اذا كانت القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009

فلنجعل من أبنائها الأسرى عنواناً للحركة الوطنية الأسيرة

 

ورقة عن واقع أسرى القدس بمناسبة يوم الأسير الفلسطيني 2009

مقدمة من الباحث المختص بشؤون الأسرى / عبد الناصر عوني فروانة*

خلال ندوة نظمها مركز معلومات واعلام المرأة الفلسطينية

15-4-2009

أرشيف التقارير عن اسرى القدس

الأخوات والإخوة الأفاضل جميعاً مع حفظ الألقاب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،

         بداية اسمحوا لي أن اتقدم بفائق احترامي وتقديري لكل من ساهم في اعداد وإنجاح هذه الفعالية لاسيما د. هدى حمودة ، على اعتبار ان فعالية كهذه من وجهة نظري تعتبر مميزة ، لإعتبارين أولهما بأنها تأتي في سياق فعاليات يوم الوفاء للأسرى " يوم الأسير الفلسطيني " وتسلط الضوء على معاناة الأسرى عموماً ، وثانيهما لأنها سلطت الضوء بشكل خاص على واقع معتقلي القدس المنسيين والمهمشين ، في ظل الإعلان عن القدس عاصمة للثقافة العربية لعام 2009 ، مما يحمل في طياته ترابط وثيق ما بين حرية الأرض وحرية الإنسان.

      هذا الترابط يقودني للتأكيد على أن لا معنى للحديث عن القدس الأسيرة عاصمة للثقافة العربية دون الحديث عن أبنائها الأسرى كعنوان للحركة الأسيرة ، ولا قيمة للحديث عن القدس كعاصمة للدولة الفلسطينية دون السعي الجاد لتحرير أبنائها الأسرى .

فالأسرى المقدسيون هم جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الأسيرة ، ومقدار تمسكنا بهم وسعينا لتحريرهم ، يعكس مدى تمسكنا بالقدس وتحريرها واعادتها للحضن العربي الإسلامي.

وهناك ترابط ما بين الأرض والإنسان ، فسلطات الإحتلال تسعى ومن خلال معاييرها الظالمة الى تمزيق وحدتنا ووحدة الحركة الأسيرة ، وتعمل على عزل الأسرى المقدسيين ، واستبعادهم في سياق سياستها الهادفة الى استبعاد القدس وسكانها عن جوهر الصراع العربي ـ الإسرائيلي ، وترسيخها وتعزيزها كعاصمة " اسرائيل " استناداً لقرار الكنيست الإسرائيلي الذي أقر في الثلاثين من تموز / يوليو عام 1980 ، من خلال جملة من الإجراءات .

وأنا شخصياً لا أستوعب الحديث عن القدس ومقدساتها والنضال من أجل تحريرها ، دون السعى الجاد لتحرير أبنائها من غياهب سجون الإحتلال الإسرائيلي .

 

الأسرى المقدسيون في أرقام

     من بين قرابة عشرة آلاف معتقل فلسطيني  يوجد قرابة ( 315 ) معتقل من القدس ، بينهم أطفال وفتيات ونواب ، ومنهم قرابة ( 80 ) معتقل يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد لمرة واحدة أو لعدة مرات . .

كما وأن من بين هؤلاء المعتقلين ( 45 معتقل ) يُعتبرون من المعتقلين القدامى ، الذين تم اعتقالهم قبل اتفاقية أوسلو وقدوم السلطة الوطنية الفلسطينية في مايو / آيار عام 1994 ، حيث مضى على اعتقال أقل واحد منهم خمسة عشر عاماً ، فيما يوجد من بين هؤلاء القدامى ( 20 ) معتقلاً مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاماً وما فوق ، فيما يعتبر الأسير فؤاد الرازم المعتقل منذ يناير 1981عميد الأسرى المقدسيين عموماً ، وبينهم من يعاني من أمراض خطيرة ومقيم منذ سنوات طوال في ما يُسمى مستشفى سجن الرملة ، كالمعتقل "علي شلالدة" الموجود في مستشفى سجن الرملة منذ أثني عشر عاماً ..

وجميع هؤلاء مكانتهم محفورة في أفئدتنا ، وأسمائهم محفوظة في ذاكرتنا ، لم ولن ننساها  .

