أمهر قناصي العالم
" ثائر" فلسطيني الهوية .. فتحاوي الإنتماء
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
ليس بالضرورة أن تكون فتحاوياً كي تحترم هذا الثائر ، فيكفيك فخراً بأن فلسطين أنجبته ، ليثأر لكل فلسطيني عانى من الإحتلال وبطشه .
وليس بالضرورة أن تكون فلسطينياً ، لكي تتعرف على هذا المقاوم الذي لقن جيش الإحتلال درساً لن ينسوه أبد الدهر في القنص والمقاومة ، وفي العمل الفدائي النوعي .
انه فلسطيني الهوية ، فتحاوي الإنتماء ، وأمهر قناصي العالم ، الذي استطاع بمفرده اطلاق ( 26 رصاصة فقط ) من بندقيته الخاصة ، ليقتل بها 11 جندياً ويصيب ثمانية آخرين من جنود الإحتلال الإسرئيلي ، انه الأسير " ثائر حماد " ، أمير كتائب شهداء الأقصى وقناص " وادي الحرامية " .
" ثائر " قناص من نوع فريد قد يكون الأول في العالم
عملية قنص نوعية أطلق خلالها ( 26 طلقة ) أدت الى قتل واصابة 19 جندي ومستوطن اسرائيلي ، وبطلها الأسير القناص " ثائر كايد قدورة حماد " ( 29 عاماً ) ومن مواليد 25-7-1980 ، أعزب ويسكن بلدة سلواد قضاء رام الله ، وأحد مقاتلي كتائب شهداء الأقصى الذراع العسكري لحركة " فتح " ، الذي استطاع بمفرده وببندقية واحدة قديمة الصنع من زمن الحرب العالمية الثانية ، أمريكية الأصل ، من ماركة " أم 1 " ، وبهدوء المقاتل الواثق بحتمية الإنتصار ، ونفذ عملية قنص هي الأزخم من نوعها منذ سنوات واعتبرتها حكومة الإحتلال أخطر عملية نوعية تنفذها المقاومة أثناء انتفاضة الاقصى ، ولربما هي الأولى منذ عقود .
وأجزم بأنه اذا أجريت مسابقة عالمية باستخدام بنادق قديمة مشابهة فقد يحصل " ثائر " على المرتبة الأولى حيث أصاب ( 19 ) من 26 طلقة منهم 11 اصيبوا في أماكن قاتلة أدت لوفاتهم ، ولو لم تنفجر البنقية بين يديه لواصل قنصه .
" ثائر " شاب فلسطيني أراد الإنتقام من الإحتلال وممارساته وجرائمه بحق شعبه الفلسطيني ، فاختط الثورة طريقاً و" فتح" أداة والبندقية وسيلة ، وجرأته وحنكته العسكرية وهدوئه سبباً لنجاحه ، وايمانه بالله ورضاه حماية لخطواته وتتويجاً لإنتصاره .
فاستيقظ صباح يوم الاحد الثالث من آذار / مارس 2002 ، وتوضأ وأدى صلاة الفجر وتناول نسخة المصحف في جيبه ، وارتدى بزة عسكرية لم يسبق وشوهد يرتديها وتمنطق بأمشاط الرصاص وامتشق بندقيته وتفقد عتاده المكون من ( 70 ) رصاصة خاصة بهذا الطراز القديم من البنادق.
وامتطى الفارس " ثائر" صهوة جواده وانطلق به الى جبل الباطن الى الغرب من بلدة سلواد ، وتحصن بين الصخور وأشجار الزيتون وصوب بندقيته صوب الحاجز العسكري بجنوده ومكوناته التي تشوه المكان ، فيما يُسمى حاجز " وادي الحرامية " واخذ يراقب ويستعد بانتظار ساعة الصفر .
وفي السادسة إلا ربع صباحاً ضغط بأصبعه على زناد بندقيته وأطلق الرصاصة الأولى ، واستمر في اطلاق الرصاص القناص وهو يصيب الواحد تلو الآخر من جنود الإحتلال ، ومن ثم ترجل عدد من المستوطنين ، فنالهم ما نال الجنود من رصاص ، ودورية أخرى وصلت للمكان للتبديل ، فأصابها ما أصاب من كان قبلها في المكان ، وفجأة انفجرت بندقيته العزيزة بين يديه وتناثرت اشلاء فأجبر على انهاء المعركة ، بعد أن اطلق ( 26 ) رصاصة فقط ، استقرت جميعها في أجساد جنود الإحتلال ومستوطنيه وأسفرت عن مقتل 11 جنديا ومستوطنا واصابة ثمانية آخرين ، حتى ساد الصمت منطقة الحاجز بأكملها وفي الساعة السابعة والنصف قرر الإنسحاب عائداً الى بيته وكأن شيئاً لم يحدث .
وفي أعقاب العملية فرضت قوات الاحتلال طوقاً حول بلدة سلواد ونفذت حملة تمشيط بحثاً عن المنفذين المحتملين وأعتقل ثائر وأفرج عنه بعد 3 ايام ، ربما لم يدر في خلد المحققين ان هذا الفتى ابن الثانية والعشرين هو منفذ العملية ، حيث كانت كل التوقعات تشير الى رجل عجوز ، وبعد 31 شهر داهمت قوات الإحتلال منزلته واعتقلته فجر يوم 2-10-2004 ، ليبدأ مشواراً جديداً خلف القضبان ، متنقلاً ما بين السجون مع إخوانه ورفاقه الأبطال الذين افتخروا به وتغنوا باسمه قبل أن يعرفوه ، ورحبوا به وأعربوا له عن سعادتهم بوجوده بينهم وبما قام به من عمل نوعي غير مسبوق في عمليات القنص والمقاومة .
ومن ثم بدأت رحلته مع المحكمة العسكرية في عوفر جنوب غرب رام الله والتي عقدت للنظر في القضية ولائحة الإتهام ضده أكثر من ثلاثين جلسة ، انتهت في 29 أكتوبر عام 2006 الى اصدار حكم بالسجن المؤبد 11 مرة ، وهو يقبع الآن في سجن " ريمون" المجاور لسجن نفحة في صحراء النقب .
ومر على اعتقاله ست سنوات ونيف ، وآمل أن لاتطول فترة اعتقاله ، وأن يطلق سراحه قريباً ضمن صفقة تبادل الأسرى مع " شاليط " فثائر وأمثاله من رموز المقاومة يستحقون بذل المزيد من الجهد والتضحية من أجل ضمان الإفراج عنهم وعودتهم لشعبهم الذي أحبهم وشمخ بهم .
سجل فتح حافل بالعمليات البطولية
وما بين " فتح " الرائدة ، وقدس العروبة ، وفلسطين الأم ، ترابط وثيق ، وثورة عريقة ، ومواقف اسطورية ، ومآثر بطولية ، وحكايات طويلة ، ترددها الألسن وتحفظها القلوب والعقول ، وتحتل مساحة كبيرة هي الأوسع في الذاكرة الفلسطينية المعاصرة ، تغنى بها الأجداد والآباء ، وسيرددها الأحفاد ، لطالما بقىّ الشعب الفلسطيني حياً ، وهو حي لايموت ...
فعمليات " فتح " هي كثيرة وكثيرة جداً ، بدءً من " عيلبون " ، ومروراً بعملية الساحل التي قادتها الشهيدة دلال المغربي عام 1978 ، و" تفجير فتدق سافوي " في نيسان 1975 ، و" 21 ساعة في ميونخ " واحتجاز ، والعمليات الإستشهادية خلال انتفاضة الأقصى الحالية ، وليس انتهاءً بعملية القنص في " وادي الحرامية " عام 2002.
وتشكل تلك العمليات الفدائية بمجموعها منذ الإنطلاقة ومروراً بالإنتفاضتين ولغاية اليوم ، جزء كبير ومهم من تاريخ عريق للثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها ، لا يمكن تجاهله أو القفز عنه .
وحركة فتح هي مكون أساسي وهام جداً من مكونات الشعب الفلسطيني وتعتبر قلب الثورة الفلسطينية النابض ، وبتقديري الشخصي بدون " فتح " الفكرة والمبادئ والأهداف ، ( لا ) قضية أو انتصار للشعب الفلسطيني.
وأنا هنا لست بصدد سرد تاريخ حركة " فتح " وعملياتها البطويلة ، ولكن في ظل الحديث عن عملية متميزة نفذها أحد أبنائها ، كان ولا بد من التطرق الى فتح الأم .
ولأننا نحب الرجال اينما كانوا وبغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية ، ونفخر ببطولاتهم ، باعتبارها بطولات لنا ولشعبنا ، كان لابد وأن نستحضر عملية " وادي الحرامية " في ذكرى انطلاقة فتح ، لما شكلته من ضربة قاسية أذهلت قوات الإحتلال والمؤسسة العسكرية بمجملها ، وأدت الى مقتل ( 11 ) جندي اسرائيلي واصابة ثمانية آخرين .
" ثائر " أسير شامخ بماضيه وحاضره ، وعلامة بارزة في التاريخ الفلسطيني المقاوم
المقال نشر اليوم الأحد 16-1-2011 في صحيفة الشعب الجزائرية - العدد الثالث من ملحق الأسرى والقدس