" كتاب" الأسرى الأحرار صقور في سماء الوطن
تقديم الكتاب بقلم / عبد الناصر فروانة
أسير سابق ومختص بشؤون الأسرى
17-9-2013
الأسرى الأحرار صقور في سماء الوطن، كتابٌ جديد للدكتور مصطفى اللداوي، من إصدار دار الفارابي اللبنانية في بيروت، ويعتبر الكتاب الأضخم حيث تجاوزه الألف صفحة في مجلدين كبيرين ، والكتاب الأكثر شمولية في تناوله وتوثيقه لقضية الأسرى والمعتقلين في السجون الإسرائيلية ، والذي تسلمت منه نسخة يوم أمس ، وستنظم فعاليات تخص الكتاب في دول عديدة ، وكان لي شرف كتابة تقديم الكتاب الرائع ، وأدناه جزء من التقديم.
د.مصطفى اللداوي الأسير لأكثر من مرة ، الزائر الدائم لسجون الاحتلال ومخيمات اللجوء والإبعاد ، استطاع ومن خلال كتابه ان يعيدني للوراء عقود من الزمن ، وان يدخلني السجون والمعتقلات بمختلف مسمياتها وتعدد اماكنها الجغرافية وكثرة الحواجز الفاصلة فيما بينها ، ليزجني في قلب ملحمة انسانية لم تنتهِ بعد .
( الأسرى الأحرار .. صقور في سماء الوطن ) كتاب رائع وثري جداً ، يحاكي الماضي والحاضر وينبش في الذاكرة جوانب منسية ، ويتناول جزئيات وفصول الحياة الاعتقالية بكل جوانبها ، يسرد الحقب التاريخية والمحطات الهامة والأساسية بشمولية وبترابط وثيق ، وصياغة قوية ، وكلمات مؤثرة ، ويبرز فيه مواقف عظيمة تجلت فيها قدرة الأسير على التكيف والنضال حتى خلف الاسوار.
كتاب يفتح خزائن التاريخ المغلقة ، بسلاسة ، ويعود بنا الى حكايات عاشها الأسرى قبل عقود من الزمن ، بعضها عاصرته الأجيال ، وبعضها الآخر تناقلته الألسن وحملتها صفحات بعض الكتب ، وجزء لم نسمع عنه من قبل ، ولكن بعدما تحققت منها تأكدت من صدقها .
بدأ الكاتب كتابه بمفهوم الأمن الاسرائيلي وفلسفة التعذيب وقوانينه والأطراف المؤثرة ، لينقلنا بعدها الى مفهوم الاعتقالات وأشكالها وقوانينها ، ليتوقف بعدها ومطولاً أمام دور المرأة الأسيرة وصمودها وبطولاتها ومعاناتها الخاصة داخل سجون الاحتلال .
ويجذبك بكلماته المعبرة والمؤثرة الى تفاصيل الحياة اليومية في السجن والزنزانة و وغرف العزل الانفرادي والاكسات لتتعرف اكثر على طبيعة الجنود والحراس ونفسياتهم ، وتدريجياً تجد نفسك داخل سجن يحيطك سجانين .
متناولاً بالشرح المستفيض تاريخ السجون ونشأتها ، وأشكال التعذيب وقوانين تشريعه ، والمحاكم العسكرية والإجراءات المتبعة والاعتقالات الادارية ، والموقف الدولي من مجمل تلك الاجراءات ، كما وتطرق الكاتب الى المسيرة النضالية والاضرابات عن الطعام التي خاضها الأسرى لتحسين ظروف اعتقالهم وانتزاع حقوقهم الإنسانية والانجازات التي حققوها .
أما عن دور الحركة الأسيرة في رفد الثورة الفلسطينية وتوجيه العمل الوطني والنضالي ومساهماتهم في هذا الصدد ، وانجازاتهم على مستوى التعليم والثقافة والارتقاء بوعي الأسرى وثقافتهم الوطنية والسياسية والثقافة العامة ، أيضاً بالاضافة الى مراحل التعليم ، فقد أولاها الكاتب اهتماماً .
وتطرق بإسهاب الى الأوضاع الصحية المتدهورة ومخاطرها على صحة الإنسان الأسير وسياسة الإهمال الطبي المتبعة في سجون الاحتلال ، وما يتعرض له الأطفال ، وحتى مفردات الحركة الأسيرة ولغة الأسرى اليومية وعاداتهم وتقاليدهم ومجتمعهم الخاص ، جاءت في مورد الذكر .
ولم يغفل ملفاً إلا وجاء على ذكره .. حتى أن الفترة التي اعتبرتها دوما بالفترة المنسية قد جاء عليها وهي الفترة الممتدة ما بين العام 1948 والعام 1967 ، كما ولم يغفل أيضاً ملف الأسرى المفقودين .
أفتخر بأنني عاصرت الحركة الأسيرة منذ نشأتها ويوم أن كنت طفلاً حينما كان والدي يتنقل من هذا السجن إلى ذاك ، وعاصرت تطوراتها وعايشت بعض محطاتها بعدما تعرضت للاعتقال لأربع مرات ، وواكبت أحداثها ومحطاتها المختلفة من خلال متابعتي الحثيثة لملفاتها المتعددة ، لكنني صدقاً وبعدما اطلعت على محتويات هذا الكتاب تفاجأت بحجم المعلومات والأحداث ، وشعرت وكأنني حديث القراءة عن تاريخ كنت أعتقد أنني ملم به ، ليتضح لي بأنني لم أعد كذلك ، بل أجهل الكثير من فصوله ، وتفاصيل بعض محطاته .
