فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

 

   

الأسرى بين مطرقة " السرطان " وسندان" انفلونزا الخنازير "

 

 

* كتب / عبد الناصر عوني فروانة

18-8-2009

ما أصعب أن تمسك قلمك لتخط بعض الكلمات عن الأسرى وظروفهم والانتهاكات الجسيمة لحقوقهم الأساسية ، وما أقسى أن تكتب عن المرضى ومعاناتهم .

والأصعب والأقسى هو أن تكتب عن أسرى مرضى في سجون الاحتلال الإسرائيلي  يجمعون رغماً عنهم ما بين هذا وذاك ، ما بين مطرقة الظروف و قساوتها و الإنتهاكات وتعددها وسندان الأمراض ومعاناتها .. ومنهم من تقترب ساعة وفاتهم ، أو يتمنونها من شدة ما يحسون به من ألم .

 

وما أصعب أن تكون مقيداً  وجسدك مؤهل لاستقبال الأمراض في أي وقت طالما أنت في سجن إسرائيلي ، أو أن يتحول جسدك فجأة ودون مقدمات لفريسة سهلة لمداهمة الأمراض الخبيثة ، وما أقسى أن تكون محتجزاً في مكان يفتقر لمقومات الحياة الآدمية ، وفجأة تقتحم المكان أمراض مجهولة وغريبة ، سريعة الانتشار يصعب تشخيصها ويُماطل في علاجها ، بل ويُتعمد إبقائها وانتشارها أو استفحالها .

وكم هو الأمر مؤلم أكثر أن نفقد عشرات من الأسرى خلف القضبان ، ومئات آخرين بعد تحررهم جراء أمراض ورثوها عن السجون وتبعات الإهمال الطبي دون أن نسجل ولو انتصاراً واحداً  للحد من ذلك .

 

وانه لأمر صعب بتقديري أن نكون على علم بوجود مئات من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال مرضى بأمراض مختلفة ، منهم العشرات بأمراض خطيرة ومزمنة ، وبينهم ستة عشر أسيراً  مصابون بأمراض السرطان ، دون أن نتمكن مجتمعين حتى اللحظة من إطلاق سراحهم وإنقاذ حياتهم ، أو على الأقل توفير العلاج لهم .. وفقط نتعامل معهم كأرقام .

وكم هو مؤلم أيضاً أن نكون على يقين ومنذ اللحظات الأولى بأن كافة الأعراض المرضية التي ظهرت قبل أيام على عشرات المعتقلين الفلسطينيين في معتقل " عوفر " هي مؤشر قوي لإصابتهم بوباء " أنفلونزا الخنازير "  ، ونخشى الإفصاح صراحة عن ذلك تقديراً لمشاعر ذويهم ، أو أن نقلل من حجم الخطورة لطمئنة الأهالي والرأي العام المحلي ، وفي الوقت ذاته نخجل من الإفصاح عن عجزنا في إرسال طواقم طبية محلية أو دولية محايدة لهم ولغيرهم ، فيما لم تعلن المؤسسات الرسمية وغير الرسمية  عن أية خطوات عملية جدية ستتخذها خلال الأيام القادمة .

نعم ... إنه لأمر مؤلم أن تصدح في آذاننا صرخات معتقلينا في " عوفر " من شدة الألم ، ومن قسوة المعاملة وسوء الرعاية الطبية ، دون أن نحرك ساكناً ، وكأن الأمر أضحى شيئاً عادياً روتينياً .

 

"أنفلونزا الخنازير" تقتحم " عوفر " و" السرطان " يداهم أجساد الأسرى

وما بين اقتحام وباء " أنفلونزا الخنازير " ومداهمة أمراض " السرطان " للمعتقلات وأجساد المعتقلين المنهكة ، هناك أمراض كثيرة ومتعددة ، ومنها الخطيرة والمزمنة التي أصابت أكثر من ألف معتقل ، وباتت تك الأمراض تعرف طريقها لأجساد الأسرى بسهولة ودون أدنى حواجز ومعيقات ، ولم ولن تجد صعوبة في مداهمة أجساد آلاف آخرين طالما بقيت الظروف الإعتقالية على حالها ، والتي هي كفيلة بأن تجعل من الأسرى الأصحاء مرضى .

