17/4 يوم الوفاء للأسير الفلسطيني وقضيته العادلة
بقلم/عبد الناصر عوني فروانة
15-4-2021
لقد أيقن الشعب الفلسطيني منذ زمن بعيد، أن مقاومة المُحتل، شرفٌ تعتز به الشعوب، وتتباهى به الأمم، وما من شعبٍ قاوم الاحتلال إلّا وانتصر. وفي سياق مقاومته للاحتلال، قدم الشعب الفلسطيني أرقام خيالية من الأسرى والمعتقلين، ويُقدر عدد أولئك بنحو(1.000.000) فلسطيني، منهم (17.000) من النساء، وأكثر من (50.000) من الأطفال، هذا هو الإحصاء العام. إلا أنّ ما يجب إدراكه أن خلف هذه الأرقام تكمن كثيرًا من الحكايات والقصص.وما يجب معرفته أيضاً أن تلك الاعتقالات لم تقتصر على المقاومين الفلسطينيين فقط، وانما شملت الكل الفلسطيني، حتى اضحت قضيتهم عنواناً بارزاً ومعلماً أساسياً من معالم القضية الفلسطينية، وجزءاً أساسياً من نضال حركة التحرير الوطني الفلسطيني.
وفي حضرة يوم الأسير الفلسطيني وتسجيل هذه الأرقام الكبيرة، فمن الأهمية بمكان التأكيد على أنه إذا كان تحرير الأسرى والمعتقلين واجبا دينيا ووطنيا وانسانيا وضرورة جوهرية لتعزيز روح المقاومة، فان تثقيف المواطنين لمواجهة تداعيات الاعتقالات وآثارها يُعتبر واجباً ملحاً وضرورة حيوية لحماية المقاومة والتقليل من مخاطر الاعتقال. أما البحث عن كيفية مواجهة الاعتقالات التعسفية واليومية والعمل على وقفها أو الحد من تمددها وتصاعد أرقامها، بات ضرورة موضوعية لحماية المجتمع الفلسطيني من خرابها.
وتحل ذكرى "يوم الاسير الفلسطيني" هذا العام وما يزال قرابة (4500) أسير يقبعون في سجون الاحتلال الإسرائيلي، بينهم (140) طفلاً، و(41) أسيرة، و(440) معتقلا إداريا، دون تهمة أو محاكمة، و(10) نواب سابقين، ومئات من الأكاديميين والكفاءات العلمية والرياضيين والقيادات السياسية والمجتمعة. وعشرات كبار السن وأكبرهم سناً الأسير "فؤاد الشوبكي" الذي يبلغ من العمر (81 عاما).
وتشير المعطيات الإحصائية الى وجود قرابة (550) أسير يعانون من أمراض مختلفة، منهم عشرات ظروفهم صعبة للغاية، حيث يعانون من أمراض مزمنة وخطيرة، كالسرطان والقلب والفشل الكلوي والشلل، وهؤلاء بحاجة الى رعاية طبية مناسبة وتدخل علاجي عاجل لإنقاذ حياتهم. كما وتشير إلى أن نحو ((543 أسيراً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد "مدى الحياة" مرة واحدة أو عدة مرات، وأعلاهم حكما الأسير عبد الله البرغوثي، والذي صدر بحقه حكما بالسجن المؤبد (67) مرة..
وتمضى السنون وتنقضي الشهور والأيام، وتتراوح الأعداد بين جيل وجيل، وتتغير الوجوه وتتبدل الأسماء، ويقضي الأسرى أعمار وراء القضبان. وفي حضرة يوم الأسير الفلسطيني هذا العام، نقرأ اسماء نقشت عميقا في اذهاننا وعقولنا لنحو (62) أسيراً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين سنة على التوالي. ونتألم أكثر حينما نجد من بينهم (33) أسيرا مضى على اعتقالهم أكثر من ربع قرن، ومنهم (13) أسيرا وقد هَرِموا بعد أن أمضوا ثلاثين سنة وأكثر - ومازالوا- في سجون الاحتلال. فتأتي أمام ناظرنا صوراً لقامات شامخة وراء الشمس، فنرى كريم وماهر يونس ومحمد الطوس ووليد دقة وابراهيم أبو مخ وأحمد أبو جابر وسمير أبو نعمة ورائد السعدي وغيرهم. هذا بالإضافة إلى عشرات آخرين ممن تحرروا في صفقة وفاء الأحرار (شاليط) وقد أعاد الاحتلال اعتقالهم، ولعل أبرزهم "نائل البرغوثي" الذي أمضى ما مجموعه (41) سنة على فترتين. أرقام صادمة تُثير فينا كثير من الألم والوجع.