وخلال قرائتي للكتاب توقفت كثيراً أمام بعض المحطات لأجبر على العودة للوراء سنين طويلة أستحضرت فيها الماضي بأحداثه تارة ، وأتخيل الكاتب وكأنه أمامي يتحدث ويشرح ويرسم معالم تلك الفترات تارة أخرى .
بطبيعة الحال ( لا ) أستطيع أن أسجل كل ما لاحظته أثناء قراءتي للكتاب ولكن محتوياته وحجم المعلومات التي وردت به أبهرتني بشموليتها وقوة صياغتها وبكلماتها المؤثرة .
ولفت انتباهي بأن الكاتب لم يذكر في كتابه من الأسماء أحداً ، حتى ممن استشهدوا داخل السجون ، او ممن يُطلق عليهم "جنرالات الصبر " وهو المصطلح الذي يُطلقه الفلسطينيون على من أمضوا ربع قرن وما يزيد في سجون الاحتلال وهم كُثر بالمناسبة ، أو بعض تلك الأسماء التي اعتبرت نجوماً ساطعة في مسيرة النضال والحرية خلف القضبان ، وتركت بصمات واضحة في تاريخ الحركة الأسيرة .
إلا أن عدم ذكر أي من الأسماء كما تعمد الكاتب لها من الايجابيات ما لها ، فهو أراد أن يجعل من ذاك التاريخ ملكاً للجميع وهذا بحد ذاته انصاف لكل من اعتقل وذاق مرارة الأسر ، كما والأهم انه لم يعظم الذات أو الأفراد ، ولم يربط الأحداث بالأشخاص، ولم يتنكر لأحد ، ولم يُقزم أي من التنظيمات الفلسطينية ، ليتناول الأمور من منظار وحدوي وعام ليبرز الهوية الفلسطينية بأبعادها المتعددة .
وليس كل ما هو مدون في الكتاب ينطبق على الجميع ، ولكن كل من تعرض للاعتقال أو الحتجاز وسيقرأ الكتاب سيجد نفسه به ، وسيجد ما ينطبق عليه ، يذكرك بالماضي الذي عايشته أو ذاك الذي قرأته ، وبالحاضر المر ومأساته ويفتح جروحاً لم تندمل بعد .
ويقلب صفحات كدنا أن ننساها في زحمة الأحداث وهموم الحياة اليومية ، ومع مرور الوقت وأنت تطالع محتوياته تشعر بالفعل ان الكتاب كتابك ، بل هو كتاب مئات الآلاف من الأسرى الفلسطينيين ممن تقاسموا معك ألم القيد وعايشوا عتمة الزنازين ، وهذا الإحساس هو الذي يدفعك لان تواصل قراءته ، وكلما قرأت المزيد اكتشفت مزيداً من المعلومات و ازددت شوقاً لمعرفة المزيد عن تاريخ الحركة الأسيرة ، واحترمت الكاتب أكثر.
الكاتب أسير سابق ومبعد يتحدث في كتابه هذا عن تجربته الشخصية ، وذكرياته المريرة مع السجن و الإبعاد ، وعن الصور والمشاهد والذكريات الأليمة والمفرحة التي لا تزال عالقة في ذهنه ، ليضيف إليها خبرته وخبرات الآخرين وتجاربهم ، ليس من منظور ذاتي أو استعراض لبطولات خاصة ، أو حزبية وفئوية كما يحلو للبعض صياغتها ، وإنما - وهذا هو الأهم - استغلها واستثمرها إلى جانب خبراته وبحثه ومراجعاته العميقة في خدمة تاريخ عريق هو يرى بأنه جزء منه وهو جزء منه حقاً ، لينقلك عبر صفحات كتابه التي تزيد عن الألف صفحة ، وسطور كلماته من محطة الى أخرى وكأنك تعيش الحالة بكل ما يعنيه ذلك من مشاعر وأحاسيس .
سرد لعناوين مختلفة ، وليس مجرد إسهاب لملفات محددة ، وانما يفتح ملفات هي الأشمل ويستعرض سياسات وممارسات وقوانين إسرائيلية قديمة وجديدة ليفضحها أمام الرأي العام ودعاة الديمقراطية وحقوق الانسان .
أتفق في الختام مع الكاتب على ان كتابه هذا ( لا ) يشمل كل مناحي الحياة الإعتقالية ، ومحطاتها المختلفة وأحداثها المتعددة كافة ، لكن أجزم بأنه الكتاب الأكثر شمولية وروعة في مجال التوثيق ، توثيق تاريخ الحركة الأسيرة ومسيرتها خلال العقود المنصرمة .
و أتمنى على صناع القرار، الاهتمام بهذه الدراسة التوثيقية وتبني هذا العمل ، لتشكيل حافز للآخرين ن وللمضي قدما صوب توثيق شامل وكامل لتاريخ الحركة الأسيرة والذي أخشى أن يندثر دون أن نوافيه حقه ، ودون أن نوثقه للأجيال القادمة ، ..
وربما يحتاج الناس كل الناس إلى قراءة هذا الكتاب أكثر من مرة ، وقد قيل من قرأ تاريخاً غير تاريخه وأضاف خبرة الناس لخبرته ، فقد أضاف عمراً إلى عمره ، ..
عبد الناصر عوني فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في دولة فلسطين
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة
ايميل / ferwana2@gmail.com
0599361110- 0598937083
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان