فلسطين خلف القضبان

www.palestinebehindbars.org

 

 

   

" حمزة " أسير فلسطيني دخل عامه الـ 24 في سجون الإحتلال

والدته العجوز تنتظر عودته وتخشى الرحيل قبل أن أن تكحل عيناها برؤيته حراً

 

 

*بقلم / عبد الناصرعوني فروانة

15 نوفمبر 2009

قرابة ثمانية آلاف معتقل فلسطيني يقبعون في سجون ومعتقلات الإحتلال الإسرائيلي ، بينهم أمهات ولدت و أطفال كبرت ، وأسيرات تجرعن المرارة ،  ورجال وشيوخ ومرضى يموتون ببطء ،  ليرسموا جميعاً صوراً مختلفة لبشاعة الإحتلال وإجرامه وانتهاكاته الفاضحة لحقوقهم الإنسانية ، ويسطروا روايات تعتصر لها القلوب ألماً ، وتذرف لها الدموع حزناً ، وقصص من الصمود النادر والإرادة الفذة ، تُذهل لها العقول ، وتصلح جميعها لأن تكون سيناريوهات في سينما "هوليود" .

والأسرى ليسوا مجرد أرقام واحصائيات ، حيث لهم أمهات وآباء ، شقيقات وأشقاء ، أبناء وأحبة ، جيران وأصدقاء و هؤلاء يعانون من الأسر وتأثيراته بشكل مباشر أو غير مباشر ، فالمعاناة تطال الأسير ودائرته الاجتماعية الضيقة والواسعة .

والأسير حمزة النايف هو واحد من أولئك الأسرى ، بل هو واحد من الأسرى القدامى المعتقلين منذ ما قبل أوسلو ، وممن مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً ويحملون لقب " عمداء الأسرى" ..

فهو معتقل منذ الخامس عشر من تشرين ثاني / نوفمبر 1986 ، وفي مثل هذا اليوم يكون قد تمم عامه الثالث والعشرين ودخل اليوم " الأحد " عامه الرابع والعشرين .

ولا أخفي صراحة انحيازي للأسرى القدامى ولذويهم .. فو الله أخجل من نفسي حينما أستحضر أسمائهم لبقائهم عشرات السنين في الأسر ، مع اعتزازي بهم وبصمودهم الأسطوري .

" حمزة " واحد ممن لم أنل شرف الالتقاء بهم في الأسر أو على شبك الزيارة ... لكن يكفي أنه من " عمداء الأسرى " ، وشاءت الظروف أن أتعرف على شقيقه " عمر " المقيم حالياً في بلغاريا ومن خلاله تعرفت أكثر على الأسير حمزة وأفراد أسرته المقيمة في مدينة جنين ، وقصته دفعتني للتحدث في وقت سابق عبر الهاتف مع شقيقه رشاد " أبو أشرف " وبالأمس وللمرة الثانية مع والدتهم الحاجة " أم عاطف  ".

حمزة وانتمائه للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

" حمزة النايف " .. اسم غني عن التعريف ، مناضل يعرفه الجميع ، ينتمي إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، ويُعتبر هو ورفيقه سامر المحروم الذي اُعتقل معه من قُدامى أسرى الجبهة عموماً ، وثالث ورابع أقدم أسرى محافظة جنين بعد الأسيرين عثمان بني حسين وهزاع السعدي ، وهو متميز داخل الأسر بعطائه ونشاطه ، يحظى بعلاقات تنظيمية ووطنية واسعة .

 وحدوي .. يسعى دائماً لتعزيز وترسيخ وحدة الحركة الأسيرة ، كما وأنه ينتمي لأسرة مناضلة يشهد لها الجميع في جنين ...

الاعتقال وثبات الانتماء والمبادئ

" حمزة النايف " اعتقل مع رفيقه سامر المحروم بتاريخ 15-11-1986 بعدما نفذا عملية قتل مستوطن في قلب القدس المحتلة طعناً بالسكاكين ، وصدر بحقهما فيما بعد حكماً بالسجن مدى الحياة .

