البرلمان الإسرائيلي يُشرّع مصادرة حقوق الإنسان الفلسطيني

 

بقلم/عبد الناصر عوني فروانة

18-12-2021

 

صادق البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) يوم الثلاثاء 14كانون أول/ديسنبر2021، بالقراءة الأولى، على ثلاثة قوانين عنصرية جديدة، تستهدف وبشكل علني حقوق فلسطينيي48 وستزيد من الممارسات العنصرية تجاههم، وتفتح المجال أمام مزيد من القمع والتنكيل بحق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي. وهذه هي ليست المرة الأولى التي يُصادق فيها البرلمان الاسرائيلي على قوانين عنصرية تستهدف حقوق الفلسطينيين الأساسية، إذ سبق وأقر عشرات القوانين المشابهة، فيما هذه المرة مختلفة، إذ تُشكل سابقة خطيرة حيث مشاركة النواب العرب من "القائمة الموحدة" برئاسة منصور عباس في التصويت لصالح القوانين الثلاثة، ولولا أصواتهم لما حظيت بالأغلبية ولما أقِرت من قبل الكنيست الإسرائيلي. ان ما حدث شيء مؤسف، ويشكل صفعة قاسية لفلسطينيي48 وطعنة بالظهر للأسرى والمعتقلين.

إن التصويت على هذه القوانين العنصرية بذريعة تحقيق "أهداف أمنية قومية"، يأتي ضمن سباق محموم بين الأحزاب الإسرائيلية وصراعاتها الداخلية لقيادة معسكر اليمين، وتثبيت الائتلاف الحكومي الحالي على حساب الأسرى وحقوق فلسطينيي48، ومن ناحية ثانية، يعكس العقلية العنصرية التي تتمتع بها ما تُطلق على نفسها حكومة التغيير في (إسرائيل) بدعم من النواب العرب "القائمة الموحدة"، ونواب ما يسمى معسكر اليسار الإسرائيلي أو معسكر السلام.

لقد جاءت تلك القوانين في ظل صمود الأسرى واستمرار حالة الاشتباك والتحدي وتحقيق الأسرى انتصارات عديدة في السنوات الأخيرة عبر الإضرابات عن الطعام وعدم الرضوخ لإملاءات وقرارات سلطات الاحتلال وإدارات السجون، وكذلك عقب عملية انتزاع الحرية التي نجح خلالها ستة أسرى بالهروب من سجن جلبوع وما شكلته تلك العملية من ضربة موجعة وخطيرة للمنظومة الأمنية الإسرائيلية، وهزيمة لدولة تتباهى وتفتخر بأنظمتها الأمنية.

كل ذلك دفع دولة الاحتلال بمكوناتها المختلفة إلى تصعيد قمعها وتوسيع هجومها على الأسرى وحقوقهم الأساسية، في محاولة بائسة لتغيير صورة "المنتصر" التي رسمها الأسرى مؤخرا، واليوم هي تحاول أن تمنح ذاك التصعيد غطاءً قانونيا من قبل "الكنيست" بإشراك القائمة الموحدة التي يترأسها منصور عباس، بهدف تعزيز قوات ما تسمى بمصلحة السجون، بجنود من وحدات قتالية وأفراد وحدات الاحتياط في جيش الاحتلال.

إن ما جرى ويجري هو أمر خطير جدا، وهو يفتح المجال لمزيد من القمع والتنكيل وتضييق الخناق على الأسرى، وهذا يؤشر إلى مرحلة قادمة ستكون أكثر استخداما للقوة المفرطة وأكثر قمعا للأسرى العزل وأكثر انتهاكا لحقوقهم الإنسانية.

إن دولة الاحتلال الإسرائيلي سعت خلال السنوات الأخيرة إلى شرعنة ممارساتها العنصرية وجرائمها البشعة وسلوكها القمعي تجاه الأسرى عبر مناقشة وإقرار مجموعة من القوانين من قبل البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، مما يدلل على أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مهما كان شكلها وتركيبتها وتحالفاتها الداخلية تتجه نحو اليمين المتطرف، وتسير نحو ارتكاب المزيد من القمع والتنكيل ومصادرة حقوق الفلسطينيين. ومع ذلك لم ولن يتخلى الأسرى عن هويتهم الوطنية ونضالهم المستمر من أجل انتزاع حقوقهم الأساسية.

إن المشهد بات مرعباً، والأوضاع داخل السجون خطيرة، وأن القوانين العنصرية التي أقرها  الكنيست الإسرائيلي مؤخرا، هي ليست بمعزل عن سابقاتها، وإنما تأتي امتداد لسلسلة طويلة من التشريعات التي أُقرت خلال العقد الأخير واستهدفت الوجود الفلسطيني ككل وفرض الهيمنة الإسرائيلية على جانبي الخط الأخضر، وتضييق الخناق على الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين ومصادرة حقوقهم الأساسية وتصعيد عمليات القمع والتنكيل ضدهم، وعلى سبيل المثال لا الحصر: قانون استهداف القاصرين الأطفال وسجن ومحاكمة من هم دون الرابعة عشر عاماً، قانون رفع الأحكام بحق الاطفال راشقي الحجارة، قانون التغذية القسرية للأسرى المضربين عن الطعام، قانون إعدام الأسرى، قانون مكافحة الارهاب، قانون القومية، قانون التفتيش الجسدي والعاري ودون وجود شبهات، قانون إعفاء المخابرات من توثيق مجريات التحقيق، قانون خصم مبالغ مالية من عائدات الضرائب توازي حجم المستحقات التي تدفعها السلطة الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء، قانون يسمح باحتجاز جثامين الشهداء، قانون عدم تمويل العلاج للجرحى والأسرى وغيرها الكثير من القوانين التي تمس حقوق الفلسطينيين بشكل عام والأسرى بشكل خاص، مما يعطي البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) وصفًا شاذاً بأنه: أداة لتشريع مصادرة حقوق الإنسان الفلسطيني وغطاء لاستمرار الجريمة المنظمة بحق الفلسطينيين.

إن تلك التشريعات تظهر مدى تهرب دولة الاحتلال من أبسط التزاماتها التعاقدية بموجب القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وتمثل انتهاكاً سافراً لحقوق الشعب الفلسطيني، وخرقاً فاضحاً لمبادئ القانون الدولي، وإصراراً غير مسبوق على تحدي الإرادة والشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وحيث لا يجوز بأي حال من الأحوال أن تتذرع سلطات الاحتلال بالدواعي الأمنية لتسن تشريعات وقوانين تشكل خرقاً جسيماً لقواعد القانون الدولي، وتوفر الحماية (الداخلية) لمقترفي الجرائم من الإسرائيليين، الأمر الذي يشجعهم على ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الفلسطينيين عوما،  على اختلاف أجناسهم وفئاتهم العمرية وشرائحهم الاجتماعية، الأمر الذي يتطلب تدخلا دوليا جادا وفاعلا لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.