زيارات الأسرى والمعايير الإسرائيلية ..
* بقلم / عبد الناصر فروانة
16-7-2012
استؤنف اليوم الاثنين برنامج الزيارات لأهالي قطاع غزة بعد توقف استمر لما يزيد عن الخمس سنوات ، وسُمح لسبعة وأربعين زائرا فقط من الزوجات والآباء والأمهات لخمسة وعشرين أسيرا من سجن ريمون يشكلون ما نسبته 5 % فقط من مجموع أسرى قطاع غزة .. دون تحديد شكل وطبيعة ومدة الزيارة .
وتجمع الأهالي أمام مقر الصليب الأحمر بمدينة غزة منذ الساعة الثالثة فجراً ، في مشهد رائع ومؤثر، ومن ثم أقلتهم حافلة فلسطينية برفقة بعثة الصليب الأحمر إلى معبر بيت حانون / ايرز شمال القطاع ، ومنه عبروا للطريق إلى سجن " ريمون الإسرائيلي " الذي أنشئ حديثاً عام 2006 في صحراء النقب بجوار سجن نفحة ، ويبعد قرابة مئتي كيلو متر عن مدينة غزة .
مشهد لم نعتد عليه منذ أكثر من خمس سنوات حينما قررت " اسرائيل " وبقرار سياسي وكعقاب جماعي حرمان كافة أهالي الأسرى من الخروج من قطاع غزة وزيارة أبنائهم تحت حجج وذرائع مختلفة أبرزها ما أعلنت عنه في حينها وهو وجود " شاليط " في قبضة المقاومة بغزة ، وأن القطاع ( كيان معادٍ يسيطر عليه تنظيم إرهابي، تسود بينه وبين إسرائيل حالة حرب ، وأنها ليست ملزمة بالسماح لسكان قطاع غزة بمن فيهم ذوي الأسرى بدخول مناطق نفوذها وزيارة أبنائهم المعتقلين في سجونها ) .
ثمرة من ثمار الإضراب عن الطعام ..
زيارات تحققت بعد طول انتظار ، وخطوة في الاتجاه الصحيح ، لكنها هذه المرة لم تكن نتاجاً لجهود رسمية وشعبية ، أو تلبية لدعوات ومناشدات مؤسسات حقوقية وإنسانية ، أو احتراماً لتدخلات منظمة الصليب الأحمر الدولية .
وإنما هي ثمرة من ثمار الإضراب المفتوح عن الطعام الذي خاضه الأسرى في السابع عشر من ابريل / نيسان الماضي ، حيث كان أحد أبرز مطالبهم " السماح لذوي أسرى القطاع بزيارة أبنائهم " .
وهي جزء أساسي من الاتفاق الذي وقع ما بين قيادة الإضراب وممثلي الأسرى من جانب ، وإدارة مصلحة السجون الإسرائيلي من جانب آخر في الرابع عشر من مايو/آيار الماضي والذي بموجبه أنهى الأسرى إضرابهم عن الطعام بعد 28 يوما متواصلة ، حيث تضمن البند الثالث نصاً واضحاً يُسمح بموجبه لكافة الأهالي من الضفة الغربية وقطاع غزة بزيارة أبنائهم في السجون الإسرائيلية في غضون شهر من توقيع الاتفاق .
ولكن كالعادة " إسرائيل " ماطلت بالتنفيذ وتنصلت من الالتزامات ولم تحترم التفاهمات ، الى أن سمحت اليوم باستئناف الزيارات لدفعة أولى من الأسرى نتاجا للضغط المتواصل أيضاً من الأسرى وتهديدهم بالعودة للإضراب إذا واصلت " اسرائيل " مماطلتها في استئناف الزيارات .
هذه الدفعة شملت سبعة وأربعين زائراً من الآباء والأمهات والزوجات فقط لخمسة وعشرين أسيراً ، أختيرت بشكل أحادي من قبل الجانب الإسرائيلي ، وأخضعت أسمائهم جميعاً ( أسرى وزوار ) للمعايير الإسرائيلية المجحفة ، والمزاج " الأمني " الإسرائيلي ، وهذا من شأنه أن يخلق اشكالات كثيرة ومعيقات عديدة في المستقل .
