الانتخابات والأمل في معالجة تداعيات الانقسام على قضية الأسرى

 

 

*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة

16-1-2021

 

نتابع، ومعنا كافة الأسرى والمحررين وعوائلهم، باهتمام بالغ كافة التطورات في ملف المصالحة الفلسطينية، ونرحب بشدة بصدور المرسوم الرئاسي بشأن إجراء الانتخابات العامة، ونعلق آمالا كبيرة على اجرائها، ونأمل أن تشكل فرصة لإحداث التغيير المأمول والتداول السلمي للسلطة، ومدخلاً لاستعادة الوحدة الوطنية وطي صفحة الانقسام بكل أشكاله، ومعالجة أسبابه وتداعياته وآثاره السلبية، وتحقيق المصالحة الحقيقية وترسيخ الشراكة الوطنية.

 

ان أحداث الخامس عشر من حزيران/يونيو عام 2007، أحدثت انقساماً حاداً على الساحة الفلسطينية، مازلنا نعاني تداعياته وندفع ثمن بقائه واستمراره، وما زالت القضية الفلسطينية تُعاني آثار الفصل والتمزق وتداعياته. ومخطئ من يظن أن الأسرى الفلسطينيين يعيشون في كوكب آخر وأن هذا "الانقسام" لم يمتد إليهم داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، أو أن آثاره المؤلمة والقاسية، وتداعياته الخطيرة التي أنهكت شعبهم، لم تتسلل إلى صفوفهم ولم تُنهك قواهم وتمزق وحدتهم.

 

فـالانقلاب، أو كما يحلو للبعض تسميته بـالحسم العسكري أو استعادة السيطرة - أسموه ما شئتم واطلقوا عليه من المصطلحات ما أردتم- كان يوماً أسوداً في تاريخ الشعب الفلسطيني، وألحق بشعبنا وقضيتنا الضرر الكبير وأحدث الانقسام المرير. والأسرى هم جزء وجزء أصيل من الشعب الفلسطيني، وامتداد طبيعي لتنظيماتهم وللنسيج الوطني والسياسي والاجتماعي الفلسطيني، يؤثرون ويتأثرون، لذا فالانقسام الذي مزقّ الوطن، وفتت وحدة النسيج الاجتماعي، امتد وتخطى الجدار الشاهقة وخدش وحدة الأسرى داخل السجون، وانعكس سلباً على طبيعة العلاقات الداخلية، وأدى الى تراجع مسيرتهم النضالية، وأضعف من قدرتهم-بهذا القدر أو ذاك-  على مواجهة السجان، وتشتت المواقف وتبعثرت الجهود، وما الخطوات النضالية الفردية أو الحزبية إلا انعكاس لهذا الواقع المرير. لهذا لم نعد نرى إضراباً شاملاً يخوضه كافة الأسرى بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، على الرغم من أن الحركة الأسيرة هي أحوج ما تكون لهذه الخطوة في ظل تصاعد الإجراءات القمعية بحقهم من قبل إدارة السجون في السنوات الأخيرة ومصادرة أبسط حقوقهم والاستمرار في الاستهتار الإسرائيلي بحياتهم وأوضاعهم الصحية حتى في زمن "كورونا" وفي ظل انتشار الجائحة وارتفاع أعداد المصابين بين صفوف الأسرى.

 

ومما لا شك فيه أن إدارة السجون اقتنصت الفرصة ولم تفوتها، فصعّدت من قمعها واجراءاتها التعسفية وأقدمت على اتخاذ خطوات تغذي "الانقسام"، وتضعف قوة الأسرى والمعتقلين وتعمق من انقسامهم، فاستفردت بهم وعززت من الفصل فيما بينهم وفقاً للسكن تارة، والانتماء الحزبي تارة أخرى، دون أن نرى أو نلمس خطوات احتجاجية أو مطالبات جادة لإنهاء هذا الفصل والعودة للعيش في أقسام موحدة وغرف مشتركة كما كان حاصل في الماضي. وما يحدث في الخارج من تفاهمات ثنائية مع الاحتلال بعيدا عن الاجماع الوطني، يمكن أن يحدث شيئاً مشابهاً له ومنفرداً مع إدارة السجون داخل المعتقلات، فهذا حالنا المؤلم.