 

الأسرى المقدسيون هم جزء لا يتجزأ من الحركة الأسيرة

      الأسرى المقدسيون هم جزء لا يتجزأ من الحركة الوطنية الأسيرة ، وكما شاركوا في النضال ضد الإحتلال قبل الإعتقال في كافة مراحله وبكافة أشكاله ، فإنهم واصلوا نضالهم داخل الأسر ومنهم من شكلوا ولازالوا قادة وأعمدة أساسية للحركة الأسيرة ، وشاركوا إخوانهم في الحركة الأسيرة جنباً الى جنب في تضحياتها ونضالها ضد ادارة السجون وخاضوا معهم عشرات الخطوات الإحتجاجية والإضرابات عن الطعام والتي تعرف بمعارك الأمعاء الخاوية ، وقدم الأسرى المقدسيون 14 أسيراً منهم شهداء خلف القضبان منذ العام 1967 ، منهم من حُفرت أسمائهم في ذاكرتنا للأبد واحتلت بالتأكيد مساحة كبيرة في أفئدتنا وعقولنا ، وعلى سبيل المثال لا الحصر الشهداء "قاسم أبو عكر ، اسحق مراغة ، عمرالقاسم ، مصطفى عكاوي ، حسين عبيدات ، محمد أبو هدوان" ، وآخر من التحق بشهداء الحركة الأسيرة كان الأسير المقدسي جمعة موسى الذي استشهد في 24 ديسمبر من العام الماضي .

واقع الأسرى عموماً

       لايمكن الحديث عن واقع الأسرى المقدسيين دون الحديث عن واقع الحركة الأسيرة عموماً باعتبارهم جزء لا يتجزأ منها ، حيث تمر الحركة الأسيرة منذ فترة ليست بالقصيرة بظروف في غاية الصعوبة ، وازدادت مأساة عقب أسر " شاليط " ،  فيما تصاعدت الهجمة قساوة وبشكل غير مسبوق بعد الإعلان عن فشل اتمام صفقة التبادل منتصف الشهر الماضي ، ولربما تكون الأشد والأقسى منذ عقود طويلة ، من خلال منظومة من الإجراءات والقوانين التعسفية التي تعتبر بمجملها انتهاكات فظة للقانون الدولي الإنساني ولمجمل الإتفاقيات الدولية لاسيما اتفاقيتي جنيف ، بل وفي بعض الأحيان ترتقي الى مصاف جرائم حرب .    

وقائمة الإنتهاكات طويلة جداً ولا حصر لها ، ولا مبالغة لو قلنا بان المبادئ التي تحتكم اليها ادارة سجون الإحتلال في تعاملها مع المعتقلين الفلسطينيين تنص على أن لا حقوق لهم ، والقاعدة انتهاكات بلاحدود ، فيما لا وجود لأوجه مقارنة أوتشابه ما بين الواقع المرير والنصوص الجميلة التي تتضمنها المواثيق الدولية .

 

واقع أسرى القدس خاصة

        واذا كان هذا هو حال الأسرى عموماً ، فان حال الأسرى المقدسيين أكثر ألماً ومرارة ، حيث  يعانون آلام الأسر وظروفه المأساوية من جانب ، ومن جانب آخر فهم محرومون من امتياز الأسرى الفلسطينيين بالإفراج عنهم في أيّ عمليّة تبادل أو ضمن الإفراجات السياسية أو حتى افراجات حسن النية ، وبالتالي بقيت قضيتهم رهينة في قبضة سلطات الإحتلال تتحكم بها كيفما تشاء .

وسلطات الإحتلال وبعد اعلانها عن ضم الجزء الشرقي من القدس رسمياً لحدود دولة الإحتلال في الثامن والعشرين من حزيران عام 1967 ، اعتبرت سكان القدس عموماً سكاناً مقيمين دائمين لديها ، ومنحتهم بطاقات الهويّة الزّرقاء، وتعني بطاقات إقامة دائمة ، فيما لم تمنحهم مواطنة الدّولة العبريّة كبقيّة المواطنين الفلسطينيين في أراضي الـ48 ، بمعنى لا هي اعترفت بانتمائهم للأراضي المحتلة عام 1967، واعتبارهم فلسطينيين ، ولا هي منحتهم المواطنة الإسرائيلية كبقيّة المواطنين الفلسطينيين في أراضي الـ48.

وعلى ضوء هذا الوضع القانوني المعقد والشاذ لهم ، فان سلطات الإحتلال تعاملت مع الأسرى المقدسيين معاملة الأسرى الفلسطينيين في الزنازين والتعذيب والأحكام الجائرة والظروف الإعتقالية والحياتية .. الخ ، وحرمهم من الإمتيازات التي من الممكن أن يحصل عليها هؤلاء الأسرى من افراجات في اطار العملية السلمية أو صفقات التبادل ، ولم تسمح لأي جهة فلسطينية أو عربية المطالبة بهم أو حتى الحديث بشأنهم .

