أسرى فلسطين.. الشتاء يضاعف معاناتهم والبرد يؤذي أجسادهم
*بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
16-1-2022
تتعرض البلاد هذه الأيام إلى منخفض جوي شديد أدى إلى هطول أمطار غزيرة، وثلوج في مناطق عديدة، وانخفاض كبير في دراجات الحرارة لتصل إلى أدنى من معدلاتها ببضع درجات لتصبح الأجواء باردة جداً، مما يُفاقم معاناة الكثيرين ويؤذي صحتهم. فهناك من هم غير قادرين على اقتناء ما يحميهم من برد الشتاء وصقيع المنخفض الجوي، وليس باستطاعتهم توفير العلاج اللازم لما يُصيبهم من الأمراض وما أكثرها هذه الأيام، بسبب فقرهم وسوء ظروفهم وضعف إمكانياتهم، أو لعدم مقدرتهم على توفيرها بفعل من يُسجنهم ويتعمد إيذائهم، كما هو حال أسرانا ومعتقلينا في سجون الاحتلال الإسرائيلي. نعم، هذا حالهم، وتلك أوضاعهم. ما داموا خاضعين للحجز وحيثما كان مكان الاحتجاز. في شمال البلاد وأواسطها، أو في جنوبها وسط صحراء النقب.
شتاء عدو لهم، وأمطار غزيرة تُغرق بعضهم ورياح عاصفة تؤرقهم، وبرد قارس يُؤذي جميعهم وينخر عظامهم، وأمراض تؤلم الشاب والكهل وتوجع الشيخ والهرم، وعواصف شديدة ومنخفضات جوية متفرقة تفاقم مأساتهم، وتزيد أوضاعهم الصحية بؤساً وتعقيداً. ولا أظن أن أحداً من المحررين قد عاش مثل هذه الأجواء الشتوية في سجون الاحتلال ويمكنه أن ينسى تلك الأيام والليالي الباردة. فيا أيها الشتاء: فلتغادر رفقاً بهم ويا برد كانون ارحم ضعفهم وقلة حيلتهم. فما عاد بمقدور الأسرى والمعتقلين تحمل مزيد من الألم والوجع.
في الشتاء: نقص في الأغطية والملابس الشتوية، وفقدان وسائل التدفئة، وظروف احتجاز هي الأسوأ في ظل تردي النظام الغذائي، وأمراض كثيرة تظهر، دون أن تجد ما يمنعها من الاستفحال في الجسد أو الانتشار بين المجموع، في ظل تدني الخدمات الطبية واستمرار الاهمال الطبي. فيزداد ألمهم ألما، وتزداد معاناتهم معاناة، خاصة في مراكز التوقيف وأقسام التحقيق. فتتحول الأمراض البسيطة والعرضية إلى مزمنة ومستعصية يصعب علاجها لاحقا. فيما تتفاقم المعاناة لدى الأسرى المرضى وكبار السن أضعاف المرات.
لم تكتفِ إدارة السجون بذلك، بل تتعمد أحياناً للجوء الى اتخاذ إجراءات وخطوات استفزازية، واقتحامات واعتداءات متعمدة، وتفتيشات متكررة بذريعة (الأمن) للتضييق على الأسرى والتنغيص عليهم، وإلحاق الأذى الجسدي والنفسي والمعنوي المتعمد بهم. بعكس ما يتوجب عليها فعله وفقاً لما تنص عليه كافة المواثيق والأعراف الدولية ذات العلاقة بالأسرى والمعتقلين والتي تُلزم الدولة الحاجزة بتوفير كل ما يلزم لعلاجهم وحمايتهم من خطر الموت أو الإصابة بالأمراض. وخاصة المادة (13) من اتفاقية جنيف الثالثة، و(91-85) من اتفاقية جنيف الرابعة.
لم يقتصر الأمر على ذلك، وإنما تتفنن إدارة السجون في تقديم الذرائع لمنع إدخال ما ينقصهم عن طريق الأهل أو المؤسسات المختصة، فيما تلجأ أحياناً إلى توفير جزء من الملابس والأغطية الشتوية في مقصف السجن وبأسعار باهظة، فيضطر الأسرى إلى شرائها.
ونحن في بداية عام جديد، ومع استمرار وجود قرابة (4600) فلسطيني في سجون الاحتلال، بينهم (160) طفلا، و(33) أسيرة، ووسط تحديات ظروف الاحتجاز وقسوة معاملة السجان وتردي الأوضاع الصحية وجائحة كورونا وتزايد أعداد المصابين بالفايروس في صفوف الأسرى والأسيرات وتأثيرات فصل الشتاء والمنخفض الجوي، فان المسؤولية تزداد بزيادة المخاطر وتتطلب جهدا كبيرا وضغطا مؤثرا من أجل ضمان توفير الحد الأدنى من الحماية الإنسانية والقانونية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
عن المؤلف:
عبد الناصر فروانة: أسير محرر ومختص بشؤون الأسرى والمحررين، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين، وعضو لجنة إدارة هيئة الأسرى في قطاع غزة، وله موقع شخصي مختص بشؤون الأسرى: فلسطين خلف القضبان.