|
" اسرائيل " تمارس اعدام المعتقلين كمنهج وسلوك منذ النكبة ...!
* كتب / عبد الناصر عوني فروانة
18-11-2008
يوم الجمعة الماضي كنت ضيفاً على برنامج " أحرار " الذي يبث على فضائية القدس ، و يقدمه عميد الأسرى الأردنيين الأسير المحرر " سلطان العجلوني" ، وأعجبت جداً بسؤال طرحه علىَ العجلوني ، واعتبرته سؤال غير تقليدي تناول قضية في غاية الأهمية .. لماذا تحتجز " اسرائيل " أسرى عشرات السنين ولا تلجأ الى اعدامهم ؟ ومن شدة اعجابي بالسؤال ومما أثاره فضلت الكتابة حوله باسهاب أكثر .
وبتقديري الشخصي لو استمر العجلوني في تناول قضايا الأسرى بهذا الشكل وبعيداً عن التقليدية ، سيحقق برنامجه نجاحاً ملفت للإنتباه ، مما سينعكس بالمحصلة النهائية بالإيجاب على قضية الأسرى عموماً وهذا ما نطمح له .
السؤال يثير عدة تساؤلات .. لماذا اسرائيل لم تُسن في قوانينها بالفعل قانون الإعدام ؟ وهل فعلاً لا تمارس الإعدام بحق المعتقلين الفلسطينيين والعرب ؟ ولماذا تستمر في احتجاز هؤلاء الأسرى عشرات السنين رغم شيخوختهم وكبر سنهم وهشاشة عظامهم وأمراضهم ، ولا تلجأ الى اعدامهم من البداية ؟ وهل استمرار الإحتجاز يعني عدم ممارستها للإعدام أم العكس ؟ رغم أن بعضهم توفى داخل السجن بعد صراع طويل مع المرض استمر عقدين ونيف في الأسر كالأسير المقدسي محمد أو هدوان ويوسف العرعير وعمر القاسم وغيرهم .
ومع كل احترامي لكافة الأسرى بدءاً من عميدهم الأسير نائل البرغوثي المعتقل منذ أكثر من ثلاثين عاماً ومرورا بكافة الأسرى والأسيرات بدون استثناء وانتهاءا بالأسير يوسف الزق الذي ولدته أمه داخل الزنزانة في يناير الماضي ، مع احترامي لكل هؤلاء ، فانني أعلن صراحة انحيازي للأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو وعددهم ( 336 أسير ) بينهم ( 91 أسير ) مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً بشكل متواصل .. وحينما نستحضر هؤلاء أشعر بالألم والمرارة ، بالحزن والألم والخجل لبقائهم في الأسر عشرات السنين ، كما أشعر بالفخر والإعتزاز بصمودهم الإسطوري .
اسرائيل تمارس الإعدام بشكل جماعي وفردي ، كمنهج وسلوك
وعودة على بدء ومن وجهة نظري الشخصية ووفقاً لمتابعتي لهذا الموضوع فان من يعتقد أن " اسرائيل " لا تمارس الإعدام فهو مخطئ ، فكل الدلالات والوقائع والشهادات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك بأن " اسرائيل " تمارس فعلاً سياسة اعدام المعتقلين بشكل فردي وجماعي بشكل مباشر أو غير مباشر .
ومنذ النكبة وحتى يومنا هذا تمارس اعدام المعتقلين كمنهج وسلوك ، وأن لغة القوة والإعدام هي التي أصبحت السائدة في المؤسسة الأمنية والعسكرية وأن حياة الأسير هبطت لديها الى أدنى مستوياتها ، وهذا السلوك قد تصاعد بشكل واضح خلال انتفاضة الأقصى الأخيرة ، في اطار القرار السياسي العلني الذي اتخذته حكومة الإحتلال والمتمثل في تصعيد سياسة الإغتيالات والتصفية والإعدام خارج نطاق القانون بحق أبناء الشعب الفلسطيني بشكل عام .
ويضيف الباحث عبد الناصر فروانة في تقريره .. نعم كافة المعطيات تؤكد أن " اسرائيل" تمارس سياسة إعدام المعتقلين العُزل كسياسة ثابتة بصمت وبعيداً عن الأعين ووسائل الإعلام ، دون الحاجة الى اقرار قانون صريح يجيز ذلك ، تجبناً للإنتقادات الدولية ، وبما يتيح لها مواصلة تسويق نفسها على أنها دولة ديمقراطية .