وفي حضرة الوفاء، نستحضر أرواح (226) أسيراً سقطوا شهداء بعد الاعتقال منذ العام 1967، بسبب الاهمال الطبي والتعذيب المميت والقتل العمد. فيحضرنا قاسم أبو عكر وعبد القادر أبو الفحم وخليل أبو خديجة وعمر عوض الله واسحق مراغة وعمر القاسم وابراهيم الراعي وأسعد الشوا ومصطفى العكاوي وخالد الشيخ علي وعبد الصمد حريزات، وسامي أبو دياك وداوود الخطيب والقافلة تطول. ونأمل أن يكون آخرهم الأسير كمال أبو وعر الذي استشهد بتاريخ 10تشرين ثاني/نوفمبر 2020 نتيجة الاهمال الطبي. هذا بالإضافة الى مئات آخرين –لم يتم احصاءهم- توفوا بعد خروجهم من السجن متأثرين بأمراض ورثوها عن السجون. وآخرين كُثر كان السجن قد تسبب لهم بإعاقات مستدامة، جسدية وعقلية أو حسية (بصرية وسمعية).
فيما ما تزال سلطات الاحتلال تحتجز (7) جثامين لأسرى استشهدوا داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي وهم: أنيس دولة واستشهد عام 1980، وعزيز عويسات عام 2018 وفارس بارود ونصار طقاطقة وبسام السايح، وثلاثتهم استشهدوا عام 2019، وسعدي الغرابلي وكمال ابو وعر، وقد استشهدا خلال العام الماضي.
وتحل مناسبة "يوم الأسير" هذا العام في ظروف استثنائية، حيث وحشية السجن وقسوة السجان وخطر "كورونا"، في ظل تردي الأوضاع الصحية داخل السجون وتصاعد عمليات القمع والتنكيل المنظمة من قبل السجان، والتخوف المشروع من خطر الاصابة بفيروس "كورونا"، والذي تفشى في المنطقة وتخطى جدران السجون وداهم الأقسام فأصاب نحو (368) اسيرا دون أن تتّخذ إدارة السّجون أيّ إجراءات لحماية الأسرى وضمان سلامتهم، ولم تقدّم لهم أدوات الوقاية والتّعقيم والتّنظيف اللازم، ودون تغيير يُذكر على كمية ونوعية الغذاء المقدم للأسرى، أو توفير احتياجات المرضى بما يساعدهم في تقوية المناعة ومواجهة "الوباء". كما ولم تُتخذ أي خطوة للأمام لمعالجة الاكتظاظ وتقليل الاحتكاك والمخالطة وضمان التباعد الجسدي، مما فاقم من معاناتهم ورفع درجة الخشية والقلق لديهم وعليهم في ظلّ استمرار الاستهتار الإسرائيليّ بحياتهم وصحّتهم، وتوقف زيارات الأهل والمحامين وانعدام آليات التواصل البديلة بين الأسرى وعوائلهم، مما شكّل عبئا إضافيا على الطرفين.
ان أعداد المصابين المعلومة هي وفقا لرواية ادارة السجون الإسرائيلية التي نشكك بمصداقيتها ولا نثق بها، ولدينا الكثير من التجارب السابقة التي تؤكد على أنها أخفت من قبل الملفات الطبية للعديد من الأسرى، وكثيراً ما تكتمت ولم تفصح عن طبيعة الأمراض التي عانى منها بعض الأسرى المرضى. لذا فلربما تكون الأرقام أكبر من ذلك بكثير. وهذا يستدعي منظمة الصحة العالمية الى التحرك والضغط على سلطات الاحتلال وارسال وفد طبي دولي محايد لزيارة السجون الإسرائيلية والاطلاع عن كثب على حقيقة الأوضاع هناك وتقديم اللازم بما يضمن انقاذ الأسرى المرضى وحماية الآخرين من خطر الاصابة بالأمراض وبفايروس "كورونا".
كما ويتطلب منا جميعاً الارتقاء بمستوى أداءنا، وبذل كثير من الجهد الإضافي واللجوء إلى استخدام كافة الآليات الدولية وتوظيفها بما يكفل تفعيل أدوات المُساءلة والمحاسبة، من جانب، ويضمن إنقاذ الأسرى من قساوة السجن ووحشية السجان وخطر "كورونا" من جانب آخر.
يذكر بأن المجلس الوطني الفلسطيني، كان قد أقرّ عام 1974، يوم السابع عشر من نيسان/ابريل، يوما للأسير الفلسطيني". وفاء لنضالات وتضحيات الأسرى والمعتقلين ونصرة لقضيتهم العادلة ودعماً لحقهم في الحرية والعيش بسلام في وطن حُر بين أهلهم وابناء شعبهم.
وفي آذار/مارس عام2008 أقرت القمة العربية التي عُقدت في دمشق، اعتماد السابع عشر من نيسان من كل عام يوماً عربياً يتم احيائه في الدول العربية تضامناً مع الأسرى الفلسطينيين والعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
ومنذ اقراره، والشعب الفلسطيني، في الوطن والشتات، ومعه مناصرو الحرية في العديد من الدول والعواصم العربية والأوروبية يحيونه سنويا، بأشكال ووسائل عديدة، مما جعل منه مناسبة عربية وعالمية، وفاءاً لأسرى فلسطين وقضيتهم العادلة التي حفرت عميقاً في ذاكرة ووجدان أحرار العالم.