وهذا ربما هو السبب أيضا الذي دفع البعض لعدم التوجه للزيارة بسبب المرض وعدم القدرة على تحمل أعباء السفر الطويلة والمرهقة .
كما وان " اسرائل " لم تلتزم أيضا بقوانينها الخاصة بالزيارات والمعمول بها ، فهي وعلى سبيل المثال حددت لكل أسير شخص أو اثنين فقط على أن تكون صلة القرابة ( أب ، أم أو زوجة ) ، كما لم تسمح للأطفال بمرافقة أمهاتهم لزيارة آبائهم .
واشترطت أيضاً على الزوار عدم اصطحاب أي شيء معهم باستثناء الماء فقط ، ومنعتهم من اصطحاب بعض الاحتياجات الأساسية للأسرى من أدوية وملابس أو أحذية ، كما لم تسمح لهم باصطحاب مأكولات لهم سيحتاجون لها بالتأكيد خلال مسيرتهم الطويلة التي ستمتد لساعات طويلة قد تصل الى أكثر من عشر ساعات .
وبررت " اسرائيل " اجراءاتها وتدابيرها الأمنية هذه ، على اعتبار أن هذه الزيارة هي الأولى لأهالي الأسرى منذ أكثر من خمس سنوات وهي بمثابة زيارة تجريبية واستكشافية ، وعلى ضوء تقييمها لمسيرتها ستحدد كيفية التعاطي مع القضية في المرحلة المقبلة و آليات التعامل معها .
وحسبما أبلغنا به ممثل الصليب الأحمر فان الدفعة الثانية ستشمل ( 50 ) أسيرا من سجن نفحة وستكون يوم الإثنين القادم ( 23-7 ) ، وهكذا يبدو لي شكل الزيارات بـ " القطارة " ووفقا للظروف والمزاج الإسرائيلي .
وهذا يعني أيضا بأنه فيما لو افترضنا بأن " اسرائيل " ستسمح لجميع أسرى القطاع بالزيارة – وهذا أمر مشكوك به - ، وأن الزيارات صارت وفقا لهذه الآلية وبهذا الشكل وتلك الأعداد ، فان الدفعة التي زارت اليوم ، سيسمح لها بالزيارة ثانية بعد بضعة شهور .. وهذا يعني أن برنامج الزيارات لن يكون منتظماً ....
على العموم ، وبالرغم مما يمكن أن يُسجل على " الزيارة " فإنها تُعتبر خطوة ايجابية في اتجاه كسر الحصار المفروض على أهالي الأسرى ، من ناحية ، ومن ناحية ثانية هي بالتأكيد انتصار لصمود ونضالات الأسرى الذين استطاعوا انتزاع هذا الحق من خلال معركة الأمعاء الخاوية وإضرابهم الأخير عن الطعام ... فهنيئاً للأسرى وهنيئاً لكل من سُمح له بالزيارة من الأسرى أو ذويهم وعقبال عند الآخرين .
لكنها خطوة محدودة جداً و ( لا ) تلبي الحد الأدنى من حقوق الأسرى وذويهم ، وشكلت صدمة للجميع لاسيما لأهالي وأطفال الأسرى الذين حرموا من زيارة أبنائهم منذ سنوات طوال ، وكانوا ينتظرون موعد استئناف برنامج الزيارات بشكل منتظم و للجميع دون استثناء .
لهذا اكرر ما قلته في أكثر من مناسبة سابقة عقب انتهاء الإضراب ، علينا أن لا نفرط بالتفاؤل أو نبالغ بالانتصار ، فالطريق ما تزال في بدايتها ، وكالعادة " اسرائيل " كثيراً ما نكثت بالوعود ، وتنصلت من الالتزام بالنصوص ، وماطلت بالتنفيذ وتحججت بالذرائع الأمنية .
الزيارة حق مشروع وقانون 1996 هو أول من وضع الأساس لشرعنة حرمانها
فزيارات الأهل حق مشروع كفلته كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية ، و" إسرائيل " صادرت هذا الحق وحولته الى لفتات إنسانية تقدمها كيفما ومتى تشاء وبالطريقة التي تراها مناسبة ، فقلبت المعادلة وتعاملت على قاعدة أن ( الزيارات ) استثناء ، و( المنع ) قاعدة ، وفي كثير من الأحيان لجأت على منعها كعقاب فردي وجماعي بحق الأسرى وذويهم.