وهو أعزب ومن مواليد عام 1966 ، و حينما أعتقل كان عمره عشرين عاماً ، و بالمناسبة سبق وأن اعتقل حمزة في يناير عام 1986 وأمضى عشرة شهور في الأسر لإنتمائه للجبهة الشعبية ومقاومة الإحتلال وتحرر أوائل نوفمبر وبعدها بأيام اعتقل للمرة الثانية لذات الأسباب ، وكأنه كان يريد أن يقول بأن السجن لم يوقف نضالاتنا ، بل على العكس يعزز انتمائنا وخيارنا وقناعاتنا  .. واليوم يكون حمزة قد أمضى في الأسر عقدين ونيف ، تفوق ما أمضاه من عمره خارج الأسر .. فهل سُيكتب له أن يمضي سنوات أخرى خارج الأسر ؟

ومع ذلك لم يتزعزع صموده أو تلين إرادته ، والسجن لم  يغير من قناعاته شيئاً ، كما لم تهتز مبادئه ، والمتغيرات السياسية العديدة لم تؤثر على انتمائه الحزبي ولم تُحيده عن خط ومسيرة جبهته .. فكان ولازال رجلاً قوياً صامداً و شامخاً وقدميه تعلو رقاب سجانيه . 

أسرة عانت الكثير وذاق أفرادها مرارة الاعتقال

فشقيقه عمر اعتقل وهو طفل في السادسة عشر من عمره وواظب بعدها على الاعتقال لأكثر من ثلاثين مرة ، وتعرض للملاحقة والمطاردة القاسية وأُبعِدَ قسراً عن الوطن عام 1993 ، وأشقاؤه الآخرون عماد وأحمد ومازن وكاشف اعتقلوا أيضاً لفترات متفاوتة ، وأقدمت سلطات الإحتلال على إغلاق بيت العائلة ، ووالدهم الحاج " أبو عاطف " رحمة الله عليه كان يحظى بمكانة اجتماعية مرموقة بين أوساط أبناء المدينة ، وكان عضو منتخب بالغرفة التجارية لمدينة جنين لمدة عشرون عاماً .

امرأة تعاني منذ ثلاثين عاماً وتحيا على الأمل

ويضيف فروانة في مقالته : والدته الحاجة "جميلة " رائعة في مواقفها ، متميزة في نضالاتها ، صامدة في وجه سجاني أبنائها ، صابرة ومواظبة على زيارة أبنائها في السجون منذ أكثر من ثلاثين عاماً ، متسلحة بالأمل ، أمل احتضان أبنائها ، وأمل العودة إلى بلدتها الأصلية صبارين قضاء حيفا ، ولم تفقد الأمل لبرهة ، كما لم تفقد البوصلة رغم المتغيرات السياسية .

امرأة إن فكَرْت في أن تمنحها جرعات من المعنويات والصمود .. تجد نفسك ضعيفاً أمام معنوياتها العالية وصمودها القوي وأملها الكبير بعودة أبنائها لحضنها ، هذا ما لمسته خلال حديثي معها عبر الهاتف ، .

تنقلات كثيرة وزيارات مريرة وشاقة ..

الحاجة " جميلة " أم عاطف " تنقلت مع حمزة ومن قبله أبنائها الآخرين إلى عدة سجون من عسقلان إلى نفحة ، ومن جلبوع إلى بئر السبع وريمون ، ومن ثم يعود ويستقر ابنها " حمزة " قبل شهور في سجن " جبلوع" ذاك السجن المجاور لسجن شطة في غور الأردن جنوب بحيرة طبريا والذي شُيد على الطريقة الإيرلندية وافتتح عام 2004 ، وهي تبلغ من العمر ( 74 عاماً ) وتعاني كغيرها من ذوي الأسرى من رحلة الزيارة الطويلة وما يرافقها من اذلال واهانة ومعاناة وعناء وتعب وأحياناً تنكيل واعتداء جسدي .