 

وان انتقلنا إلى خارج السجون، فبسبب "الانقسام" وتداعياته، تشتت جهودنا ولم تعد معاناة الأبناء في سجون الاحتلال توحد الآباء والأمهات وأفراد عائلاتهم خارج السجون، مثلما كان الحال سابقاً. كما ولم تعد آلام المحررين توحد جهودهم وتوجهاته وطلباتهم. ورأينا كذلك مؤسسات تُعنى بالأسرى وقد أغلقت ووسائل اعلام وقد تأثرت بسبب الانقسام، وعراقيل كثيرة وضعت أمام العديد من الأنشطة المساندة جراء الخلافات الداخلية، وأسرى محررين فقدوا وظائفهم وقوت أطفالهم ومُسّت رواتبهم بسبب الانقسام أيضاً، وآخرين اُعتدى عليهم وزج ببعضهم في السجون الفلسطينية. وفي العديد من الأحيان كان ينتابنا شعور أن قضية الأسرى لم تعد تجمعنا، ولم تكن كما كانت دوماً خط أحمر. هذه هي الصورة المرة والتي نأمل أن تتحسن قليلا مع قادم الأيام، وأن تتغير جذرياً ما بعد اجراء الانتخابات الفلسطينية، وأن تُعالج كافة الملفات ذات العلاقة بالأسرى والمحررين والحركة الأسيرة بما يعيد لقضية الأسرى هيبتها ويعزز مكانتها على كافة الصعد، وبما يضمن للحركة الأسيرة وحدتها، وبما يحقق للأسرى والمحررين المساواة، ويكفل لهم ولعائلاتهم مستوى لائق من الحياة الكريمة.

 

ان رسالة الأسرى والأسرى المحررين، كانت وما زالت وستبقى دوما هي: "الوحدة الوطنية أولا، والوحدة الوطنية ثانيا، والوحدة الوطنية ثالثا"، وهم من استشعروا الخطر مبكراً، وحذروا مراراً من تداعيات الاقتتال الفلسطيني – الفلسطيني الذي سبق "الانقسام". ولأنهم الطليعة والأكثر قراءة للواقع والحاضر والمستقبل، أصدروا "وثيقة الوفاق الوطني" التي شكلت لاحقاً أساساً قوياً للحوار الفلسطيني – الفلسطيني، ومقدمة مهمة لاستعادة الوحدة الوطنية. وكثيرة هي المرات التي ناشدوا فيها بضرورة انهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية.

 

فالأسرى والمحررين، هم وقود الثورة وانتفاضتي الحجارة والأقصى، وهم بناة الدولة وعماد الوطن، وهم من ناضلوا وأفنوا زهرات شبابهم وسنوات طويلة من أعمارهم خلف القضبان من أجل وطن واحد، وشعب واحد، وعلم واحد. لا من أجل وطن ممزق يغيب عنه علم الجميع لصالح تعدد الرايات الحزبية، وشعب يتخاصم فيه الإخوة ويتقاتل فيه المقاتلون.

 

واليوم وبعد صدور المراسيم الرئاسية بإجراء الانتخابات، فإننا نتطلع الى ضمان إجرائها في كافة محافظات الوطن وطي صفحة الانقسام واستعادة وحدة الشعب الفلسطيني، بما يخدم مسيرته الكفاحية في ظل التحديات الكبيرة التي تواجهها القضية الفلسطينية في الوقت الراهن.

 

وفي الختام، ونحن نتحدث عن المصالحة الفلسطينية والانتخابات العامة والأمل في استعادة الوحدة الوطنية، لا بد وأن نشيد بدور مصر وجهودها الكبيرة ورعايتها الدائمة لملف المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، كما ونشيد بكل الجهود المخلصة التي بُذلت من الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم من أجل الوصول الى هذه المرحلة على طريق اتمام المصالحة وانهاء الانقسام.

فقوتنا تكمن في وحدتنا، وبوحدتنا نمضي نحو تحقيق أهداف شعبنا المشروعة في الحرية والاستقلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

 

عن المؤلف

*عبد الناصر فروانة، اسير محرر ومختص بشؤون الأسرى والمحررين، وعضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس وحدة الدراسات والتوثيق في هيئة شؤون الأسرى والمحررين وعضو اللجنة المكلفة لإدارة شؤون الهيئة بقطاع غزة.