و على ضوء ذلك فهي أعدمت منذ احتلالها لفلسطين آلاف المواطنين بعد احتجازهم بشكل جماعي ، حيث كان يتم اخراجهم من بيوتهم واطلاق النار عليهم وتصفيتهم مباشرة ، بالإضافة الى مئات المعتقلين الفلسطينيين والعرب بشكل فردي بعد اعتقالهم ، وتتم عمليات الإعدام بطرق عديدة فإما تتم تصفية الأسير لحظة الإعتقال مباشرة ، أو نقله إلى مكان ما وإطلاق النار عليه والإدعاء أنه هرب من السجن ، أو إطلاق النار عليه عن بُعد والإدعاء أنه حاول الهرب من قوات الإحتلال ، أو التنكيل بالمعتقل المصاب والاعتداء عليه بالضرب وتعذيبه انتقاماً منه ومما قام به ، وعدم السماح بتقديم الإسعافات الطبية له وتركه ينزف بشكل متعمد حتى الموت ، أو تعذيبه بشكل قاسي جداً في أقبية التحقيق أو في زنازين العزل الإنفرادي بهدف القتل ، ومن ثم الإدعاء بأنه انتحر ، والشهادات والأمثلة في هذا الصدد كثيرة .
واذا كنا قد تناولنا أعلاه الإعدام الفردي للمعتقين ومن قبلها الإعدام الجماعي بشكل مباشر ، مع استحضارنا للفيلم الوثائقي الذي تناول اعدام الأسرى المصريين بشكل جماعي ، وحادثة اعدام خاطفي الباص ( 300 ) وغيرهم الكثير ، فاننا نؤكد أن إستمرار " اسرائيل " في احتجاز المعتقلين الفلسطينيين لعشرات السنين ، انما يندرج في ذات السياق ، ويعتبر اعدام جماعي وببطيء شديد وغير مباشر لمعتقلين فلسطينيين وعرب .. اعدامهم آلاف المرات دون الإقدام على اعدامهم مرة واحدة ، من منطلق الإنتقام منهم .
وبالتأكيد فان عدم لجوء " اسرائيل " لتنفيذ حكم الإعدام بحق هؤلاء الأسرى والتخلص منهم مباشرة ، لا يعني على الإطلاق حباً فيهم ، أوعملاً بروح الديمقراطية واحتراماً والتزاماً بنصوص الإتفاقيات والقوانين الدولية ذات الصلة ... ،.. انما يعكس عقلية انتقامية لشخوص هؤلاء القدامى ولأمثالهم ولشعبهم ، واستمراراً في احراجها للسلطة الوطنية الفلسطينية وتهربها من استحقاقات عملية السلام وفي مقدمتها اطلاق سراح القدامى .
والأدهى أنها تدعي أمام العالم بأنها دولة ديمقراطية ، بل الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط .. وأنها دولة القانون ، ويحتكم فيها القضاء على قانون واحد يُحاكم بموجبة السجناء الإسرائيليين الجنائيين ، والسجناء الفلسطينيين والعرب على حد سواء ..
لكن .. الوقائع تؤكد على انها دولة تمارس الإرهاب المنظم وتنتهج الإعدام سياسة ممنهجة بحق المعتقلين وهناك مئات الشهادات ، وهي بعيدة كل البعد عن المساواة بحيث تمارس التمييز العنصري فيما بين هؤلاء السجناء فتمنح السجناء الإسرائيليين كافة حقوقهم ، فيما تنتهك كافة حقوق السجناء الفلسطينيين والعرب ولا تمنحهم أي من حقوقهم ، كما وتمارس التمييز العنصري فيما يتعلق بتحديد المؤبد والشليش وغيره ، وهي بذلك تكون الدولة الأكثر انتهاكاً للديمقراطية وحقوق الإنسان .
والخلاصة أن اسرائيل دولة مارست و تمارس الإعدام الفعلي بحق المعتقلين بشكل ممنهج منذ عشرات السنين دون قانون وبصمت ، وبذات الوقت تمارس الإعدام البطيىء بحق آلاف المعتقلين من خلال احتجازهم لعشرات السنين ، بهدف الإنتقام منهم وقتلهم ببطئ نفسياً ومعنوياً وجسدياً من خلال منظومة من الإجراءات والممارسات والإنتهاكات والجرائم التي لا تعد ولا تحصى .. وأنا شخصياً أفضل الموت مرة واحدة ، لا الإعدام آلاف المرات .
فلنتحرك من أجل وقف سياسة الإعدام التي تنتهجها " اسرائيل " بحق معتقلينا بشكل مباشر أو غير مباشر.
* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى وموقعه الشخصي " فلسطين خلف القضبان "