وخلال حديثي معها بالأمس عبر الهاتف أبلغتني أنها لم تَزْ ابنها " حمزة " منذ شهرين حيث كانت ترافق ابنها المريض في عمان ، مؤكدة أن الزيارة مؤلمة وتستغرق أكثر من عشر ساعات ، بالرغم من أن المسافة من البيت في جنين إلى سجن " جلبوع " ليس ببعيدة ولكن الإجراءات والحواجز والتفتيشات والمماطلة هي المعيق وهي التي تستنزف الوقت وتسبب التعب والإرهاق .

وتقول كل ذلك من أجل رؤية حمزة  يهون ، وأنها تنتظر بفارغ الصبر موعد الزيارة القادمة حتى تذهب إليه وتكحل عيناها برؤيته .

وأضافت لي " كل هذه المعاناة من أجل زيارة معدودة الدقائق ، ومن خلال لوح زجاجي يفصل بيننا لعشرات السنتيمترات ويحرمنا حتى من ملامسة أصابع يديه كالسابق ، والحديث يتم فيما بيننا عبر سماعات هاتف وأحياناً يتقطع الصوت أو يحدث تشويش ولم أسمعه جيداً ، وهي ظروف مشابهة لتلك التي كانت موجودة في سجن ريمون حيث كان يقبع هناك قبل نقله لجلبوع  .

وذكرت بأن الزيارة الأخيرة لنجلها الأسير " حمزة " كانت يوم الثلاثاء الماضي (10-11 ) وذهب لزيارته شقيقه الذي خرج من بيته الساعة السابعة صباحاً ، ليعود إليه في الثامنة مساءاً  .

والده لم يزره ورحل دون أن يراه ..

أما والد الأسير حمزة لم يستطع زيارته بسبب مرضه وعدم قدرته على الحركة وفقدان الذاكرة ، وقد توفى بعد سبع سنوات على اعتقال نجله " حمزة " ، دون أن يسمح للأسير وكالعادة من رؤيته ووداعه قبل أن يوارى الثرى .

ويخشى " حمزة " من رحيل والدته قبل أن ينعم باحتضانها ورؤيتها دون شبك وقضبان ، وهي تخشى المرض اللعين وفقدان القدرة على الذهاب لزيارة ابنها ، كما وتخشى الرحيل الأبدي دون أن تنعم هي الأخرى باحتضانه وضمه لصدرها .

و عودة على بدء ، فتأثيرات السجن تطول جميع عناصر الدائرة الإجتماعية الخاصة بالأسير ، وبدون شك فان سلطات الإحتلال الإسرائيلي تنتهج سياسة اعتقال المواطنين والزج بهم في سجونها ومعتقلاتها العديدة ، كسياسة ممنهجة تهدف إلى الإنتقام منهم وافراغهم من محتواهم الوطني والنضالي ، كعقاب لهم ولذويهم  في آن واحد ، دون أية اعتبارات انسانية .

وحقيقة فلقد فشلت في سياستها فالسجون تحولت لمدارس وجامعات فكرية وثورية خرجت أجيال وأجيال .. وذوي الأسرى كانوا دائماً سنداً قوياً لأبنائهم ... مع اقرارنا بحجم وثقل همومهم الكبيرة ومعاناتهم التي لا توصف ، والسؤال متى سينعم " حمزة " ورفاقه القدامى بالحرية ؟ وهل سيأتي بالفعل اليوم الذي سيتحقق فيه حُلم " حمزة " بالحرية ، واحتضان والدته الحاجة " جميلة " .. أم أننا سنبقى نعد لهم السنوات ونتغنى بصمودهم ..!!

 

* المقال " محّدث " حيث سبق ونشرناه بتاريخ 14-11-2008 تحت عنوان " جنين تشمخ بالأسير حمزة النايف أحد عمداء الأسرى..

 

 أرشيف المقلات

 

أرشيف الأسرى القدامى