الاستيطان وسلوك المستوطنين، وهذا الأمر لا بد وأن يدفع إسرائيل بالتفكير وبجدية في كيفية وقف الاستيطان ووضع حد لاعتداءات المستوطنين وجرائمهم بحق الفلسطينيين وأراضيهم وأملاكهم.


كنا نأمل كفلسطينيين أن يطلق سراح الدفعة الرابعة في موعدها، وأن يغلق ملف الأسرى بهدوء في إطار العملية التفاوضية، وأن يوقف بناء وتوسيع المستوطنات، وأن تضع  الجهات السياسية والأمنية في إسرائيل حداً لعربدة المستوطنين وجرائمهم، ولكن لسوء التعامل الإسرائيلي وتعنته وللأسباب آنفة الذكر بقيت الأوضاع على حالها وتأزمت المواقف وتعقدت الأمور، مما يدفعنا لتحميل إسرائيل المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأمور الأمنية في الضفة الغربية.

 وان سلوكها الشاذ هو من دفع الفلسطينيين للجوء إلى هكذا أسلوب في إسناد الأسرى والسعي لإطلاق سراحهم ، وعليها أن تعيد النظر بالأسباب كافة وبسلوكها مع الفلسطينيين وبآلية تعاملها مع قضية الأسرى بملفاتها المختلفة إذا أرادت للمنطقة ولمواطنيها وجنودها ومستوطنيها الأمن والسلام، وبغض النظر إن صدقت الرواية الإسرائيلية وثبتت عملية الخطف من قبل الفلسطينيين، أم تبين لاحقا غير ذلك.

وعلى المجتمع الدولي أن يدرك بأن العنف لا وجود له في ثقافة الفلسطينيين، وإنما يلجأون إليه للدفاع عن أنفسهم وحقوقهم والمخاطر التي تواجههم من قبل الاحتلال ومؤسساته المختلفة.

وعلى المؤسسات الدولية أن تتحلى بالنزاهة والحيادية وأن تطالب إسرائيل بالتخلي عن عنجهيتها وقوانينها التعسفية وشروطها المجحفة وأن تضع حد لعربدة المستوطنين، وأن تعالج الأسباب والحوافز التي دفعت الفلسطينيين للجوء لهذا الأسلوب العنيف. 

فالسلام العادل يبدأ بإنهاء الاحتلال وتحرير كافة الأسرى وفق جدول زمني واضح وملزم، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، والسلوك الإسرائيلي هو من يحدد الشكل والنهج الذي يمكن للفلسطينيين اللجوء إليه واستخدامه من أجل تحقيق ذلك.