وبذات الوقت تعاملهم معاملة السجناء الإسرائيليين الجنائيين، ، باعتبارهم يحملون هوية اقامة دائمة " زرقاء " وتعتبر سجنهم والأحكام الصادرة بحقهم شأناً داخليّاً ، وأنهم يخضعون لقوانينها الداخلية ، وفي نفس الوقت تحرمهم من الامتيازات التي يحصل عليها السّجناء الإسرائيليون ، ولا تعطيهم حتّى نصف تلك الحقوق .

وللأسف الشديد فان المفاوض الفلسطيني وافق على استبعادهم من اتفاقية أوسلو ومن كافة الإتفاقيات السياسية اللاحقة ، التي اقتصر الحديث فيها على أسرى الضفة الغربية وقطاع غزة فقط ، وبالتالي استثنتهم كافة الإفراجات السياسية وافراجات "حسن النية " التي جرت خلال انتفاضة الأقصى .

 فيما كافة صفقات التبادل التي جرت بعد العام 1985 ، لاسيما مابين " حزب الله " و" اسرائيل " هي الأخرى همشتهم ولم تشمل أي منهم .

مما عزز منطق الإحتلال في التعامل معهم ، وأبقى على قضيتهم رهينة في قبضته .

     وفي الآونة الأخيرة تناقلت بعض وسائل الإعلام أنباء أقلقتنا جداً – نأمل ونتمنى عدم صحتها - عن استبعادهم من صفقة التبادل التي يدور التفاوض حولها بالقاهرة بالنسبة " لشاليط " ، بعد اصرار حكومة الإحتلال على استثنائهم .

ومن الأهمية الانتباه هنا بأنه من الممكن ان توافق حكومة الإحتلال لاحقا على اطلاق سراح عدد محدود من الأسرى المقدسيين كحالات انسانية استثنائية ، دون علاج جذري للقضية وهنا تكمن الخطورة ، ويترسخ المنطق الإسرائيلي ، حيث ان المفاوضات كفلت الإفراج عن عدد محدود جداً منهم كبادرة حسن نية ، فيما ابقت على قضيتهم رهينة في قبضة الإحتلال ولم تغير في الواقع شيئاً  .

وهنا المنطق يقول بأن ما عجزت عن فرضه المفاوضات من شروط ، يجب أن تفرضه المقاومة ، ومن غير المقبول أن تقبل المقاومة بما اعتبرناه أخطاء جسيمة لأوسلو ، مع الإشارة بأن صفقة التبادل عام 1985 وما سبقها شملت أسرى مقدسيين ، بمعنى يمكن للمقاومة أن تفرض شروطاً تجبر حكومة الإحتلال على تغيير تعاملها مع هؤلاء الأسرى.

        وبكل الأحوال فاننا نؤكد على أن أي صفقة تبادل ستتم اليوم أو مستقبلاً دون أسرى القدس لاسيما القدامى منهم جميعا والمعتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من مايو / آيار عام 1994 ، وذوي المؤبدات ، هي صفقة غير مقبولة وستفقد بريقها ومضمونها ومعناها وستكون محط انتقاد من قبل الأسرى المقدسيين وذويهم ، بل ومن قبلنا ومن كل أبناء القدس .

وفي الختام أؤكد لكم بان قضية الأسرى المقدسيين هي  قضية شائكة ومعقدة ، واستمرار هذا الوضع المؤلم ، وتكرار مشاهد الإستبعاد والتهميش ، انما يترك آثاراً نفسية ومعنوية سيئة على المقدسيين عموماً ومنهم الأسرى وذويهم خصوصاً ، وفيما لو تمت صفقة التبادل دون شمولهم ، فان ذلك سيشكل حالة من الإحباط غير المسبوق لديهم ، حيث لافرصة لهم بالحرية الآن سوى ضمن الصفقة ، وعلى آسري " جلعاد شاليط " وضع قضية تحريرهم على سلم أولوياتهم وعلى رأس قائمتهم .

 

المجد للشهداء ، والشفاء للجرحى والحرية للأسرى ومنا العهد والوفاء

 

* أسير سابق وباحث مختص بشؤون الأسرى ومدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية .

الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان www.palestinebehindbars.org

 

 

أرشيف التقارير عن اسرى القدس