والأمر ليس جديداً أو استثنائيا بحق أسرى القطاع وذويهم فقط ، وإنما يُطبق وبشكل فردي وجماعي منذ العام 1996 بحق كافة الأسرى وذويهم ومن كافة المناطق ، وذلك حينما أقرت " إسرائيل " قانوناً يُسمح بموجبه فقط لمن هم من الفئة الأولى بزيارة أبنائهم وأقربائهم الأسرى وبالمقابل يُحرم آلاف من الأقارب والأصدقاء ممن هم خارج هذه الفئة من زيارة أحبتهم ..
هذا القانون من وجهة نظري المتواضعة هو أول من وضع الأساس لشرعنة الحرمان من الزيارات ، ومصادرة حق التزاور والإلتقاء المتواصل الذي كفلته كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية والتي منحت الأسير الحق في استقبال زائريه .
إن الكثيرين ممن هم في دائرة القرابة الأولى كالأب و الأم أو الزوجة مُنعوا من الزيارة تحت حجج وذرائع أمنية واهية تُسمى بـ " المنع الأمني " ، وأن بعض الأسرى مُنعوا من الزيارات كـ " اجراءات عقابية " .
انتهاك للحق بالزوار ... وانتهاك لإتفاق انهاء الإضراب ..
ان هذه الإجراءات المتمثلة بالمنع ، أو العقاب ، أو وضع عراقيل أمام اتمام الزيارات ، من منظور قانوني وانساني هي بمثابة إجراءات مخالفة لكل المواثيق والاتفاقيات الدولية وانتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان الأسير ، كما وأنها تعتبر انتهاك فاضح للإتفاق الذي وقع ما بين ممثلي الأسرى وإدارة السجون والذي بموجبه أنهى الأسرى إضرابهم عن الطعام بعد 28 يوما متواصلة .
إذا نحن أمام ممارسة ثابتة بدأت منذ أكثر من ستة عشر عاماً وأخذت أشكالا متنوعة تحت عنوان واحد " الحرمان من الزيارات " كإجراءات عقابية فردية وجماعية بهدف الانتقام من الأسرى وذويهم وأبنائهم ومفاقمة معاناتهم والتضييق عليهم ، وأن هذه الممارسة تندرج في إطار سياسة اسرائيلية ممنهجة ومعايير ظالمة ، يجب العمل على تغييرها بما يكفل ويضمن استئناف الزيارات لكافة أسرى قطاع غزة بمختلف انتماءاتهم الحزبية ودون استثناء وانتظام برنامجها أيضاً .
وكذلك رفع ما يُسمى " المنع الأمني " عن المئات وربما الآلاف من ذوي أسرى القدس والضفة الغربية والسماح لجميع الأهالي – ممن هم من الفئة الأولى - بزيارة أبنائهم وآبائهم الأسرى دون قيود أو شروط ، وإلغاء كافة المعايير والإجراءات التي أدت لاتساع دائرة الممنوعين والمحرومين من الزيارة ممن هم من الفئة الأولى ...
وهذا لا يعني إقرارنا بمشروعية قانون الزيارات المجحف الذي أقر عام 1996 والذي سمح بموجبه فقط لمن هم من الفئة الأولى بزيارة الأسرى ، أو التسليم به ، وإنما ليكن ذلك مقدمة لإلغاء القانون الذي أقر وطُبق منذ ستة عشر عاماً ، وإنتزاع حق الزيارات واستئناف برنامجها وانتظامه كما كان قبل العام 1996 كحق مشروع كفلته كافة المواثيق والأعراف الدولية بعيداً عن المعايير الظالمة ودون إخضاعها للمزاج الإسرائيلي.
ولكن كيف يمكن لنا تحقيق ذلك .. وإلزام " إسرائيل " بتطبيق نصوص الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بقضية الزيارات وحق الأسرى المسلوب في استقبال زائريهم .. ؟
سؤال تحتاج الإجابة عليه لمشاركة الجميع داخل السجون وخارجها .
عبد الناصر فروانة
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة
0599361110
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان