هنا غـــــــزة ..
بقلم / عبد الناصر فروانة
الموقع الشخصي/ فلسطين خلف القضبان
19-7-2014
يخيل إليّ أني لو كتبت كل يوم مقالة عن غزة، لما وصفت حالها، ولو كتبت كل ساعة ودقيقة كلمات عن شهدائها لما وفيتهم حقهم، وكيف لي أن اشعر بالرضا والطمأنينة والراحة وأنا أعبر عن وجداني بالكلمات والحروف، في حين غزة تكتب التاريخ بحروف من ألم وكلمات من دم، وشهدائها يعبّرون عن قضيتهم بالموت المتصاعد والدم النازف.
ففي حضرة الشهادة والشهداء .. وفي حضرة الدم وتناثر أشلاء الأطفال ، خلُص الكلام ولا حبر يتطاول على الدماء، فاختفت الكلمات وسكتت الألسن وجفت الأقلام.
غزة الحزينة تذرف دماً لتتبرع به لمن ليس لديهم دماً من الأمتين العربية والإسلامية، لعلهم يفيقون من سباتهم ويتخلون عن صمتهم المطبق، وغزة صغيرة الحجم والمساحة تحترق تحت نيران القصف الإسرائيلي .. لتُدمر ويقتل أطفالها ونسائها وشيوخها وتهدم البيوت والمباني فوق رؤوس ساكنيها، وتبقى صامدة في وجه أعدائها.
غزة التي لم يعد يخيفها أي شيء، لأنه جرب فيها كل شيء، وهذا قدرها، فهي الأعجوبة التي جربت فيها كل أنواع الأسلحة ولم تمت ولن تموت، ولا تستطيع أن تموت ، ولا يمكن لبحرها أن يغدرها ويبتلعها، أو يُغرق أهلها في مياهه.
غزة هي بقعة فلسطينية أصيلة تقع جنوب فلسطين ومتاخمة للحدود المصرية ، وهي منطقة جغرافية ضيقة وصغيرة لا تتجاوز مساحتها 360 كم مربع ، وهي عبارة عن شريط ساحلي اسمه الكامل " قطاع غزة " .
وهي ليست الأجمل من بين عواصم ومدن العالم ، وشاطئها ليس أشد زرقة من الشواطئ العربية ، وهي ليست أرقى وأكبر المدن العربية، لكنها تعادل تاريخ أمة و كنزاً معنوياً وأخلاقياً لا يقدر لكل العرب، كما يصفها الشاعر الفلسطيني الكبير محمود درويش .
غزة ورغم ضيق مساحتها وقلة إمكانياتها ومحدودية قدراتها قادرة على الصمود في وجه الضربات وغطرسة الاحتلال ولن تنكسر، ومخطئ من يظن أنه كان بالإمكان القضاء عليها، أو يمكن محوها عن الوجود، وستبقى غزة جزء لا يتجزأ من وطننا الفلسطيني الكبير الذي لا بد وأن يتحرر يوما من دنس الاحتلال وأن يحيا فيه أبناء شعبنا بحرية وسلام واستقرار
غزة
تتعرض لحرب إسرائيلية مجنونة منذ ثلاثة عشر يوما، قدمت خلالها مئات الشهداء وآلاف
الجرحى، ودمرت فيها مئات البيوت والعقارات ، فلم يسلم فيها لا البشر ولا الحجر.
وشوارعها تكاد تخلو من المارة والسيارات، إلا من جنازات الشهداء وسيارات الإسعاف التي تنقل الجرحى والمصابين، وحتى الخروج من البيت لآداء الصلاة في المسجد لم يعد متاحاً،وأطفال لا يحتملون ابتعاد الآباء عنهم ولو لدقائق معدودة، وأطلال البيوت المهدمة تنتشر في الطرقات، ودخان كثيف وضباب أسود يأتيك من كل ناحية نتيجة القصف المتواصل وألسنة النيران المتصاعدة، و رائحة البارود هي الحاضرة دوماً، والغبار يفوح من كل صوب.
وصوت الطائرات الحربية متعددة الأسماء والقدرات لم يكف عن إزعاج المواطنين، وصواريخها المدمرة تسرق النوم من عيون الآباء والأمهات وتحيل حياة الأطفال إلى كابوس مرعب يبقيهم في حالة هلع وخوف دائم.
ومشافي غزة تتحول إلى مقابر لمئاتٍ من جثث الأطفال والنساء والرجال التي يصعب التعرف عليها ، وأروقتها تُغرق بالدماء، وغرفها مكتظة بمئات الجرحى والمصابين من كل الأعمار والأجناس، وترى الأشلاء متناثرة على الأسرة ، ولم تسمع فيها سوى صراخ الثكالى وعويل الأرامل وأنين الجرحى وبكاء الأطفال
وما أصعب أن تفطر رمضان في غزة على أصوات مدافع البوارج الحربية بعدما غابت مدافع رمضان ، وأن تتناول طعام الإفطار على أصوات الطائرات الحربية وقصفها للمنازل بالقنابل الذكية والصواريخ القاتلة.
وتستمر ساعات الليل دون أن تشهد هدوء ولو لبرهة واحدة ، وقبيل الفجر تتناول وجبة السحور على أنغام صواريخ الطائرات وقذائف البوارج الحربية.
ومع ذلك يحاول السكان أن يحققوا التوازن فيما بين هذا وذاك، قدر الإمكان، فتجدهم يصومون، وبفطرون ويؤدون مناسك رمضان، ويقضون ساعات طويلة مع اسرهم في الصلاة وقراءة القرآن والابتهال إلى الله بالدعاء بأن يفرج الله كربهم ويبعد عنهم كل سوء.
فالأوضاع صعبة، والأجواء ساخنة، ويصعب علىّ وصفها، وكلما ضاقت بي الدنيا، وقفت على شرفة منزلي ونظرت للبحر لعله يأذن لي بأن أشكو له همومي وهموم أهلي في غزة، ثم أنتقل بناظري للسماء وأدعو الله أن يفرج كربنا ويُزيل همنا، فلا مفرج للكروب ومزيل للهموم ومفرح القلوب سوى الله.
غزة تقاوم بفصائلها المختلفة وعلى اختلاف توجهاتهم الفكرية والسياسية، كل حسب إمكانياته وقدرات عناصره، فاني أرى اليوم غزة، وعلى اختلاف محافظاتها وتوجهات أبنائها، هي وحدة جغرافية وديمغرافية واحدة لا يمكن تقسيمها، وأهلها جزء لا يتجزأ من شعب فلسطيني عريق لا يمكن تجزئته، وماضي في مسيرته نحو الحرية والاستقلال.
وإذا سألوك يوما عن غزة، فقل لهم أني أحبها بجنون وأعشقها كيفما تكون، وأتمنى لها ولأهلها الأمن والسلام والاستقرار فهي الأجمل في عيوننا، الساكنة في قلوبنا، والحاضرة في عقولنا بتاريخها وأصالتها وإرثها العريق وحاضرها المشرق.
وتبقى غزة تعادل تاريخ أمة و كنزاً معنوياً وأخلاقياً لا يقدر لكل العرب ، كما وصفها الشاعر الفلسطيني الراحل/ محمود درويش
لك الله ياغــــــــــــــــــــــــــــــــزة