العوامل متوفرة لارتفاع أعداد المرضى وبروز أوبئة جديدة

ويقول عبد الناصر فروانة في مقالته : ووفقاً لقراءتنا لواقع سجون ومعتقلات الاحتلال ، وتجربتنا الخاصة والعامة ، ومتابعتنا المتواصلة لأوضاع الأسرى والمعتقلين فيها حتى اللحظة ، فإننا لم نستغرب وجود أكثر من ألف أسير منهم يعانون من أمراض مختلفة كالقلب والمعدة والفشل الكلوي ..الخ ، ولن نُفاجأ بإصابة ( 16 أسيراً ) منهم بأمراض " السرطان " ، ولم ولن نفاجئ فيما لو ارتفع العدد لأكثر من ذلك ، أو انتقل وباء " عوفر " الذي تأكد بأنه  " أنفلونزا الخنازير " إلى سجون ومعتقلات أخرى  .

لكنني أشعر بمرارة لا توصف ، وبألم قاسي  يجب أن يقتحم تفكيرنا ويداهم ضمائرنا ويحرك مشاعرنا ، ليدفعنا للتحرك الجاد بما يوازي حجم المخاطر التي يتعرض لها الأسرى .

 أخجل من نفسي وأنا أكتب عن عشرات يحتضرون من الأسرى المرضى ، ومئات آخرون يتألمون ، وآلاف ينتظرون ما سيصيبهم .. ونحن نقف مكتوفي الأيدي ، لا نملك سوى مراقبتهم عن بُعد والتسابق في إصدار البيانات والمناشدات التي تعكس تشخيص الحالة أو شجب الممارسة دون إيجاد حلول لإستئصال الأسباب والقضاء على الظاهرة .!

 فالأوضاع لا زالت على حالها والأمراض تنتشر بسهولة ، وأعداد الأسرى المرضى بارتفاع مضطرد والإهمال الطبي قائم ، وعشرات من الأسرى المرضى عادوا لبيوتهم محمولين على الأكتاف ومئات منهم بانتظار المصير المجهول  .

أمراض خطيرة تقتحم السجون ومؤسسات دولية وحقوقية تفشل في ذلك

ويتساءل الكاتب فروانة ... إذا كانت الأمراض الخطيرة والخبيثة قد شقت طريقاً لها للوصول لأجساد مئات الأسرى ، و نجح وباء " أنفلونزا الخنازير " في اقتحام معتقل " عوفر " بسهولة وربما ينتقل الى سجون ومعتقلات أخرى ، فهل ستنجح المؤسسات الدولية والحقوقية والإنسانية في الإنتقال من حالة الصمت إلى حالة الفعل ، واقتحام سجون ومعتقلات الاحتلال وحماية أجساد الأسرى من الأمراض والأوبئة المختلفة ..؟

 

فأمراض السجون وتبعات الإهمال الطبي تنتشر بسرعة البرق بين أوساط الأسرى وتظهر بين الفينة والأخرى أمراض غريبة ومجهولة ، وأعداد المرضى ترتفع باضطراد ، وقائمة شهداء الحركة الأسيرة مؤهلة لاستقبال المزيد ، وعشرات من الأسرى السابقين على أسرة الموت ينتظرون ، والظروف الإعتقالية تتفاقم صعوبة والإهمال الطبي على حاله منذ عشرات السنين ، ومع ذلك لم نُسجل ولو انتصاراً واحداً  للحد من كل ذلك ..!!

 أرشيف المقالات

 

 

* أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى

مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية